قال الإمام سفيان الثوري: (إنما العلم الرخصة من ثقة ، أما التشديد فيحسنه كل أحد).

التشديد في حقيقته هو الاجتهاد الأسهل وليس الاجتهاد الأفضل

الجمعة، 16 ديسمبر 2011

حوار مع المعارضين القائلين بوجوب ستر الوجه

يقولون: قال ابن تيمية : ( الله جعل الزينة زينتين: زينة ظاهرة وزينة غير ظاهرة ، وجوز لها إبداء زينتها الظاهرة لغير الزوج وذوي المحارم... ثم لما أنزل الله عز وجل آية الحجاب بقوله : {يَا أَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ}  حجب  النساء  عن  الرجال .فما  بقي يحل  للأجانب النظر إلا إلي الثياب الظاهرة ، فابن مسعود ذكر آخر الأمرين( أي حين قال : الزينة الظاهرة هي الثياب) وابن عباس  ذكر أول  الأمرين  ( أي حين قال: هي  في الوجه  والكفين  مثل الكحل والخاتم ) وقال أيضا : ( الوجه واليدان والقدمان ليس لها أن تبدي ذلك للأجانب علي أصح القولين بخلاف ما كان قبل النسخ).

الجواب عن هذا:

1- أين دليل نسخ؟ إن قول ابن مسعود وقول ابن عباس قولان في تفسير آية واحدة

وهي : {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} , وتفسير الآية هو ذكر معناها عند نزولها لا بعد نزول آية أخري ناسخة لها, وعلي ذلك ليس هناك مجال للقول إن ابن مسعود ذكر آخر الأمرين وابن عباس ذكر أول الأمرين. ولنكن علي ذكر أنه اذا كان هناك قولان في تفسير آية {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ، فهناك أيضا قولان في تفسير آية {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ} قول يقرر الإدناء علي الوجه ، وقول يقرر الإدناء علي الجبهه.


** دعوي النسخ لم يقل بها أحد غير ابن تيمية. قال العلماء:" لا يحل لأحد أن يقول في آية أو حديث إنهما منسوخان لا يجوز العمل بهما، إلا بنص جلي أو إجماع"


2- يشير ابن تيمية في موضع آخر إلي أن آية {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ} جاءت بعد آية {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} فأوجبت ستر الوجه بعد أن كان مصرحا للمرأة بإبدائه. وهذا يعني أن الآية الأولي نسخت الآية الثانية ، فهل الترتيب الزمني للآيات يفيد أن الأولي بعد الثانية؟

إن الآية الأولي في سورة الأحزاب حيث آية الحجاب {فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ} وآية الحجاب كانت قبل حادث الإفك ، فإذا كانت قصة الإفك قد وقعت بعد الحجاب فهذا يعني أن سورة النور - حيث وردت قصة الإفك- كانت بعد الحجاب أيضا ، وعليه تكون آية سورة النور قد نزلت بعد آية سورة الأحزاب.


قال الحافظ ابن حجر فى الفتح : (وكنت قد أمليت في أوائل كتاب الوضوء أن قصة الإفك وقعت قبل نزول الحجاب . وهو سهو ، والصواب بعد نزول الحجاب , فليصلح هناك).

قال شيخ الإسلام في (شرح العُمْدَة) كتاب الصلاة , وهو شرح عُمْدَةُ الْفِقْه لابن قدامة: 

(في عورة المرأة الحرة البالغة: وجميعها عورة يجب عليها ستر بدنها في الصلاة إلا الوجه وفي الكفين روايتان) , وقال: (وأما الوجه فلا تستره في الصلاة إجماعا. وأما الكفان إلى الرسغين ففيهما روايتان).
ثم ذكر توجيه رواية أن الكفين ليس بعورة في الصلاة ومنها آية الإبداء قال: (لقوله سبحانه: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال ابن عباس هو الوجه والكفان وهو كما قال لأن الوجه والكفين يظهران منها في عموم الأحوال ولا يمكنها سترهما مع العمل المعتاد ولأنه قال: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} فأمرهن بإرخاء الخمر على الجيوب لستر أعناقهن وصدورهن فلو كان ستر الوجه واليدين واجبا لأمر كما أمر بستر الأعناق).

هنا ترجيح من ابن تيمية أن تفسير ابن عباس هو الصحيح , وتأمل كيف نص علي أن مقتضي الآية إباحة كشف الوجه والكفين , وتأمل كيف كان تعليله نصا في أنهما يكشفان عادة فليس خاصا بالصلاة. ولاحظ كيف فهم أن الشريعة لو أرادت من الخمار تغطية الوجه لطلبت سحبه على الوجه كما طلبت سحبه علي العنق والصدر.

صحيح أن قول الشيخ تغير بعد ذلك وقال بعورة الوجه والكفين , بيد أنه يري أن ما قرره هنا منسوخا بنزول آية الجلباب كما تقدم. 

موقع سورتي النور والأحزاب حسب الترتيب للنزول نقلا من كتاب (تفسير القرآن علي حسب ترتيب النزول) تأليف ملاحويش آل غازى عبدالقادر:

سورة الأحزاب  ►►►        نزلت بالمدينة بعد سورة آل عمران
سورة الممتحنة                     نزلت بالمدينة بعد الأحزاب
سورة النساء                       نزلت بالمدينة بعد سورة الممتحنة
سورة الزلزلة
سورة الحديد
سورة محمد عليه السّلام
سورة الرّعد
سورة الرّحمن
سورة الإنسان
سورة الطّلاق
سورة البينة
سورة الحشر
سورة النّور ►►►

ونفس الترتيب من كتاب التمهيد في علوم القرآن، لسماحة الشيخ محمد هادي معرفة , وزاد سورة النصر بعد سورة الحشر.

وقال مجد الدين الفيروز آبادي فى "بصائر ذوي التمييز": أما السور المدنية : فذكروا أن أول ما نزل بالمدينة : سورة البقرة ، ثم سورة الأَنفال ، ثم سورة آل عمران ، ثم الأَحزاب ، ثم الممتحِنة ، ثم النساءُ ، ثم زلزلت ، ثم الحديد ، ثم سورة محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم الرعد ، ثم الرحمن ، ثم هل أتى على الإنسان ثم الطلاق ، ثم لم يكن ، ثم الحشر ، ثم إِذا جاءَ نصر الله ، ثم النور ، ثم الحج ، ثم المنافقون ، ثم المجادلة ، ثم الحجرات ، ثم التحريم ، ثم الجمعة ، ثم التغابن ، ثم الصف ، ثم الفتح ، ثم التوبة ، ثم المائدة
.                            
ملاحظة: غزوة بني النضير وقعت في السنة الرابعة وجاء ذكرها أول سورة الحشر التى نزلت بعد الواقعة بسنتين.

يقولون: أن (ما ظهر منها) هو ما ظهر من المرأة من غير إرادة وقصد ، كأن يتلاعب الريح بجلبابها فيظهر ما تحت ذلك من ثياب.

الجواب عن هذا:

أولا: هذا الكلام معارض لما صح عن ابن عباس وابن عمر أن الوجه والكفين من الزينة الظاهرة.

ثانيا: لو ذهبنا علي هذا الرأي لكان تقدير الآية هكذا "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر بدون قصد". وهذا الكلام لا يستقيم لأنه يقتضى أن تبدى المرأة ما ظهر بدون قصد , فكيف يقال ما ظهر بدون قصد يجب أن تبديه.

ثالثا: (ظهر) تقال إذا كان الشيء حدوثه حاصل ولا يخفى. قال الراغب الأصفهانى: (ظَهَرَ الشىءُ أصْلُه أن يحصل شىءٌ على ظهر الأرض فلا يَخْفَى). إذن الظهور فيه إبداء مع علانية.

مثال ذلك قوله تعالي {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}
قال الطبري : ولا تقربوا الظاهر من الأشياء المحرّمة عليكم التي هي علانية بينكم.
ونقل عن الضحاك قوله : {ما ظهر منها} يعني: العلانية.
وقال بن عاشور: ما يظهرونه ولا يسْتَخْفُون به.

فالظهور المستثنى في الآية للزينة المأذون فيها هو بدوها بدو علانية وظهور للعموم , والظهور لما كان إبداء علانية كانت مظنة القصد متوفرة في فاعله لأنه يدرك وقوع رؤية العموم له في العلانية.
لذا قال الزمخشرى وأبو حيان وهما من اللغويين ومن المفسرين أيضا : ( {إلا ما ظهر منها} يعني ماجرت به العادة والجبلة علي ظهوره والأصل فيه الظهور).
ومعني العادة , عادة من نزل عليهم القرآن , وما يظهر في العادة والأصل فيه الظهور كالوجه والكفان فضلا عن الثياب.

رابعا: أليس تفسير ابن مسعود للزينة الظاهرة بالثياب من أدلة الموجبين لستر الوجه , والثياب لا تظهر إلا بقصد!!!

يقولون: إن قول من قال في معنى {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أن المراد: الوجه والكفان, توجد في الآية قرينة تدل على عدم صحة هذا القول, وهي أن الزينة في لغة العرب هي ما تتزين به المرأة مما هو خارج عن أصل خلقتها: كالحلي والثياب فتفسير الزينة ببعض بدن المرأة خلاف الظاهر, ولا يجوز الحمل عليه إلا بدليل يجب الرجوع إليه..

الجواب عن هذا: 

أولا: على فرض صحة هذا الكلام فلا يُفهم من تفسير الزينة الظاهرة بالثياب أن الوجه والكفين من الزينة الباطنة.

ثانيا: صح عن ابن عباس وابن عمر أن الوجه والكفين من الزينة الظاهرة , وتفسير الصحابة للفظ من جهة اللغة مقدم علي تفسير من جاء بعدهم , وذلك لجمعهم الأسباب الموجبة لذلك التقديم , كعربية اللسان أصالة, وحداثة العهد بالتنزيل, واستشعار توجه الخطاب القرآني والنبوي, حيث كانوا يعيشون قصته, ويعرفون موارده , وكفاهم أن يكون أستاذهم في ذلك رسول الله بالمباشرة لا بالوسائط. فلا يصح أن تقدم تفسيرات تحكي في كتب اللغة علي تفسير يصح عن ابن عباس أو ابن عمر أو عائشة.

ثالثا: مفهوم الزينة:

الزينة تُطلَق على المحاسن التي خلقها الله سبحانه وتعالى , فمنها الزينة النفسية ويراد بها الصفات التي أمر بها الإسلام ورغّب فيها ، وأولها صفة الإيمان فالعلم والصدق والحلم والاعتقادات الحسنة، كما في قوله تعالى: {وَلـٰـكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِليْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَه فِي قُلُوبـِكُمْ} , ومنها الزينة البدنية كالقوة وجمال الخلْقة. ومنها الزينة الخارجية ومايُدرَك بالبصر كالمال والجاه ويندرج تحت هذا النوع من الزينة جميع أنواع الزينة الظاهرة من أنعام وأموال وحرث وكل مايتزين به الإنسان من لباس وحُلي وغير ذلك.

فغير صحيح أن الزينة هى الشىء الذى يضاف فقط , فإن الزينة قد تكون من ذات الشىء , كما فى قوله تعالى {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب} فتزيين السماء الدنيا بالكواكب وهى أصلا من ضمن بنيان السماء وليس شيئا زائد عنها. وفى قوله تعالى {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} فهى فى ذاتها زينة. وما ذكر من المال والبنين زينة فى ذاته , قال تعالى {المال والبنون زينة الحياة الدنيا}

فالمرأة زينة مخلوقة, المرأة مُزينة للرجل , أى أن كل المرأة بالنسبة للرجل زينة , وجهها زينة , وشعرها زينة ..الخ.

قال ابن العربى: ( إن الزينة نوعان: خلقية ومصطنعة , فأما الخلقية: فمعظم جسد المرأة).

قال القرطبي: (الزينة على قسمين خلقية ومكتسب, فالخلقية: وجهها فإنه أصل الزينة وجمال الخلقة.وأما الزينة المكتسبة:فهي ما تحاول المرأة في تحسين خلقتها به كالثياب والحلي والكحل والخضاب).

وقال الرازي: وأنكر بعضهم وقوع اسم الزينة علي الخلقة، لأنه لا يكاد يقال في الخلقة إنها من زينتها. وإنما يقال ذلك فيما تكتسبه من كحل وخضاب وغيره، والأقرب أن الخلقة داخلة في الزينة.

قال الأزهري: سمعت صبيا من بني عقيل يقول للآخر: وجهي زين ووجهك شين. والتقدير وجهي ذو زَيْنٍ

وقال عمر بن أبي ربيعة:
أزمَعَتْ خُلَّتِي مع الفجر بَيْنَا ... جَلَّل اللَّهُ ذلك الوَجْهَ زيْنا
جَلَّل: ملأ


يقولون: جاء عن ابن عباس : {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} قال: الكف ورقعة الوجه. وهذا يحتمل أن يكون تفسيراً للزينة التي نهين عن إبدائها , وقد أشار ابن كثير إلى هذا الاحتمال في تفسيره حيث قال: ((وقال الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: وجهها وكفيها والخاتم.وروي عن ابن عمر وعطاء وعكرمة وسعيد بن جبير وأبي الشعثاء والضحاك وإبراهيم النخعي وغيرهم نحو ذلك وهذا يحتمل أن يكون تفسيراً للزينة التي نهين عن إبدائها... ويحتمل أن ابن عباس ومن تابعه أرادوا تفسير ماظهر منها بالوجه والكفين، وهذا هو المشهور عند الجمهور)).


الجواب عن هذا:

كل ما جاءنا من أقوال عن المفسرين والفقهاء ( عدا الإمام ابن كثير ) تشير إلى أن ابن عباس فسر الزينة الظاهرة ، ولم نجد واحدا منهم قط أشار إلى عكس هذا أو إلى مجرد الخلاف في هذا.

قال شيخ الإسلام في الفتاوى:
والسلف قد تنازعوا فى الزينة الظاهرة على قولين فقال ابن مسعود ومن وافقه هى الثياب وقال ابن عباس ومن وافقه هى في الوجه واليدين مثل الكحل والخاتم وعلى هذين القولين تنازع الفقهاء فى النظر إلى المرأة الأجنبية.

ثم إن هذا الاحتمال الذي ذكره الإمام ابن كثيرا مقرا بأنه مخالف لرأي الجمهور , قد أشار أيضا إليه في قول ابن عمر, مع أن قول ابن عمر صريح في المعني المراد فقد قال إن الزينة الظاهرة هي الوجه والكفان.

قال الشيخ بن باديس: ( ولو ذهبنا علي هذا الرأي لكان تقدير الآية هكذا "ولا يبدين وجوههن إلا ما ظهر من وجوههن" وهذا لا قائل به وتكاد لا تكون فائدة لمعناه).

وتخصيص الزينة المنهي عن إبدائها بزينة الوجه والكفين معناه خروج ما عداهما أمام المحارم من هذا النهي ، مثل الشعر والذراعين وأسفل الساقين ، وهذا قول غير مقبول ، أما توجيه التفسير للاستثناء سيكون معناه استثناء الوجه والكفين من النهي فيبقى ما عداهما داخلا في هذا النهي ، وهو كثير بالنسبة للوجه والكفين , والاستثناء لا يأتى إلا فى القليل. 

وهذه نصوص أخرى جاء تفسير ابن عباس فيها عقب الآية كلها:

أخرج يحيى بن معين في الجزء الثاني من فوائده :حدثنا يحيى بن معين حدثنا ابن نمير عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} قال الوجه و الكف و الخاتم.إسناده صحيح.

ومثله عن جابر بن زيد عنِ ابنِ عبَّاسٍ في تفسيرِ الآيةِ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا قالَ الْكفُّ ورُقعةُ الوجْهِ.(جلباب المرأة للألبانى)

وعن جابر بن زيد أنَّ ابنَ عبَّاسٍ كانَ يقولُ في هذِه الآية وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا رقعه الوجهُ والكفَّانِ.(تحفة المحتاج لابن الملقن)

وقال ابن أبي شيبة في ((المصنف)) : حدثنا حفص عن عبد الله بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها قال : وجهها وكفها.

وتوجيه تفسير ابن عباس إلي الاستثناء يؤيده ماورد عن تلامذة ابن عباس.

فعن مجاهد : قوله {إلا ما ظهر منها} قال : الكحل والخضاب والخاتم.وهو القائل : عرضت القرآن علي ابن عباس ثلاث عرضات أقف عند كل آية أسأله عنها فيما نزلت وكيف نزلت
وروي ابن أبي شيبة عن عكرمة في قوله {إلا ما ظهر منها} قال : الوجه والكفان. وعن عطاء يقول : الزينة الظاهرة : الخضاب والكحل.وعند الطبري بسند صحيح :الكفان والوجه.

وتوجيه تفسير ابن عباس إلي الاستثناء يؤيده ما قاله السيوطي في الدر المنثور: أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في تفسير {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} قال : (والزينة الظاهرة : الوجه وكحل العين وخضاب الكف والخاتم , فهذه تظهر في بيتها لمن دخل من الناس عليها ثم قال ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن.. والزينة التي تبديها لهؤلاء الناس قرطاها وقلادتها وسواراها فأما خلخالها ومعضدتها ونحرها وشعرها فلا تبديه إلا لزوجها) , إسناده حسن كذا في كتاب تفسير ابن عباس للدكتور عبد العزيز الحميدى , وفيه نظر لأن سند الحديث منقطع بلا خلاف , ويؤخذ علي الرواية أن المرأة لا يري أبناءها شعرها.

والشيخ عبد القادر بن حبيب السندى  وهو من المعارضين لكشف الوجه قال فى كتابه ( رسالة الحجاب فى الكتاب والسنة ), صفحة رقم 26 . بعد أن اطلع على إسنادها قال أن هذه الرواية يعتمد عليها ويستأنس بها. وعلى فرض صحة هذا الأثر , واضح أن رواية ابن عباس هذه تفيد جواز كشف المرأة وجهها وكفيها لمن دخل عليها فى بيتها من الرجال الأجانب. فلماذا أخذ الشيخ برواية عبيدة السلمانى (ويبدين عينا واحدة) وترك رواية ابن عباس هذه!!!


وعلي فرض صحة الأثر فلا يفهم أن هذا قاصر علي البيوت , فلا فرق بين العورة داخل البيت عن خارجه. ولا يمكن جعل من يدخل عليها هنا خاصا بالمحارم , لأن لها كشف أشياء فوق ذلك أمامهم , ولأن سياق أثر ابن عباس بطوله وفيه تفسير الآية بشقيها يدل علي أنه يفرق بين زينة تبديها لمن يدخل عليها يعني من الأجانب ثم زينة تبديها لبعولتها وتتمة الأصناف , وذكره الإثنين في سياق واحد يدل علي المغايرة بين الزينتين بوضوح.

يقولون: في تفسير ابن عباس لقوله تعالى {إلا ما ظهر منها}: بأنه الكحل والخاتم , دلالة علي أن موضع الكحل هو العين لا الوجه كله وكذا موضع الخاتم هو الإصبع لا الكف كله.


الجواب عن هذا: 

مما يؤكد خطأ هذا الاستدلال أنه لا يمكن رؤية الخاتم في الإصبع إلا برؤية الكف , إلا إذا كان هناك قفازات بثقوب للخواتم!!! فالمراد بموقع الزينة ذلك العضو كله لا المقدار الذي تلبسه الزينة.

يقولون: قال الحافظ ابن حجر في شرحه حديث : ( يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ} شققن مروطهن فاختمرن بها)، قول: ( فاختمرن بها ) أي غطين وجوههن.


الجواب عن هذا:

1- هذا الكلام من ابن حجر مع تقديرنا له لا يصح ، لأن الخمار معروف في كتب اللغة وكتب التفسير وكتب الفقه أنه غطاء الرأس ، وعليه يكون معني (اختمرن بها ) غطين رؤوسهن، بل وفي نصوص السنة نفسها ما يؤكد ذلك:

• فعن بلال: أن رسول الله مسح علي الخفين والخمار.

• وعن مالك عن نافع أنه رأي صفية بنت أبي عبيدة امرأة ابن عمر تنزع خمارها ثم تمسح على رأسها بالماء ونافع يومئذ صغير.

• وعن ميمون بن مهران قال: دخلت على أم الدرداء فرأيتها مختمرة بخمار صفيق قد ضربت علي حاجبيها.

• عن أم علقمة بن أبي علقمة قالت: رأيت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر دخلت علي عائشة وعليها خمار رقيق يشف عن جبينها، فشقته عليها وقالت: أما تعلمين ما أنزل الله في سورة النور؟ ثم دعت بخمار فكستها.

• حديث " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار".  وهذا نص في أن الخمار اسم صحيح تام ولو كان الوجه مكشوفا، ومعنى الخمار واحد في الصلاة وخارجها. ولو كان الأصل في الخمار تغطية الوجه، لوجب إذن أن يتباحث العلماء في الصارف للفظ الخمار في الحديث، ولكنا نجد أنهم جميعا يقررون منه تقريرا بدهيّا  عدم وجوب تغطية المرأة وجهها في الصلاة، ولم يبحثوا قط الصارف للخمار في الحديث، لأنه لم يخطر ببالهم قط أن تغطية الوجه هو الأصل في اللفظة.

• قوله صلي الله عليه وسلم في المرأة التي نذرت أن تحج حاسرة:"ومروها فلتركب ولتختمر ولتحج.وفي رواية:"وتغطي شعرها".

 وفي صحيح مسلم وابن حبان : (...فخرجت أم سليم مستعجلة تلوث خمارها حتى لقيت رسول الله...) قال النووي في شرحه: أى تديره على رأسها.

2- ذكر الحافظ في تتمة شرحه ما يرجح أن الخمار في الأصل لا يغطي الوجه وذلك قوله: ( وصفة ذلك أن تضع الخمار علي رأسها وترميه من الجانب الأيمن علي العاتق الأيسر وهو التقنع، قال الفراء: كانوا في الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما قدامها، فأمرن بالاستتار والخمار للمرأة كالعمامة للرجل).

ومعنى كلام الفراء لا محل فيه لستر الوجه ، (والخمار للمرأة كالعمامة للرجل) والعمامة لا تستر الوجه. 

والعاتق لغة هو (مابين المنكب والعنق) كذا فى المعجم الوجيز, فإذا ألقى الخمار من اليمين إلى الكتف الأيسر فهو ستر العنق والجيب وليس الوجه.


وقال ابن حجر في موضع آخر: (قالت عائشة كما تقدم في تفسير سورة النور " لما نزلت وليضربن بخمرهن على جيوبهن أخذن أزرهن من قبل الحواشي فشققنهن فاختمرن بها " ولم تزل عادة النساء قديما وحديثا يسترن وجوههن عن الأجانب). وذكره لهذا علي كونه عادة لا يؤخذ منه لا الإيجاب ولا أن التغطية لازمة لاسم الخمار.

3- الخمار في معاجم اللغة العربية :

• معجم لسان العرب لابن منظور :والخِمَار النصيف وهو ما تغطّي بِه المرأَة رأسها. وفي سورة النور (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِن) أي سترًا لأعناقهنَّ.

• معجم تاج العروس لمرتضى الزبيدي : قِيل: كُلُّ ما سَتَرَ شَيْئاً فَهْو خِمَارُه،ومنه خِمَارُ المَرْأَةِ تُغَطِّي به رَأْسَها

• معجم الوسيط لمجمع اللغة العربية بمصر:"الخِمَار" كلُّ ما ستَرَ.ومنه خمار المرأة، وهو ثوب تغطّي به رأْسَها. ومنه العِمامة ؛ لأن الرجل يغطى بها رأْسَه ويُديرها تحت الحنك. وفي الحديث ( أنه كان يمسحُ على الخُفّ والخِمَار : العمامة).

• معجم المحيط تأليف أديب اللجمـي - شحادة الخوري - البشير بن سلامة -عبد اللطيف عب - نبيلة الرزاز :الخِمَارُ: كلُّ ما ستَر (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) والأشْهَر هو خِمار المرأة وهو ثوب تغطّي به المرأة رأسها.

• منجد الطلاب للفيروز ابادي : "الخمار" ما تغطي به المرأة رأسها 

• معجم الغني للدكتور عبد الغني أبي العزم :خِمَارٌ - ج: خُمُرٌ، خُمْرٌ، أَخْمِرَةٌ. [خ م ر]. 1."وَضَعَتْ خِمَارًا عَلَى رَأْسِهَا : قِطْعَةً مِنَ الثَّوْبِ تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا أَوْكَتِفَيْهَا. 2. خِمَارُ الرَّجُلِ: عِمَامَتُه .

• قال الراغب الأصفهاني (ت502هـ ) في كتابه " المفردات في غريب القرآن": 
الخمر، أصل الخمر: ستر الشيء ويقال لما يستتر به: (خمار) لكن (الخمار) صار في التعارف اسماً لما تغطي به المرأة رأسها ، وجمعه (خُمُر) قال تعالى: { وليضربن بخمرهن على جيوبهن}.

فهذه نصوص صريحة من هؤلاء العلماء وقد أجمعت كلها على ذكر الرأس دون الوجه في تعريفهم للخمار.

4- وجود أثار صحيحه عن الصحابه في تفسير {ما ظهر منها} في نفس الآية بالوجه والكفين يرد قول ابن حجر. ولا يستقيم أن يقال للمرأة لا تبدي إلا الوجه والكفين ولتضربي بخمارك علي نحرك ثم نقول هذا أمر بستر الوجه.

5- وإن كان الخمار في الأصل هو غطاء الرأس إلا أنه يحدث أحيانا أن تغطي المرأة وجهها أو بعض وجهها بخمارها، أي بغطاء رأسها. ولكن فرق بين هذا وبين القول (فاختمرن أى غطين وجوههن) , فهذا القول يعنى أن الأصل فى الخمار هو غطاء الوجه وهو غير صحيح.

جاء في ترجمة القاضي أبي علي التنوخي:
قل للمليحة في الخمار المذهـب‏...أفسدت نسك أخي التقى المترهب
نور الخمار ونور خدك تحتــه...عجبا لوجهك‏! ‏ كيف لم يتلهب؟

فقد وصفها بأن خمارها كان على وجهها.

قال الألبانى فى جلباب المرأة المسلمة : لا يلزم من تغطية الوجه به أحيانا أن ذلك من لوازمه عادة , ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حمل صفية وراءه جعل رداءه علي ظهرها ووجهها, وأن عائشة قالت في قصة الإفك "فخمرت وجهي بجلبابي" , فهل يمكن أن يؤخذ من ذلك أن الرداء والجلباب ثوبان يغطيان الوجه؟! فكذلك وصف الشاعر للمليحة بما سبق لا يمكن أن يؤخذ منه تعريف الخمار وأنه ما يغطى الرأس والوجه معا.غاية ما يقال أنه قد يغطى به الوجه كما قد يغطى بأى شيء آخر من الثياب كالرداء والجلباب والبردة وغيرها. وهذا كله يقال على افتراض أن وصف الشاعر للمليحة كان وصفا حقيقيا. وغالب الظن أنه وصف شعرى خيالى , فلا يمكن حينئذ أن يؤخذ منه معنى حقيقى يعتمد عليه.

وقال في الرد المفحم: "وأزيد هنا فأقول: قد جاء في قصة جوع النبي صلى الله عليه وسلم أن أنساً رضي الله عنه قال عن أم سُلَيم: فأخرجت أقراصاً من شعير، ثم أخرجت خماراً لها فلفت الخبز ببعضه… الحديث. أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما. 
والشاهد منه واضح وهو أن الخمار الذي تغطي المرأة به رأسها قد استعملته في لف الخبز وتغطيه، فهل يقول أحد: إن من معاني الخمار إذا أطلق أنه يغطي الخبز وتغطيه؟! لا أستبعد أن يقول ذلك أولئك الذين تجرؤوا على مخالفة تلك النصوص المتقدمة من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة الدالة على أن (الخمار) غطاء الرأس دون دور وجهها، فقال أولئك: ووجهها. لا لشيء، إلا لأنه قد استعمل لتغطية الوجه كالجلباب ! ولو أحياناً!"

يقولون: قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}. فإن الخمار ما تغطي به المرأة رأسها فإذا كانت مأمورة بأن تضرب بالخمار على جيبها كانت مأمورة بستر وجهها ، وإنما لم يذكر هاهنا للعلم بأن سدل الخمار على أن يُضرب على الجيب لا بد أن يغطي ما بينهما.


الجواب عن هذا:

أولا : ليس فى الآية سَدْل , إنما "يضربن" أى الوَقْع بشدة. وذلك يكون مثلا بإلقاء الخمار بإحكام من اليمين إلى الكتف الأيسر , وذلك ستر العنق والنحر وليس الوجه.

ثانيا : الذين يقولون هذا الكلام هم أول من ينقضه , فهم نظروا إلى حديث (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) واستدلوا به علي أنه يباح للمرأة كشف وجهها في الصلاة إذا لم يكن هناك أجانب , وقالوا أن الخمار في الحديث هو غطاء الرأس والعنق. 

ثالثا: لا يلزم من وجوب ستر الرأس والصدر وجوب ستر الوجه , إنما هذا افتراض ولا يقبل إلا بدليل , وهو مخالف لكشف المرأة وجهها فى الصلاة , ومخالف لقول أئمة التفسير.

وهذه نماذج من أقوال المفسرين في تفسير الآية وكلها تشير إلى لى الخمار علي العنق والصدر وأنه لا يشمل الوجه:

• تفسير الجلالين : {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ } أي يسترن الرؤوس والأعناق والصدور بالمقانع.

• تفسير الطبري : (وليلقين خمرهن وهى جمع خمار على جيوبهن ، يسترن بذلك شعورهن وأعناقهن وقرطهن)

• تفسير القرطبي : وهيئة ذلك أن تضرب المرأة بخمارها علي جيبها لتستر صدرها.

• معالم التنزيل للبغوي : قوله عزّ وجلّ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ} ، أي: ليلقين بمقانعهن، {عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ} ، وصدورهنّ ليسترن بذلك شعورهنّ وصدورهنّ وأعناقهن وقراطهن.

• زاد المسير لابن الجوزي: قوله تعالى: {وليضربن بخمرهن} وهي جمع خِمار، وهو ما تغطى به المرأة رأسها،والمعنى: وليُلْقِين مَقانِعَهن {على جيوبهن} ليسترن بذلك شعورهن وقرطهن وأعناقهن.

• تفسير الخازن :{وليضربن بخمرهن} يعني ليلقين بمقانعهن {على جيوبهن} يعني موضع الجيب وهو النحر والصدر يعني ليسترن بذلك شعورهن وأعناقهن وأقراطهن وصدورهن.

• تفسير ابن عاشور : والخمار: ثوب تضعه المرأة على رأسها لستر شعرها وجيدها وأذنيها.

• تفسير الثعلبي : {وَلْيَضْرِبْنَ} وليلقين {بِخُمُرِهِنَّ} أي بمقانعهن وهي جمع خمار وهو غطاء رأس المرأة {عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ} وصدورهن ليسترن بذلك شعورهنّ وأقراطهنّ وأعناقهن.

• صفوة التفاسير للصابوني: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ} أي وليلقين الخمار وهو غطاء الرأس على صدورهن لئلا يبدو شيء من النحر والصدر

والجدير بالذكر أن المفسرين الذين فسروا قوله تعالي {إلا ما ظهر منها} بالثياب على اعتبار أن الوجه والكفين عندهم مما يجب ستره, نجدهم قد فسروا الخمار بأنه ثوب يوضع على الرأس, وأن المؤمنات أمرن بأن يسترن به أعناقهن وآذانهن ونحورهن وصدورهن, ولم يذكر واحد منهم الوجه, فانظر ـ مثلا ـ ابن الجوزي من مفسري الحنابلة. 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (شرح العُمْدَة): ({وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} فأمرهن بإرخاء الخمر على الجيوب لستر أعناقهن وصدورهن فلو كان ستر الوجه واليدين واجبا لأمر كما أمر بستر الأعناق). وإقراره لهذا الفهم لم يتغير ولكن جعله منسوخا.
قال الشيخ الحبيب بن طاهر: (قوله تعالى: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} فإنه يستدل به على أن المراد بقوله تعالى: {إلا ما ظهر منها} الوجه والكفان. ووجه الاستدلال أن الخمر التي أمر الله تعالى المؤمنات بضربها على جيوبهن هي خمر معهودة ومعروفة من عهد الجاهلية إلى غاية نزول الآية في عهد الإسلام , وكن يستعملنها لتغطية رؤوسهن , حسبما يفيده ضمير "هن" في قوله (خمرهن) الدال على أنه مضاف إليهن.
وإنما أفادت الآية تشريعا لصفة وضع الخمر, بتغيير ما كان عليه النساء من كشف لآذانهن ونحورهن وصدورهن, إلى طلب ستر هذه المواضع. ولا يشك أحد في أن وجوههن كانت مكشوفة مع هذه المواضع , فلو كان التشريع الجديد يشمل الوجه لكان المناسب أن يصرح بذكره مع الجيوب , لكن عدم ذكره يفيد اختلاف حكمه عن حكم الجيوب, وأنه موضوع الاستثناء الذي في قوله تعالى: {إلا ما ظهر منها} استصحابا للعرف المعهود).

وأما قولهم : أن الخمار غطاء الرأس ولكن الرأس يشمل الوجه.

فيناقش هذا بقوله تعالي: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلي الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلي المرافق وامسحوا برءُوسكم وأرجلكم إلي الكعبين}. فالأمر بمسح الرأس في الوضوء لا يدخل فيه الوجه , فالشرع ميز بينهما.
وعن ابن عباس أن النبي صلي الله عليه وسلم قال في المحرم الذي خر من بعيره " ولا تخمروا وجهه ولا رأسه " رواه مسلم.
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال للجلاد : اتق الوجه ، والرأس.


يقولون: قال تعالى {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} فهل الضرب بالأرجل وفتنة صوت الخلخال أشد أم فتنة الوجه.


الجواب عن هذا:

1- هذا قياس مع الفارق , فذاك صوت يسمع بالأذن ، وهذا وجه يرى بالعين , وقد أمرنا بغض البصر ولكننا لم نؤمر بسد الأذنين. ثم أن الفتنة في صوت المرأة أشد من الفتنة في قدم المرأة ومع ذلك صوت المرأة ليس بعورة .

2- إن فتنة الوجه أمر مقرر ولا خلاف عليه، ولكن من حكمة الشارع أنه تجاوز عن تلك الفتنة ولم يحظر كشف الوجه لما يحققه الكشف من مصالح متعددة واكتفي بحظر ما قد يصاحب كشف الوجه من مثيرات الزينة الصارخة والعطر الفواح.

3- من حكمة النهي عن الضرب بالأرجل أن هذا الفعل من المرأة كما يقول أبو السعود في تفسيره: ( يورث الرجال ميلاً إليهن ويوهم أن لهن ميلاً إليهم)، ويقول القرطبي في تفسيره: ( وسماع هذه الزينة أشد تحريكاً للشهوة من إبدائها)


يقولون: إن وجه المرأة أجمل ما في المرأة فكيف لا تشمله العورة بينما تشمل أسافل الساقين.


الجواب عن هذا:

1- هل العورة – سواء عورة الرجل أو عورة المرأة – هي أجمل ما فيهما؟ العورة لها خصوصيتها ، فهي تبدأ بالسوأتين لأنه يسوء منظرهما ولا تجمل رؤيتهما ، والسوأتان وحدهما محل الإجماع في عورة الرجل ويلي السوأتين ما جاورهما من البطن والفخذين ، وهذه هي حدود عورة الرجل ، وهي ذاتها حدود عورة المرأة مع محارمها من الرجال في رأي بعض الفقهاء ، وأوسع من ذلك قليلا في رأي البعض الآخر.

2- وإذا تأملنا في حدود هذه العورة ، نجد أن العورة قد ارتبطت أولاً: بأجزاء الجسم المتعلقة بالجماع وما جاورها والتي إذا وقع النظر عليها ذكرت الفرد بالجماع وأثارت شهوته، وارتبطت ثانياً: بأجزاء لايحتاج الإنسان رجل كان أو امرأة إلي كشفها في عامة الأحوال سواء في البيت أو خارجه وسواء في وقت عمله أيا كان عمله أو في وقت راحته.وهذا من حكمة الشارع ورحمته حتي لا يشق على الإنسان ويحرجه بستر جزء من بدنه يحتاج إلي كشفه لمصالح عديدة.

3- وإذا كانت عورة المرأة مع الرجال الأجانب اتسعت لتشمل جميع بدنها عدا الوجه والكفين وزاد بعضهم القدمين ، فذلك لعدة اعتبارات أولها وأهمها: ما حبا الله به أجزاء بدن المرأة من جمال خاص يفتن الرجال , وثانيها: أن عملها في الغالب داخل البيت لرعايته ورعاية أطفالها ، وثالثها: أن حاجتها للقاء الرجال الأجانب محدودة ، وإذا وقعت الحاجة وتعاملت مع الرجال لم يشق عليها هذا الستر.

4- والأولى من كل هذا أن يقال: إن الشرع الحكيم يحرص دائما علي توفير أمن الفتنة وفي الوقت نفسه يحرص على رفع الحرج والمشقة وهنا موضوع سفور الوجه غلب الشرع قاعدة رفع الحرج على قاعدة أمن الفتنة إذ يراها فتنة محدودة.

قال الشيخ محمد الحسن الددو:
الحسن والقبح يعرضان من خلال الشريعة فما حسنته الشريعة فهو حسن وما قبحته فهو قبيح , فيرجع إلى النص ولا يرجع إلي التحسين والتقبيح العقلي فالله أعلم بما يلزم ستره.

قال الألباني في "الرد المفحم":
ويبدو لي أنهم- لشعورهم في قرارة نفوسهم بضعف حجتهم- يلجأون إلى استعمال الرأي ولغة العواطف- أو ما يشبه الفلسفة- فيقولون: إن أجمل ما في المرأة وجهها ، فمن غير المعقول أن يجوز لها أن تكشف عنه! فقيل لهم: وأجمل ما في الوجه العينان ، فعمّوها إذن ومروها أن تسترهما بجلبابها!

وقيل لهم على طريق المعارضة: وأجمل ما في الرجل- بالنسبة للمرأة- وجهه ، فمروا الرجال أيضاً بفلسفتكم هذه أن يستروا وجوههم أيضاً أمام النساء، وبخاصة من كان منهم بارع الجمال، كما ورد في ترجمة أبي الحسن الواعظ المعروف بـ (المصري):"أنه كان له مجلس يتكلم فيه ويعظ ، وكان يحضر مجلس وعظه رجال ونساء ، فكان يجعل على وجهه برقعاً تخوّفاً أن يفتتن به النساء من حسن وجهه. أمشروع ما فعله هذا المصري أم لا؟! مع علمهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أجمل منه ولم يفعل فعله! فإن قلتم بشرعيته، خالفتم سنة نبيكم وضللتم، وهذا مما لا نرجوه لكم، وإن قلتم بعدمها - كما هو الظن بكم - أصبتم، وبطلت فلسفتكم، ولزمكم الرجوع عنها، والاكتفاء في ردكم عليّ بالأدلة الشرعية إن كانت عندكم فإنَّها تغنيكم عن زخرف القول ".

يقولون: قال رسول الله : (المرأة عورة) وما دامت المرأة عورة فينبغي سترها جميعها دون استثناء الوجه.


الجواب عن هذا:

1- الذين يستدلون بهذا العموم هم أول من ينقضة , فهم نظروا إلى حديث (لا تنتقب المرأة المحرمة ...) واستدلوا به على وجوب النقاب في غير الإحرام والنقاب يبرز العينين وما حولهما , فخالفوا هذا العموم الذي يستدلون به.

2- "المرأة عورة" لا يفيد أن المرأة كلها عورة , بل يفيد على أهمية أن تستر المرأة عورتها إذا خرجت من بيتها فلا تظهر مفاتنها للرجال وتغويهم بجسدها, لا أنها يجب عليها ستر وجهها.وإطلاق اللفظ العام وإرادة الأغلب أو وصف الجزء بالكل للدلالة على أهمية هذا الجزء أسلوب مشهور من أساليب العرب. 

ومثله قول النبي صلي الله عليه وسلم "الحج عرفه", وليس الحج كله عرفة , فإن من وقف بعرفة وحدها دون أداء باقي مناسك الحج لا يُعد حجه تاماً , فالمقصود أن الركن الأعظم في الحج هو الوقوف بعرفة.وقوله "الدين النصيحة" أي الركن الأعظم في الدين هو النصيحة. وقوله "التوبة الندم" أي الركن الأعظم في التوبة هو الندم. وقوله "ألا إن القوة الرمي" توجيه لأهمية تعلم الرمي ودقته. وهكذا. 

وكما يقال في الأمثال (المال الإبل) و(الناس العرب) و(الشجاعة علي) على التفضيل.


يقولون: قال رسول الله ( لا تنتقب المحرمة ) وحظرالإنتقاب في الإحرام يفيد أنه الأصل في غير الإحرام وأنه واجب.


الجواب عن هذا:


1- وهل إذا أمر الله الحجاج بتعرية رؤوسهم في الإحرام كان ذلك يفيد أن الرؤوس تغطى وجوبا في غير الإحرام ؟!!.النهي عن نوع من اللباس في الإحرام لايعني أنه واجب في غير الإحرام كلبس العمائم والبرانس والخفاف والقمص فإن محظورات الإحرام أشياء كانت في الأصل مباحة وليس منها شيء كان واجباً ثم صار بالإحرام محظوراً.



2- النهي عن نوع من اللباس في الإحرام لا يعني ضرورة أنه من عادة جميع الناس في غير الإحرام , ومثال ذلك لبس البرانس والقمص,فإنه كان من عادة بعض الرجال لا جميعهم , فقد كان غالب لبس العرب الإزار والرداء.



3- وشبيه بهذا الحديث قول عائشة: ( لا تلثم المحرمة ) فهل حظر التلثم في الإحرام يفيد أنه الأصل في غير الإحرام وأنه واجب؟ وإن كان كذلك فالتلثم يكون معه معظم الوجه مكشوفاً ولايستر غير الشفتين والذقن، فهل يقبل المعارضون هذه الدرجة من الستر؟ 



وعن عائشة قالت: ( المحرمة تلبس من الثياب ماشاءت إلا ثوباً مسه ورس أو زعفران ولاتبرقع ولا تلثم وتسدل الثوب علي وجهها إن شاءت).وهذا نص صريح في جواز إبداء المرأة وجهها في الإحرام ، وإن جاز في الإحرام فقد دل ذلك على أنه ليس منها بعورة ، فيجوز في غيره . 

الورس : نبات أصفر طيب الرائحة يصبغ به.

البرقع : غطاء فيه خرقان للعين تلبسه الدواب وتلبسه نساء الأعراب ، وخاصة في الصحراء.



وفي البخاري ( ولبست عائشة الثياب المعصفرة وهي محرمة وقالت ( لاتلثم ولاتبرقع ولا تلبس ثوباً بورس ولازعفران) وقال جابر ( لاأري المعصفر طيباً ولم تري عائشة بأساً بالحلي والثوب الأسود والمورد والخف للمرأة ). 


يقولون: النبي صلي الله عليه وسلم إنما نهى عن الألبسة المختصة بالوجه كالنقاب والبرقع ، وأما مجرد تغطيته بأي شيء كأن تسدل ثوبها على وجهها فإنه لا حرج في ذلك 
. 

الجواب عن هذا:


إلزام أن تغطي المرأة وجهها في الإحرام بغير النقاب معناه أن تحريم أنواع الثياب علي المحرم والمحرمة من نوع واحد وهذا ليس دقيقا.
                                                                  
المحَّرم علي الرجال لبسه في الإحرام قد عُرف أنه المفصل والمخيظ بالنظر في المشترك في تلك الأنواع، لا خصوص هذه الأنواع المذكورة , ولذا يصح قياس غيرها عليها , ويطلب الستر بغيرها, فهذا قد فهم منه أن المطلوب هو نوع الثياب وليس لذلك علاقة بباب العورة يمكن أن يستدل بها عليها , فيبقي المستور مستورا بأدلة العورة العامة للرجال لكن مع تحاشي المخيط.

أما فيما يتعلق بالمرأة فقد أبيح لها لبس المفصل والمخيط بلا خلاف باستثناء النقاب والقفازين , وتخصيصهما من دون سائر المفصل والمخيط الذي يستر الجسد إشارة إلي أن ليس لهما حكم سائر الجسد. فمعني ما يحرم علي المرأة مختلف عن معني ما يحرم علي الرجال وهو جنس المفصل والمخيط. ويكون المعني أن الله شرع في العبادات التي تبرز فيها المرأة لربها ألا تغطي وجهها إلا لحاجة كمرور رجل ونحوه. فلباس الحج للمرأة ليس من جنس لباس الحج للرجل , وإنما هو من جنس لباس الصلاة للمرأة. وهذا يصحح فهم الفقهاء الذين استدلوا بهذا المبني أنه ليس بعورة. ويظهر ذلك في كشف الخثعمية وجهها مع رؤية الفضل ابن العباس إياها , والحديث وإن لم يستلزم وجوب الكشف , فلا أقل من أن فيه دلالة علي جوازه وأنه ليس بعورة وأن النساء حتي مع قرب الرجال لم يكن يسترن وجوههن وجوبا


قال الشيخ حمد بن عبد الله الحمد في " شرح زاد المستقنع " :


صح عن ابن عمر- كما في البيهقي- بإسناد صحيح: أنه قال: ( إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه )

وأنكر شيخ الإسلام ما نسب إلى النبي صلي الله عليه وسلم من قوله : ( إحرام المرأة في وجهها ) وقال : " إنما هو قول لبعض السلف " ، وهو كما قال فإنه قد رُفع إلى النبي صلي الله عليه وسلم ذلك ولا يصح ، وأما قول شيخ الإسلام : أنه قول لبعض السلف : فنعم هو لبعض السلف ، لكنه ليس كأي أحد من السلف بل هو إلى ابن عمر ممن يحتج بقوله حيث لم يكن له مخالف ولم يخالف السنة الثابتة عن النبي صلي الله عليه وسلم.



إذا علم الخلاف في هذه المسألة : فليعلم أن منشأ الخلاف في هذه المسألة - أي باعث الخلاف - هو: هل الشارع نهى المرأة عن النقاب والبرقع لكون النقاب والبرقع لباساً مختصاً بالوجه [فيشبه القميص في حق الرجل] وحينئذٍ لا يحرم على المرأة إلا اللباس المختص به ، أم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النقاب والبرقع لكونه غطاءً للوجه فيحرم عليها كل غطاء وكل تغطية ؟



أما الجمهور فقد سلكوا المسلك الثاني .



أما شيخ الإسلام في ظاهر قوله ، وهو قول ابن القيم ومذهب بعض الحنابلة فقد سلكوا المسلك الأول.

قالوا : النبي صلي الله عليه وسلم إنما نهى عن اللباس المختص بالوجه وهو النقاب والبرقع ، ولم يمنع من تغطية الوجه فأشبه ذلك المحرم فإنه ينهى أن يلبس القميص ويجوز له أن يغطي بدنه بإزار ورداء .

وأما الجمهور فقالوا : - كما تقدم - أنه نهى عن التغطية مطلقاً . ومسلك الجمهور أصح مما ذهب إليه بعض الحنابلة .
فإن النساء في اللباس لسن في حكم الرجال ، فإن المرأة يجوز لها أن تلبس القمص وأن تغطي رأسها بالألبسة المختصة بالرأس وتلبس الخفاف والجوارب ونحو ذلك ، فليست كالرجل ، فلا يحرم عليها شيء من الألبسة ، ولو كان المقصود من النهي عن البرقع والنقاب أنه لباس لجاز لها كسائر الألبسة ، فدل على أن المقصود من ذلك إنما هو تغطية الوجه .

ثم إن قول ابن عمر صريح في ذلك ، فإنه قال : (إحرام المرأة في وجهها) ولا نعلم أثراً صريحاً يخالف أثره.

وأما قول عائشة : ( فإن شاءت أسدلت ثوبها على وجهها ) فإنه من المعلوم أن المرأة لا تسدل ثوبها على وجهها إلا إن كان هناك أجنبي ، وإلا فإنها لا تشاء ذلك أصلاً إلا على أحوال نادرة ، على أن هذا ليس صريحاً في المخالفة كما تقدم .

إذن : الراجح مذهب جماهير العلماء وقد حكى اتفاقاً أن المرأة إحرامها في وجهها ، فإذا غطت وجهها من غير حاجة فإنها تكون فاعلة محظوراً من محظورات الإحرام.

يقولون: إن الأمر في قوله تعالي {فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ} يفيد وجوب ستر الوجه وهو عام لنساء المؤمنين وليس خاصا بنساء النبي صلي الله عليه وسلم .والعبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب.

الجواب عن هذا:

1.    إن اللفظ في الآية الكريمة ليس عاما بل هو خاص بنساء النبي صلي الله عليه وسلم بدلالة النص والسياق. فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْييِ مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْييِ مِنْ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} (سورة الأحزاب:الآية 53)

فضمير {سألتموهن} عائد إلى الأزواج المفهوم من ذِكر البيوت في قوله {بيوت النبي}. وجاء متصلا بحكم الحجاب في نفس الآية قوله تعالي: {ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا}, وهذا حكم خاص , فلا يصح أن نجتزيء حكم الحجاب ونفرق هذا عام وهذا خاص بدون دليل , فالخطاب كله خاص بنساء النبي صلي الله عليه وسلم كما جاء بصريح الآية.

2.  فإن قال المانعون للكشف: وإن سلمنا لكم بأن اللفظ هنا خاص بنساء النبي صلي الله عليه وسلم وأنهن مأمورات بالحجاب وهن العفيفات الطاهرات، أفليس غيرهن من نساء الأمة أولى بهذا منهن؟ قلنا هذا مناقش من أوجه :

الأول: أن الأمر مع نساء النبي صلي الله عليه وسلم مبناه على التشدد أكثر من غيرهن، قال تعالى: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْن}, فالله خص نساء النبي صلي الله عليه وسلم بتضعيف العقوبة على الذنب , لأن معصيتهن أذى لرسول الله وذنب ، والذنب والأذى لرسول الله أعظم وأقبح من الأذى والذنب لغيره من بقية الرجال.

الثاني: أنه لو كان الأمر كذلك لأُمرنا نحن عامة المسلمين بتكاليف أكثر من النبي صلي الله عليه وسلم ؛ لأن الله تعالى قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر إضافة إلى عصمته صلي الله عليه وسلم من الذنوب ونحن المعرضون للذنوب والعذاب , لكنَّا وجدنا أنه صلي الله عليه وسلم قد خُص بتكاليف أشد وأشق مما كلف به سائر المسلمين كقيام الليل مثلا.

3.  إن نزول آية الحجاب فى سورة الأحزاب  كان قبل نزول آية الإدناء فإن قال المانعون للكشف أن ستر الوجه لنساء المؤمنين وجب بآية الإدناء بطل ذلك ولابد استدلالهم بآية الحجاب علي أنها أوجبت الستر الكامل لجميع النساء وقولهم عن العله وعموم اللفظ ونحو ذلك.

4.  المفسرون متفقون علي أن سبب نزول آية "الإدناء" أن النساء كن يخرجن علي غير هيئة الستر الكامل الذى كانت عليه أمهات المؤمنين وكن يتعرضن لأذى الفساق فنزلت الآية وهذا يبطل الاستدلال بآية الحجاب علي أنها كانت تلزم عموم المؤمنات ولا تخص نساء النبي صلي الله عليه وسلم.

من أقوال الفقهاء في خصوصية الحجاب بنساء النبي صلى الله عليه وسلم:

قال بن قتيبة : {وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب} وهذه خاصة لأزواج رسول الله كما خصصن بتحريم النكاح علي جميع المسلمين.
قال القاضي عياض : فرض الحجاب مما اختص به أزواج النبي صلي الله عليه وسلم.
قال المهلب :...الحجاب إنما هو في حق أزواج النبي صلي الله عليه وسلم خاصة.
قال ابن بطال:...إن نساء المؤمنين ليس عليهن من الحجاب مايلزم أزواج النبي صلي الله عليه سلم.
قال أبو داود بعد إيراده قول رسول الله لزوجتيه أم سلمة وميمونة عند دخول بن أم مكتوم (إحتجبا منه , أفعمياوان أنتما) : وهذه لأزواج النبي صلي الله عليه وسلم خاصة.
قال الطحاوي : فأبيح للناس أن ينظروا إلى ما ليس بمحرم عليهم من النساء إلى وجوههن , وأكفهن , وحرم ذلك عليهم من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم , لما نزلت آية الحجاب , ففضلن بذلك على سائر الناس ...فكن أمهات المؤمنين قد خصصن بالحجاب ما لم يجعل فيه سائر الناس مثلهن.
قال الطاهر بن عاشور: وهو حجاب خاص بهن لا يجب على غيرهن.

يقولون: إن آية {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ} تأمر نساء النبي صلي الله عليه وسلم مع عامة النساء إذا خرجن أن يدنين من جلابيبهن ونساء النبي صلي الله عليه وسلم كن مأمورات بالحجاب في الآية الكريمة {فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ} فلابد أن يكون معني الإدناء هو إدناء الجلباب علي الوجه حتي يتم تطبيق الحجاب المفروض علي نساء النبي صلي الله عليه وسلم.

الجواب عن هذا:

1.  إن آية الحجاب فرضت احتجاب أمهات المؤمنين عن مجلس الرجال داخل البيوت، كما فرضت عليهن ستر وجوههن إذا خرجن من البيوت هكذا كان شأنهن قبل نزول آية {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ}. فقول عائشة (في حديث الإفك): (فعرفني حين رآني وكان يراني قبل الحجاب) أصح رواية وأصرح عبارة في سفور وجوه أمهات المؤمنين قبل فرض الحجاب , وأن قولها: (فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني وخمرت وجهي بجلبابي) أصح رواية وأصرح عبارة في التزام أمهات المؤمنين بستر وجوههن بعد فرض الحجاب.

2. إن الأدب الجديد الذي ترسمه آية {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ} هو أدب يعم جميع الحرائر ومنهن أمهات المؤمنين وذلك لعلة نصت عليها الآية الكريمة {ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ} أى ليتميز الحرائر عن الإماء تميزا واضحا فلا يتعرض لهن أحد بريبة.

قال الشيخ ابن باديس:"....فآية الإبداء أفادت طلب ستر الأعضاء إلا الوجه والكفين وآية الإدناء أفادت طلب الستر الأعلي الذي يحيط بالثياب ويعم الرأس وما والاه من الوجه وهو الجبين وينضم علي البدن ليحصل به تمييز الحرائر بالمبالغة في التستر والاحتشام".

3. لا يلزم من العطف في آية الإدناء التساوي  في الحكم , فالشيء الواحد قد يرد في القرآن الكريم لكن لا يقصد به الشبه التام في الحالتين الموجه لهما الخطاب. مثال ذلك قوله تعالي{وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ...}فالمذكورين في الآية تختلف مراتبهم في إبداء الزينة , فيبدي للزوج ما لا يجوز للأب , ويبدي للأب ما لا يجوز إبداؤه لولد الزوج. قال القرطبي: ((لما ذكر الله تعالى الأزواج وبدأ بهم ثنّى بذوي المحارم وسوى بينهم في إبداء الزينة ، ولكن تختلف مراتبهم بحسب ما في نفوس البشر ، فلا مرية أن كشف الأب والأخ على المرأة أحوط من كشف ولد زوجها وتختلف مراتب ما يُبدى لهم ، فيبدى للأب ما لا يجوز إبداؤه لولد الزوج)). فأبو المرأة محرم وابن زوجها محرم، لكن أبوها يرى منها أكثر مما يرى منها ابن زوجها، فالأب لا يفكر في الاعتداء على ابنته، لأنها عرضه، أما ابن الزوج فقد يتجرأ على امرأة أبيه، وليس على هذا نص صريح من الكتاب والسنة، ولكنه مبني على مسألة المفاسد.

وقوله تعالى {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}هناك رأي أن كلمة التعزير والتوقير لله وللرسول معا لكن لكل منها مفهوم يختلف عن الآخر.

وقوله تعالى {إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً}  فصلاة الله: كلامه الذي يُقدِّر به خيراً لرسوله صلى الله عليه وسلم لأن حقيقة الدعاء في جانب الله معطّل، لأن الله هو الذي يدعوه الناس، وصلاة الملائكة والناسِ: استغفار ودعاء بالرحمات.

إذَنْ لا يلزم أن يكون الإدناء متماثل بين نساء النبي صلي الله عليه وسلم ونساء المؤمنين. فنساء المؤمنين يرتدين الجلباب مع  كشف الوجه والكفين , وأمهات المؤمنين  يرتدين  الجلباب مع تغطية وجوههن  فضلا عن بقية البدن بسبب الحكم الخاص الواقع عليهن وهو حكم حديث الرجال من وراء حجاب.

4. نزول آية النور متأخرا عن آية الأحزاب** يبطل أدلة المانعين للكشف علي وجوب ستر الوجه بآية الإدناء من وجهين:

الأول: أن أهل التفسير ذكروا أن سبب نزول آية الزينة هو أن النساء كن وقت نزولها إذا غطين رؤوسهن بالخمر يسدلنها خلفهن كما تصنع النبط فتبقى النحور والأعناق بادية.
قال القرطبي:وسبب هذه الآية أن النساء كن في ذلك الزمان إذا غطين رؤوسهن بالأخمرة وهي المقانع سدلنها من وراء الظهر. قال النقاش : كما يصنع النبط، فيبقى النحر والعنق والأذنان لا ستر على ذلك، فأمر الله تعالى بلي الخمار على الجيوب، وهيئة ذلك أن تضرب المرأة بخمارها على جيبها لتستر صدرها.
وقال الشوكاني: قال المفسرون : إن نساء الجاهلية كن يسدلن خمرهن من خلفهن ، وكانت جيوبهن من قدّام واسعة ، فكان تنكشف نحورهن ، وقلائدهن ، فأمرن أن يضربن مقانعهن على الجيوب لتستر بذلك ما كان يبدو. 
  
الثانى: وجود أثار صحيحه عن الصحابه في تفسير {ما ظهر منها} بالوجه والكفين.

** من كتاب "عودة الحجاب" لمحمد اسماعيل المقدم الجزء الثالث صفحة  413 وهو من كتب المانعين للكشف :
((كل هذه الأوامر بالحجاب إنما نزلت في سورة الأحزاب في السنة الخامسة من الهجرة النبوية ,      وشاع الحجاب في المجتمع المسلم بعد نزولها , وقبل الأمر بغض البصر , الذي نزل في سورة النور   التي نزلت في السنة السادسة من الهجرة))



يقولون: جاء في تفسير الطبري: (يقول تعالي ذكره: يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين لا يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن فكشفن شعورهن ووجوههن، ولكن ليدنين عليهن من جلابيبهن لئلا يعرض لهن فاسق إذا علم أنهن حرائر بأذي من قول)

الجواب عن هذا:

1- كلام الطبري ليس صريحا البته في ستر الوجه، فمجرد ذكره أن الإماء كن يكشفن شعورهن ووجوههن، لا يستلزم أن الحرة أمرت بسترهما معا، فإن التمييز يحصل بستر الشعر دون الوجه.

2- الطبري رجح أن الاستثناء في آية سورة النور {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} راجع إلي الوجه والكفين، قال: (وأولي الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عني بذلك الوجه والكفين). فكيف يتركون الصريح من الكلام، ويتعلقون بالمتشابه ضعيف الدلالة منه.

يقولون: جاء في تفسير الطبري: (يقول تعالي ذكره: يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين لا يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن فكشفن شعورهن ووجوههن، ولكن ليدنين عليهن من جلابيبهن لئلا يعرض لهن فاسق إذا علم أنهن حرائر بأذي من قول)

الجواب عن هذا:

1- كلام الطبري ليس صريحا البته في ستر الوجه، فمجرد ذكره أن الإماء كن يكشفن شعورهن ووجوههن، لا يستلزم أن الحرة أمرت بسترهما معا، فإن التمييز يحصل بستر الشعر دون الوجه.

2- الطبري رجح أن الاستثناء في آية سورة النور {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} راجع إلي الوجه والكفين، قال: (وأولي الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عني بذلك الوجه والكفين). فكيف يتركون الصريح من الكلام، ويتعلقون بالمتشابه ضعيف الدلالة منه.

يقولون: حديث المرأة سفعاء الخدين ليس فيه ما يدل على أن النبي r رآها كاشفة عن وجهها، وأقرها على ذلك، بل غاية ما يفيده الحديث أن جابرًا رأى وجهها، وذلك لا يستلزم كشفها عنه قصدًا، وكم من امرأة يسقط خمارها عن وجهها من غير قصد، فيراه بعض الناس في تلك الحال، فعلى المحتج بحديث جابر المذكور، أن يثبت أنه r رآها سافرة، وأقرها على ذلك، ولا سبيل له إلى إثبات ذلك. وقد روى القصة المذكورة غير جابر، فلم يذكر كشف المرأة المذكورة عن وجهها، وقد ذكر الإمام مسلم في صحيحه ممن رواها غير جابر فذكر أبا سعيد الخدري، وابن عباس، وابن عمر، وذكرها غيره عن غيرهم. ولم يقل أحد ممن روى القصة غير جابر أنه رأى خدي تلك المرأة السفعاء الخدين ، وبذلك يُعلم أنه لا دليل على السفور في حديث جابر المذكور.

الجواب عن هذا:

1.    وهذا هو عين في رد الثابت، وتأويل الواضح الدلالة، فالانصراف عما يدل عليه ظاهر اللفظ , أوسياق القصة, لا يكون جائزاً إلا بدليل عاضد. ووصف المرأة بهذا الوصف يقطع بأنها كانت سافرة.والرسول مضي حتي أتي النساء فوعظهن فقامت المرأة وكلمت النبي r وكلمها ولم ينكر عليها r كشف وجهها.

2.    فأما قول: (وكم من امرأة يسقط خمارها عن وجهها من غير قصد...) فهذا إحالة على جهالة، وإذا تطرق الشك بطل الاستدلال، ولو صح هذا الأمر لأمرها النبي r بإصلاح شأنها، وستر وجهها، فإنه r لم يكن ليقع منكر أمامه ولا يغيره، أو يأمر بتغييره.

3.    إذا كان سيدنا جابر حريصًا على نقل القصة بتفاصيلها لدرجة أنه وصف المرأة التي سألت بأنها سعفاء الخدين ، فلو سقط خمارها فبان وجهها لذكر ذلك وبيَّنه.

4.    وأما القول أن جابر انفرد بحكاية رؤية المرأة ، أليس هو صحابي عدل حجة ، ومن رواه عنه من العدول الثقات ، فهل إذا تفرد برواية ما لم يروه غيره توقف في خبره ، أم رُدَّ خبره؟!

قال الدرقطني وأبو حاتم وأبو زرعة والبخاري: «الزيادة من الثقة مقبولة».  بحسب القرائن


وهذه روايات أخري لنفس القصة فيها وصف المرأة بنفس ما وصفها به جابر:

·       عن أبى هريرة قال: ألا هل عست امرأة تخبر القوم بما يكون من زوجها إذا خلا بها؟! ألا هل عسى رجل أن يخبر القوم بما يكون منه إذا خلا بأهله؟! فقامت منهن امرأة سفعاء الخدين فقالت: والله إنهم ليفعلون وإنهن ليفعلن , قال: فلا تفعلوا ذلك , أفلا أنبئكم ما مثل ذلك؟ مثل شيطان أتى شيطانة بالطريق فوقع بها والناس ينظرون.(السلسلة الصحيحة للألبانى)

·   عن أبي هريرة قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ، وفيه نسوة من الأنصار ، فوعظهن ، وذكرهن ، وأمرهن أن يتصدقن ، ولو من حليهن ، ثم قال :ألا هل عست امرأة أن تخبر القوم بما يكون من زوجها إذا خلا بها ؟ ألا هل عسى رجل أن يخبر القوم بما يكون منه إذا خلا بأهله ؟ فقامت منهن امرأة سفعاء الخدين فقالت : والله إنهم ليفعلون وإنهن ليفعلن قال : فلا تفعلوا ذلك أفلا أنبئكم ما مثل ذلك ؟ مثل شيطان أتى شيطانة بالطريق فوقع بها والناس ينظرون. (كتاب "مساوئ الاخلاق" للإمام ابي بكر الخرائطي وصححه للألباني)

·       عن أبى سعيد الخدرى قال :ألا عسى أحدكم أن يخلو بأهله يغلق بابا ثم يرخى سترا ثم يقضى حاجته ثم إذا خرج حدث أصحابه بذلك ألا عسى إحداكن أن تغلق بابها وترخى سترها فإذا قضت حاجتها حدثت صواحبها فقالت امرأة سفعاء الخدين والله يا رسول الله إنهن ليفعلن وإنهم ليفعلون قال فلا تفعلوا فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقى شيطانة على قارعة الطريق فقضى حاجته منها ثم انصرف وتركها.(رواه المنذرى فى الترغيب والترهيب وحكمه:له شواهد قوية)

وقد ذهب بعضهم مذهبًا آخر في الجواب عن هذا الحديث فقال بأن هناك حرفًا مغيَّرًا في الحديث ورجَّح ما نقله القاضي عياض عن حذاق شيوخه من أن: لفظ (سطة النساء) غلط في صحيح مسلم، وأن الصواب: (امرأة من سفلة النساء) وكذا رواه ابن أبي شيبة في مسنده والنسائي في سننه, وفي رواية لابن أبي شيبة: (امرأة ليست من علية النساء) ثم قال: "قوله – أي في الحديث -: (سفعاء الخدين) فمعناه: فيها تغير وسواد، فعلى هذا فقوله: (امرأة من سفلة النساء سفعاء الخدين) أي: ليست من علية النساء – بل هي من سفلتهم- وهي سوداء وهذا القول يُشعر ويشير إشارة قوية إلى أن المرأة كانت من الإماء وليست من الحرائر، وعليه فلا دليل في هذا لمن استدل به على جواز كشف وجه المرأة؛ إذ أنه يغتفر في حق الإماء ما لا يغتفر في حق الحرائر".

وقد أجاب عن هذا الإمام النووي في شرحه على مسلم فقال: "وهذا الذي ادعوه من تغيير الكلمة غير مقبول بل هي صحيحة، وليس المراد بها من خيار النساء بل المراد امرأة من وسط النساء جالسة في وسطهن، قال الجوهري وغيره من أهل اللغة : يُقال وسطت القوم أسِطُهم وسَطًا وسِطة أي: توسطتهم. قوله (سفعاء الخدين) بفتح السين المهملة أي فيها تغير وسواد".

وعلى فرض التسليم بأن الحرف مُغيَّر، فإن لفظ (سفلة) لا يدل دلالة قطعية على أنها كانت من الإماء؛ بل هو مجرد احتمال لا يخلو من نظر عند التحقيق، ففي القاموس وشرحه للزبيدي: "(وسِفْلَةُ النَّاسِ، بالكسْرِ)، على التَّخْفِيفِ بِنَقْلِ كَسْرَةِ الْفاءِ إِلَى السِّينِ، نَقَلَهُ ابنُ السِّكِّيتِ عن بعضِ العَرَبِ، (وكفَرِحَةٍ: أسافِلُهُمْ، وغَوْغَاؤُهُمْ)، وأَرَاذِلُهُم، وسُقَّاطُهُم، (و السَّفَالَةُ بالفتحِ: النَّذَالَة) ". فانظر إلى هذا فإن الشيخ مع تقصِّيه للمعاني الواردة في اللغة لم يذكر ولو إشارة إلى أن هذا اللفظ قد يستخدم مع الإماء.

ثم إن هذه المرأة معروفة وهي أسماء بنت يزيد من بني الأشهل من الأوس أحد القبيلتين العريقتين في المدينة وهما الأوس والخزرج وهي شابة في عصر الرسالة.ولم يرد ذكر في كتب التراجم أنها كانت من الإماء.وقد روت أصل هذه القصة فى حديث أخرجه البيهقى والطبرانى:
·       عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله خرج إلى النساء وأنا معهن فقال يا معشر النساء إنكن أكثر حطب جهنم فناديت رسول الله وكنت عليه جريئة لم يا رسول الله قال لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير.
وشهر بن حوشب مولى الصحابية أسماء بنت يزيد الأنصارية . كان من كبار علماء التابعين.           
قال الحافظ الذهبى مختلف فيه وحديثه حسن.
                      
من كتاب (المرأة العالمة في عهد النبوة تأصيل وتميُّز) د.أميرة بنت علي الصاعدي/أستاذ مساعد بجامعة أم القرى:

((أسماء بنت يزيد العالمة المحدثة الفقيهة , ثالث امرأة راوية للحديث بعد أم المؤمنين عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما ... من ذوات العقل الراجح والدين السليم , عُرفت بحسن المنطق وقوة البيان , كانت حريصة على تعلم أمور دينها والسؤال عنها.
وكانت تسمي بخطيبة النساء لأنها كانت تبادر وتسأل النبي r في أكثر من موضع ومن أهم تلك المواضع ما جاء في قصة العيد عندما قال النبي للنساء أنتن أكثر حطب جهنم فقالت امرأة كما في رواية مسلم من سطة النساء سفعاء الخدين لم يارسول الله ؟ قال لأنكن تكفرن العشر وتكثرن الشكاة الخ.وقال ابن حجر في أحد المواضع في الفتح هي أسماء بنت يزيد ,اعتمد في ذلك على بعض الروايات لها، وهي المرأة التي جاءت تسأل النبي r عن غسل الحيض كما في صحيح مسلم. وهي المرأة التي جاءت تطلب أن يخصص النبي r للنساء يوما لتعليمهن كما في الصحيحين ولم يذكر اسمها , قال ابن حجر في الفتح :لم أقف على اسمها لكن يحتمل أنها أسماء بنت يزيد))

وأما قولهم : ربما تكون هذه المرأة من القواعد , فيناقش هذا بأن أسماء هي المرأة التي ذهبت تسأل النبي r عن غسل المحيض فيبعد أن تكون من القواعد.

ففي تهذيب التهذيب قال الحافظ : و لها ذكر فى " صحيح مسلم " فى الغسل من الحيض فى حديث صفية عن عائشة قالت : دخلت أسماء بنت شكل ، فقالت : يا رسول الله كيف تغتسل إحدانا من المحيض.
ورواه الخطيب ...عن صفية بنت شيبة عن عائشة: أن أسماء بنت يزيد سألت النبي r عن الغسل من الحيض.
وهي أسماء بنت يزيد السَّكن , والذي وقع في مسلم تصحيف , لأنه ليس في الأنصار من اسمه شكل كما قال الخطيب وابن الجوزي والدمياطي.
كما أن أسماء قد ماتت في خلافة يزيد بن معاوية في حدود السبعين هجرية.  أي بعد ستين عاما من وفاة النبي r  , مما يعني أنه يستبعد ان تكون من القواعد في عصر الرسالة .

وأما قولهم : أن ذلك محتمل أن يكون قبل فرض ‏الحجاب , غير صحيح , بل الواقعة حدثت بعد فرض الحجاب لأن آية الحجاب إنما نزلت سنة خمس، حين بنى r بزينب بنت جحش , وزمن ورود هذه الواقعة كان بعد صلح الحديبية, في يوم عيد من الأعياد.

  • عن بن عباس قال: شهدت الفطر مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ، يصلونها قبل الخُطبة ، ثم يخطب بعد ، خرج النبي صلى الله عليه وسلم  ، كأني أنظر إليه حين يجلس بِيده ، ثم أقبل يشقهم ، حتى جاء النساء معه بلال، فقال: { يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} الآية ، ثم قال حين فرغ منها : أنتن على ذلك. قالت امرأة واحدة منهن لم يجِبه غيرها: نعم. لا يدري حسن (من الرواة) من هي ، قال: فتصدقن. فبسط بلال ثوبه، ثم قال : هلم لكن فداء أبي وأمي. فيلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلالٍ.(رواه البخارى)


أولا: انتقل ابن عباس مع أبويه إلى دار الهجرة سنة الفتح وذلك فى العام الثامن من الهجرة وهذا لا يكون إلا بعد فرض الحجاب.

ثانيا: النبى r قرأ على النساء آية المبايعة وهي في آخر سورة الممتحنة, وفي صحيح البخاري  عن المسور أن آية الامتحان نزلت في يوم الحديبية, وكان ذلك سنة ست فى شهر ذى القعدة, فيكون النبي r أعاد قراءتها على النساء في عيد الفطر, كما في الحديث, وهو عيد الفطر الذي بعد صلح الحديبية, وهو إمّا في فطر السنة السابعة أو التاسعة أو العاشرة.أمّا فطر السنة الثامنة فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة , بل كان بمكّة في غزوة الفتح فقد فتحها الله عليه في شهر رمضان وبقي بها حتى قدم عيد الفطر ودخل شوال.

إذن القصة وقعت إما فى فى فطر السنة التاسعة أو العاشرة.



يقولون: عن قصة الفضل بن العباس و الخثعمية : ليس فيه امرأة كانت سافرة بوجهها فيحتمل أن ابن عباس أراد حسن قوامها وقدّها ووضاءة ما ظهر من أطرافها.

الجواب عن هذا:

هذا القول من أبعد الأقوال عن الصواب , فمن أين للراوي أو الرائي أن يعرفها أنها حسناء وضيئة؟! وأى أطراف هذه التى رآها الفضل ، فأعجبته وضاءتها ؟!

وتأمل قوله وكان الفضل رجلا وضيئاً .

وقوله وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة .

هل هناك شك في أن المقصود هنا غير الوجه ؟ !!

وهل وصف الفضل بأنه وضيء لحسن قامته؟!!

قال العيني في "عمدة القاري" : قوله وضيئا أي لحسن وجهه ونظافة صورته , قوله وضيئة أي حسنة الوجه تضيء من حسنها.

وقال ابن حجر في "الفتح" : قوله وضيئة بوزن عظيمة من الوضاءة أي حسنة جميلة .

وقال النووي في "شرح مسلم" : الوضيئة مهموزة ممدودة هي الجميلة الحسنة والوضاءة الحسن.

وقال السيوطي في "شرح مسلم" : وضيئة بالهمز والمد أي جميلة حسنة.

قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" : وجارية وضيئة أي جميلة.



يقولون: 1- إن كان الفضل قد رأى وجه الخثعمية فرؤيته لا تدل على أنها كانت مستديمة لكشفه, ولا أن النبي صلي الله عليه وسلم رآها سافرة بوجهها وأقرها علي ذلك , وكثيرا ما ينكشف وجه المتحجبة بغير قصد.
2- أن الذين شاهدوا قصة الفضل والخثعمية لم يذكروا أنها وضيئة.
3- أن النبي صلي الله عليه وسلم سكت عن كشفها وجهها أمام الناس ولم ينكر عليها لحداثة عهدها بالإسلام

الجواب:

1- أما القول الأول , فهذه مكابرة أخرى فإن قول ابن عباس: "فأخذ الفضل ينظر يلتفت إليها" , وفي الرواية الأخرى: "فطفق ينظر إليها وأعجبه حسنها" , يفيد استمرار النظر , فلو انكشف بغير قصد لنظر الفضل مرة واحدة ولذلك قال ابن بطال :" لم يحول النبي صلي الله عليه وسلم وجه الفضل حتى أدمن النظر إليها لإعجابه بها…"
وفي رواية أحمد : ثم أعدت النظر فقلب وجهي عن وجهها حتي فعلت ذلك ثلاثاً وأنا لا أنتهي. فكيف يقال بعد ذلك أن النبي صلي الله عليه وسلم لم يرها كاشفة عن وجهها ، ولم يقرها!

2- أما قولهم أن الذين شاهدوا قصة الفضل والخثعمية لم يذكروا أنها وضيئة , فالفضل أخبر بما رأي من المرأة الخثعمية لإعجابه بحسنها ، ولا يلزم من ذلك أن ينظر إليها على بن ابي طالب ليصفها بنفس ما وصفها به الفضل.وفي رواية علي رضي الله عنه "واستفتته جارية شابة من خثعم" ما يدل علي أنه عرف أنها شابة من وجهها.

3- وأما قولهم أن النبي صلي الله عليه وسلم سكت عن كشفها وجهها أمام الناس ولم ينكر عليها لحداثة عهدها بالإسلام , فهذا الكلام فيه تعطيلاً للسنة التي منها إقراره صلي الله عليه وسلم ، ذلك لأنه ما من شيء سكت عنه صلي الله عليه وسلم وأقره إلا ومن الممكن لكل مجادل أن يُبطله بمثل ذلك القول!والقاعدة الشهيرة "تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز"



يقولون: أن سؤال الخثعمية للنبي صلي الله عليه وسلم كان في الطريق من مزدلفة إلى منى , وبهذا فإن المرأة كانت محرمة فيجوز لها الكشف.
فعن ابن عباس أن امرأة من خثعم سألت رسول الله غداة جمع والفضل بن عباس ردف فقالت: إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يستمسك على الرحل فهل ترى أن أحج عنه؟ قال: ((نعم)).(رواه أحمد)
فجمع هي مزدلفة , وفي بعض الروايات غداة جمع , وفي بعضها غداة يوم النحر ومعناهما واحد. ولفظ الغداة يعني ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس , ومن المعلوم أن النبي صلي الله عليه وسلم إنما وقف في مزدلفة حتى أسفر جدًا ( كما في صحيح مسلم من حديث جابر), ثم اتجه النبي صلي الله عليه وسلم والفضل رديفه إلى منى فلكي يصل صلي الله عليه وسلم من مزدلفة إلى منى لابد وأن تكون الشمس قد ارتفعت كثيرًا , فيكون وقت الغداة قد انتهى فيتعين أن الخثعمية إنما سألت رسول الله في الطريق من مزدلفة إلى منى , وليس عند المنحر.

الجواب :

أولا : المرأة المحرمة منهية عن لبس النقاب لكنها ليست منهية عن أن تسدل علي وجهها من ثوبها , فلو كان كشف الوجه لا يجوز لأمر رسول الله الخثعمية بتغطية وجهها إذا كانت غير محرمة , وبالإسدال علي وجهها من طرف ثوبها إذا كانت محرمة.لكن رسول الله لم يأمرها بهذا ولا بذاك , فدل موقفه علي أن كشف المرأة وجهها ليس حراما , وأن ستره ليس واجبا.

قال الألباني : ( فإنه لا دليل علي أنها كانت محرمه , بل الظاهر خلافه كما حققه الحافظ , ثم أن هذا الجواب إنما يستقيم لو كان لا يجوز للمحرمة أن تغطي وجهها بالسدل عليه , ذلك لأن المحرمة تشترك مع غير المحرمة في جواز ستر وجهها بالسدل عليه , وإنما يجب عليها أن لا تنتقب فقط , فلو أن كشف المرأة وجهها أمام الأجانب لا يجوز , لأمرها صلي الله عليه وسلم أن تسبل عليه من فوق كما قال ابن حزم ولا سيما وهي من أحسن النساء وأجملهن , وقد كاد الفضل ابن العباس أن يفتتن بها , ومع هذا كله لم يأمرها صلي الله عليه وسلم , بل صرف وجه الفضل عنها , ففي هذا دليل أيضاً علي أن الستر المذكور لا يجب علي المرأة ولو كانت جميلة ).

من التناقض الواضح أن القائلين بوجوب ستر المرأة لوجهها يحاولون إسقاط دلالة هذا الحديث بدعوى أن هذه المرأة كانت محرمة فيجوز لها اشف وجهها , وهم عند كلامهم عن لباس المرأة المحرمة لا يبيحون لها كشف وجهها بمحضر الرجال وهي محرمة ، وإنما يأمرونها بتغطية وجهها بساتر غير النقاب المنهي عنه.
قال الألباني:" فإننا لا نعلم أحداً من أهل العلم قال بوجوب الستر كأصل ، مع عدم الوجوب على المحرمة ولو عند الفتنة!".

ثانيا : الغداة قد تطلق شرعا أيضا على ما بعد طلوع الشمس , وقد قال الحافظ ابن حجر في الفتح : الغداة تطلق ويراد بها مطلق الوقت.

فقد روى مسلم وبوب له النووي بقوله ( باب التلبية والتكبير في الذهاب من منى إلى عرفات في يوم عرفة ) عن عبد الله بن أبي سلمة عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال : غدونا مع رسول الله من منى إلى عرفات منا الملبي ومنا المكبر.

وروى أيضا عن محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك وهما غاديان من منى إلى عرفة كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله ؟ فقال: كان يهل المهل منا فلا ينكر عليه ويكبر المكبر منا فلا ينكر عليه. وفي لفظ: قلت لأنس بن مالك غداة عرفة ما تقول في التلبية هذا اليوم قال سرت هذا المسير مع النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه فمنا المكبر ومنا المهلل ولا يعيب أحدنا على صاحبه.
ومن المعروف أن الخروج من منى إلى عرفة يكون بعد طلوع الشمس.فيكون قد أطلق (غداة عرفة) على ما بعد طلوع الشمس.

وروى مالك في الموطأ عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا أهدى هديا من المدينة قلده وأشعره بذي الحليفة ... ثم يساق معه حتى يوقف به مع الناس بعرفة ثم يدفع به معهم إذا دفعوا فإذا قدم منى غداة النحر نحره قبل أن يحلق أو يقصر...) تأمل قوله (قدم منى غداة النحر).فإن القدوم على منى لا يكون إلا بعد أن ترتفع الشمس كثيرا .
وبهذا يكون قول بن عباس "غداة جمع" معناه " يوم جمع " أو " يوم النحر"

ثالثا : في حديث علي رضي الله عنه : ((...ثم أردف الفضل وسار حتى أتى الجمرة فرماها, ثم أتى المنحر فقال: ((هذا المنحر ومنى كلها منحر)). قال واستفتته جارية شابة من خثعم..)) في الحديث التصريح الواضح أن السؤال كان عند المنحر.

وأخيرا , كيف يكون الوجه عورة في الحل ويصبح غير عورة في الإحرام؟! فالإحرام يحرم فيه بعض الحلال , ولا يحل فيه بعض الحرام.



يقولون: عن قصة الفضل ابن العباس و الخثعمية أن والد هذه المرأة أراد عرضها علي النبي صلي الله عليه وسلم لعلها تعجبه فيتزوج بها.

الجواب:

هذا الكلام مبني علي رواية ذكرها الحافظ بن حجر في الفتح فيما رواه أبو يعلي باسناد قوي من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس عن الفضل بن عباس قال : ( كنت رديف النبي صلي الله عليه وسلم وأعرابي مع بنت حسناء فجعل الأعرابي يعرضها لرسول الله رجاء أن يتزوجها وجعلت ألتفت اليها ويأخذ النبي صلي الله عليه وسلم برأسي فيلويه فكان يلبي حتي رمي جمرة العقبة ).
أراد الحافظ أن يقرب بين هذا الحديث وبين حديث الخثعمية وبعض روايات اطلع عليها ذكرت أن ( رجلاً جاء يسأل عن أبيه) ، و( ورجلاً سأل عن أمه ) ، ( وامرأة سألت عن أمها ) وأن يرجح أن السائل رجل وابنته معه.

وهذا ليس محل تأكيد بالنسبة للحافظ نفسه كما سيأتي في فوائد الحديث, أولاً: القصة وقعت قبل الرمي وابن حجر قد حقق أن سؤال الخثعمية قد وقع يوم النحر بعد الرمي. ثانياً: نص الرواية مختلف عن قصة الخثعمية فظاهر الرواية ( أقبلت امرأة ) وفي رواية ( فجاءت امرأة ) وأنها جاءت تستفتي عن أبيها ولم تذكر أن معها رجل. والمشترك بين الروايتين هو تحويل وجه الفضل.

وفي رواية علي رضي الله عنه "واستفتته جارية شابة من خثعم ، فقالت إن أبي شيخ كبير قد أدركته فريضة الله في الحج، أفيجزئ أن أحج عنه؟ قال: حجي عن أبيك" دليل علي أن المرأة لم تكن مع أبيها.

قال الألباني : وهذا إسناد ضعيف رجاله ثقات ومتنه منكر وفيه علل خمس ذكرها في"الرد المفحم" ثم قال: ولا يخفى على البصير بهذا العلم الشريف أن علّة واحدة من هذه العلل الخمس كافية في تضعيف الحديث فكيف بها مجتمعة؟! فالعجب كل العجب من الحافظ ابن حجر!كيف قال في"الفتح", " رواه أبو يعلى بإسناد قوي"؟!

وتشبث بعضهم بهذه الزيادة المنْكَرة :"وأعرابي معه ابنة له…رجاء أن يتزوجها" , لإبطال دلالة حديث الخثعمية الصحيح علي جواز الإسفار عن الوجه , فعلل كشفها بأنه إنما "كان لأجل النظر في حق الخاطب" مع أنه ليس في الزيادة المنكرة أن النبي صلي الله عليه وسلم كان خاطباً وإنما فيها العرض عليه صلي الله عليه وسلم لعلّه يتزوجها.
ثم لو سلمنا بهذه الزيادة المنكَرة فذلك لا يقتضي أن قصة بنت الأعرابي هي نفس قصة الخثعمية بل هذه غير تلك يقيناً وإلى ذلك جنح الحافظ ابن القطان في كتابه" النظر في أحكام النظر" لاختلاف سياقها عن تلك فبقيت سالمة من ذاك التأويل الهدّام!انتهي


وهناك رواية أخري معارضة في مسند أحمد لم يذكر فيها أن أباها عرضها علي النبي صلي الله عليه وسلم
• حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن الفضل بن عباس قال أبو أحمد حدثني الفضل بن عباس قال كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم حين أفاض من المزدلفة وأعرابي يسايره وردفه ابنة له حسناء قال الفضل فجعلت أنظر إليها فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهي يصرفني عنها فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة .

وإسرائيل كما هو معروف أوثق من أبيه يونس(الرواية الأولي) عند أهل التحقيق.
وكذلك كل الروايات التي في البخاري والموطأ ومسلم والنسائي والترمذي وغيرها ليس فيها تلك الزيادة الشاذة.
قال الحافظ : وفي الحديث ( رواية الخثعمية ) من الفوائد: إحرام المرأة في وجهها فيجوز لها كشفه في الإحرام... وأن المرأة تحج بغير محرم وأن المحرم ليس من السبيل المشترط في الحج لكن الذي تقدم من أنها كانت مع أبيها قد يرد علي ذلك.

وهناك واقعة أخري للفضل بن العباس في موسم الحج أيضا تشبه ما كان منه مع الخثعمية:

•عن جابر بن عبد الله قال : ... وأردف ( أي رسول الله ) الفضل ابن العباس وكان رجلاً حسن الشعر أبيض وسيماً ، فلما دفع رسول الله مرت ظعن يجرين فطفق الفضل ينظر إليهن ، فوضع رسول الله يده علي وجه الفضل فحول الفضل وجهه إلي الشق الآخر ينظر فحول رسول الله يده من الشق الآخر علي وجه الفضل يصرف وجهه. (رواه مسلم)



حول حديث المرأة الخثعمية
هذا الحديث هو أقوى حديث في الموضوع , وأشدها وضوحا وصراحة في أن ستر المرأة لوجهها ليس بواجب ولو كانت جميلة. فالحديث أخرجه البخاري ومسلم ، فهو متفق على صحته ، كما أخرجه - أيضا - أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجة ، ومالك، والبيهقي. وفي هذا الحديث أن امرأة من خثعم استفتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع ، عند المنحر بعد الرمي ، وكانت جميلة ، وكان الفضل بن العباس رديف النبي - صلى الله عليه سلم - فأخذ الفضل ينظر إليها وتنظر إليه ، فأخذ رسول الله بذقن الفضل فحول وجهه إلى الشق الآخر. يقول الفضل: "فكنت أنظر إليها ، فنظر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلب وجهي عن وجهها ، ثم أعدت النظر ، فقلب وجهي عن وجهها حتى فعل ذلك ثلاثا وأنا لا أنتهي".

إن أهمية هذا الحديث لا تقف عند هذا الحد ، فهو مشبع بالدلالات التي تنقض الرؤى المتشددة في التعاطي مع المرأة ، ومع الشباب ، ومع الجمال. ويمكن رؤية أهمية هذا النص من خلال هذه المحاور:

1- يحظى هذا النص بدرجة ثبوت عاليه ، كما سبق التأكيد عليه في التخريج , فصحته يقينية ؛ على الأقل في سياق الخطاب السلفي الذي تتبنى قلة منه الرؤية المعارضة التي تقول بوجوب تغطية الوجه. فكونه متفقاً على صحته ، ومخرجا عند غالبية الأئمة ، يعني أن فرصة المعارضين له ستبقى محصورة في نطاق الشغب الاستدلالي ؛ لا غير .

2- هذا الحديث كما هو صحيح ، فهو صريح أيضا. فدلالته على جواز كشف المرأة عن وجهها ليس دلالة ضمنية ، وإنما دلالة صريحة. ومجريات الحدث كما وردت في نص الحديث ، لا تدع مجالا للتأويل ، أو حتى للتحوير. ولم يبق للمعارض لصراحة هذا النص غير التضليل .

3- هذا الحديث ينفي الاستثناءات التي يحاول بعضهم الالتفاف بها على رسوخ الفتوى بجواز كشف المرأة عن وجهها. فبعض هؤلاء الذي يحاولون الالتفاف ، يعترفون بما لا يستطيعون إنكاره ، وهو أن الغالبية العظمى من علماء الإسلام يقولون بجواز الكشف. لكنهم يحاولون الانقلاب على هذا ، باشتراط أمن الفتنة. ثم يقولون بأن الزمن زمن فتنة !. وهذا الحديث ينفي شرط الفتنة من أساسه ، فالمرأة التي كان الفضل ينظر إليها وتنظر إليه كانت جميلة ، والفضل كان جميلا أيضا. إذن، فالفتنة كانت غير مأمونة هنا. ومع هذا لم يأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بستر وجهها ، وإنما اكتفى بإدارة وجه الفضل. أي أنه عندما تُخشى الفتنة يكون الأمر بغض البصر ، وليس بإلزام النساء ما لا يلزم من تغطية الوجه ، كما هو صريح في سياق الحديث .

4- هذا المشهد الذي ورد في الحديث ، والذي يدل - صراحة - على جواز كشف المرأة عن وجهها ، لم ينقل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فيكون هناك احتمالات لعدم وضوح المسألة له ، وإنما كان مشهداً يقف النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلبه ، ويباشره بنفسه. كما أنه كان مشهداً مشهوداً من الجميع ، حيث كان الحجاج في حجة الوداع يلفون به ليأخذوا عنه مناسكهم .

5- هذا المشهد لا يستطيع المتشددون أن يقولوا بنسخه ، كما لا يستطيعون أن يقولوا بأنه وقع قبل نزول آية الحجاب. فالحديث يحكي واقعة وقعت قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بثلاثة أشهر ؛ لا أكثر. أي أنها وقعت في الوقت الذي كمل فيه الدين. ولو كان وجوب ستر الوجه لا يخص أمهات المؤمنين ، لكان أول ما يأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه المرأة الحسناء الوضيئة بأن تستر وجهها. فالرواة الذين شهدوا هذا الموقف وصفوها ب: الجميلة والحسناء والوضيئة. فهي كانت امرأة وجميلة وبمحضر رجال ، ومع هذا لم تؤمر بالستر ، وإنما أمر الذي يديم إليها النظر - الفضل - بأن يغض من بصره.

6- حاول بعضهم إسقاط دلالة هذا الحديث ، بدعوى أن هذه المرأة كانت محرمة ، وأنها - لأجل الإحرام - يجب أن تكشف عن وجهها. والألباني ، يؤكد من أنها لم تكن محرمة ، لأنها سألته بعد الرمي ، أي بعد التحلل من الإحرام. كما يؤكد الألباني أنها حتى لو كانت محرمة فهذا لا يطعن في الاستدلال ، إذ المحرمة يجوز لها أن تسدل شيئا على وجهها. كما أن القائلين بوجوب ستر المرأة لوجهها لا يبيحون لها الكشف عنه بمحضر الرجال , ولو كانت محرمة ، وإنما يأمرونها بالاستتار التام في محضر الرجال.

ونسأل المعارضين , كيف يكون الوجه عورة في الحل ويصبح غير عورة في الإحرام؟!



يقولون : في قصة الواهبة (( فقالت: يارسول الله جئت أهب لك نفسي , قال : فنظر إليها رسول الله فصعد النظر فيها وصوبه ثم طأطأ رسول الله رأسه , فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست , فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها )). ليس في الحديث أنها كانت سافرة الوجه , وقيل أن المقام مقام تزويج وخطبة أي أنه يجوز كشف المرأة وجهها للخاطب , وقيل يحتمل أن ذلك كان قبل الحجاب.

الجواب :

المرأة ظهرت أمام رسول الله وأمام أصحابه ، فنظر إليها رسول الله كما نظر إليها غيره ، ومنهم الرجل الذي استأذن النبي صلي الله عليه وسلم في نكاحها.

و لو لم تكن المرأة سافرة الوجه ما استطاع النبي صلي الله عليه وسلم أن ينظر إليها ويطيل فيها النظر تصعيداً وتصويباً , ولم يرد أنه فعل ذلك للخطبة فإن الرواية ليس فيها ما يومئ إلى أنها غير كاشفة لوجهها ثم قامت بكشفه , ثم غطت وجهها بعد ذلك , بل ورد أنها جلست كما جاءت ورآها الحضور من الصحابة فطلب من الرسول الكريم أن يزوجها إياه , أي أنها قد أعجبته , وهذا دليل علي بطلان قول بعضهم:" ليس في الحديث أنها كانت سافرة الوجه".

وإذا كان يجوز كشف المرأة وجهها للخاطب , هل يجوز أمام الأجانب؟!

وإن قيل إنه يُحتمل أن ذلك كان قبل الحجاب، قلنا : فلا يدل على شيء ؛ إذ لا فرق بين حدوث هذا قبل آية الحجاب أو بعده ؛ لأن آية الحجاب خاصة بنساء النبي صلي الله عليه وسلم.

وقيل أيضاً أن النبي صلي الله عليه وسلم معصوم , وهذه الكلمة حق أريد بها باطل لأن البحث في رؤية الصحابة كما لا يخفى على ذي عين!



يقولون: قد أجمع علماء السلف على وجوب ستر المرأة المسلمة لوجهها ، وأنه عورة يجب عليها ستره إلا من ذي محرم.

الجواب

مما يدل على بطلان هذا الإجماع :

1. قول ابن حزم في كتابه"مراتب الإجماع": " واتفقوا على أن شعر الحرة وجسمها حاشا وجهها ويدها عورة واختلفوا في الوجه واليدين حتى أظفارهما عورة هي أم لا؟"

2. قول ابن هبيرة الحنبلي في " الإفصاح" : " واختلفوا في عورة المرأة الحرة وحدِّها فقال أبو حنيفة: كلها عورة إلا الوجه والكفين والقدمين. وقد روي عنه أن قدميها عورة وقال مالك و الشافعي: كلها عورة إلا وجهها وكفيها وهو قول أحمد في إحدى روايتيه والرواية الأخرى: كلها عورة إلا وجهها وخاصة. وهي المشهورة واختارها الخرقي".

3. قول ابن عبد البر في "التمهيد" : - وقد ذكر أن المرأة كلها عورة إلا الوجه والكفين وأنه قول الأئمة الثلاثة وأصحابهم وقول الأوزاعي وأبي ثور-:
" على هذا أكثر أهل العلم وقد أجمعوا على أن المرأة تكشف وجهها في الصلاة والإحرام"

4. قول ابن رشد في بداية المجتهد: (... حد العورة في المرأة: أكثر العلماء علي أن بدنها كله عورة ما خلا الوجه والكفين)



يقولون: إن كثيراً من الفقهاء قالوا بوجوب ستر الوجه سداً للذريعة ولأمن الفتنة , وهذا الزمان الذي نعيش فيه زمان فتنة وفساد.

الجواب:

1- في أي موقف من السيرة استدل على هذا القول؟!وما هو تعريف زمن الفتنة ، وما علاقة كشف المرأة وجهها أو تغطيته بهذه الفتنة ؟!

2- هذا القول من بعض الفقهاء هو اجتهاد منهم لأمن الفتنة وليس هو الحكم الأصلي الوارد من الشارع في شأن الوجه. إن الشارع أوجب ستر العورة فحسب ، فأما ما لم يكن عورة فلا يجب ستره أصلا. ولكن قد يجتهد الفقيه ويحكم بوجوب ستر الوجه أو ندبه - وان لم يكن عورة - في حال معينة ، وهذا الحكم الاجتهادي قد يكون صواباً وقد يكون خطأ والعبرة بالدليل الذي اعتمد عليه في اجتهاده ، كما قد يكون هذا الحكم الاجتهادي قد راعي مصلحة زمنية معينة.

3- إن حد زمن الفتنة غير منضبط , فمنذ عصر التابعين وهناك من يقول: زماننا هذا زمان فتنة.
مثل قول القرطبي : ... فهذا أقوي في جانب الإحتياط لمراعاة فساد الناس فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها.
وسؤال ابن عقيل الحنبلي عن كشف المرأة وجهها في الإحرام مع كثرة الفساد اليوم.

4- إن فتن الحياة كثيرة ومن أخطرها فتنة النساء وفتنة المال وفتنة الأولاد ومع ذلك فلا غني للبشر عنها .فالمال مثلا أصله حلال ولا يجوز أن نحرم هذا الأصل الحلال ونعطل دوره في تعمير الأرض من باب سد الذريعة. ولكن الذي ينبغي أن يحرم أمورا حرمها الشارع قد تصاحب المال سواء في كسبه أو في إنفاقه. وكذلك النساء في التعامل الجاد معهن في مختلف مجالات الحياة حلال وهن كاشفات الوجوه , فلا يجوز أن نحرم هذا الأصل الحلال , ونعطل دوره في تعمير الأرض , ولكن الذي ينبغي أن يحرم مثيرات الفتنة التي بينها الشارع , وليس منها سفور الوجه , مثل الزينة الصارخة في الوجه والثياب أو التطيب برائحة فواحة , ومثل الخضوع بالقول والمزاحمة والخلوة.

5- درء المنكر علة مشتركة بين الرجال والنساء , فهل سمعنا من قال بتغطية الرجل الجميل لوجهه؟!

6- هل هناك في الشرع أمر يتحول من مباح إلي واجب كي لا يرتكب الناس معصية لا تتعلق أصلا بصاحب الحكم الذي ينتقل عليه التشديد كحال ستر الوجه؟!

يقول القرضاوي: (( أن العصر الأول وإن كان عصرا مثالياً حقاً , ولم تر البشرية مثله في النقاء والارتقاء , لم يكن إلا عصر بشر مهما كانوا, ففيهم ضعف البشر , وأهواء البشر , وأخطاء البشر,ولهذا كان فيهم من زني , ومن أقيم عليه الحد, ومن ارتكب ما دون الزني , وكان فيهم الفساق والمجان الذين يؤذون النساء بسلوكهم المنحرف, وقد نزلت آية سورة الأحزاب التي تأمر المؤمنات بإدناء الجلاليب عليهن , حتي يعرفن بأنهن حرائر عفيفات فلا يؤذين{ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ} )).

روى مسلم في صحيحه أن رسول الله قال: (فما بال أقوام إذا غزونا يتخلف أحدهم عنا له نبيب كنبيب التيس) .فيه دليل على أنه كان في ذلك الزمان أناس يتتبعون النساء للفاحشة.

ووردت أحاديث تشير إلي إمكان وقوع إعجاب من الرجال بحسن بعض النساء عند لقائهن أو رؤيتهن في الطريق:

• فعن جابر: سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول: إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلي امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما في نفسه.

ويقول أيضا : ((هناك دليل يلجأ إليه دعاة النقاب إذا لم يجدوا الأدلة المحكمة من النصوص ، ذلكم هو سد الذريعة . فهذا هو السلاح الذي يشهر إذا فُلَّتْ كل الأسلحة الأخرى. وسد الذريعة يقصد به منع شئ مباح خشية أن يوصل إلي الحرام وهو أمر اختلف فيه الفقهاء بين مانع ومجوز وموسع ومضيق. فكما أن المبالغة في فتح الذرائع قد تأتي بمفاسد كثيرة تضر الناس في دينهم ودنياهم ، فإن المبالغة في سدها قد تضيع علي الناس مصالح كثيرة أيضا في معاشهم ومعادهم. وإذا فتح الشارع شيئا بنصوصة وقواعده فلا ينبغي لنا أن نسده بأرائنا وتخوفاتنا فنحل بذلك ما حرم الله ، أو نشرع ما لم يأذن به الله.

ويكفينا الأحكام والآداب التي قررها الشرع لتسد الذرائع إلي الفساد والفتن ، من فرض اللباس الشرعي، ومنع التبرج ، وتحريم الخلوة ، وإيجاب الجد والوقار في الكلام والمشي والحركة , مع غض البصر من المؤمنين والمؤمنات ، وفي هذا يغنينا عن التفكير في موانع أخري من عند أنفسنا)).

وقال أيضاً: (( أننا لو فتحنا هذا الباب لنسخنا الشريعة بآرائنا , فالمشددون يريدون أن ينسخوا ما فيها من أحكام ميسرة بدعوي الورع والاحتياط..... والصواب أن الشريعة حاكمة لا محكومة , متبوعة لا تابعة , ويجب أن نخضع نحن لحكم الشريعة , لا أن تخضع الشريعة لحكمنا {ولو اتبع الحق أهوائهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن})).


حول سؤال:هل يجب على النساء أن يسترن وجوههن لفساد الزمان وسداً للذريعة؟ قال الألباني:
هذا السؤال يطرحه اليوم كثير من المقلدة الذين لا ينظرون إلى المسائل الشرعية بمنظار الشرع وأدلته ولا يتحاكمون عند الإختلاف إلى الكتاب والسنة وإنما إلى ما قام في نفوسهم من الآراء والأفكار ، ولو أنهم استجابوا لله وللرسول إذا دعاهم لما يحييهم لا ستراحوا وأراحوا! ولكنهم أعرضوا عن ذلك وعن أقوال أئمتهم، بأن عليهم جميعاً- رجالاً ونساءً- أن يغضوا من أبصارهم على التفصيل المتقدم بيانه ولجؤوا إلى تقليد بعض المقلدين الذين جاؤوا من بعد الأئمة بعلة إبتدعوها وهي قولهم: " بشرط أمن الفتنة " – أي: الإفتتان بها - وإلا وجب عليها سترهما ، وغلا أحدهم – ممن لا فقه عنده ولا نظر- فنسب ذلك إلى إتفاق الأئمة رضي الله عنهم! فإن المتبادل من لفظة: "الأئمة " إنما هم الأئمة الأربعة المجتهدون ولا يعلم عن أحد منهم أنهم اشترطوا الشرط المذكور ولا يليق ذلك بعلمهم.

وقال أيضاً وخلاصة القول:إن الفتنة بالنساء كانت في زمن نزول الوحي على النبي صلي الله عليه وسلم ، ومن أجل ذلك شرع الله عز وجل من الأحكام للجنسين - سداً للذريعة - ما سبقت الإشارة إليه ، فلو شاء الله تعالى أن يوجب على النساء أن يسترن وجوههن أمام الأجانب ، لفعل سداً للذريعة أيضاً ، {وما كان ربك نسيا} ولأوحى إلى النبي صلي الله عليه وسلم أن يأمر المرأة الخثعمية أن تستر وجهها فإن هذا هو وقت البيان كما تقدم ، ولكنه على خلاف ذلك أراد صلي الله عليه وسلم أن يبين للناس في ذلك المشهد العظيم أن سد الذريعة هنا لا يكون بتحريم ما أحل الله للنساء أن يُسفرن عن وجوههن إن شئن ، وإنما بتطبيق قاعدة: {.. يغضّوا من أبصارهم}، وذلك بصرفه نظر الفضل عن المرأة.

قال ابن عباس في حديث علي:
"يا رسول الله ! لِمَ لويت عنق ابن عمك؟". فقال صلى الله عليه وسلم:
"رأيت شاباً وشابة فلم آمن الشيطان عليهما".

فهذا صريح في أنه صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك مخافة الفتنة ، كما قال الشوكاني في " نيل الأوطار" (6/97) فمن فعل في مثل هذه الحالة خلاف فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد خالف هديه صلى الله عليه وسلم ، وتعرض لوعيد قوله تعالى:{ فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (النور:63)، وقوله صلى الله عليه وسلم:" …ومن رغب عن سنتي فليس مني" متفق عليه. فكيف به إذا جعل مخالفته قاعدة مستمرة إلى ما شاء الله؟!

ثم قال الشوكاني رحمه الله:
" وقد استنبط منه ابن القطان جواز النظر عند أمن الفتنة ، حيث لم يأمرها بتغطية وجهها ، فلو لم يفهم العباس أن النظر جائز ما سأل ، ولو لم يكن ما فهمه جائزاً ما أقره عليه "

وفي نقدي أنه لا فرق بين هؤلاء المقلدة الموجبين على النساء ستر وجوههن – سدّاً للذريعة كما زعموا- وبين ما لو قال قائل: يجب على الرجال أن يستروا وجوههم- كما هو شأن الملثمين في بعض البلاد- كي لا تفتتن النساء بالنظر إليهم سداً للذريعة أيضاً ! فهذا كهذا ، ومن فرَّق ، فقد تناقض وتعصّب للرجال على النساء ، إذ إنهم مشتركون جميعاً في وجوب غضِّ النظر ، فمن زاد على الآخر حكماً جديداً بغير برهان من الله ورسوله ، فقد تعدَّى وظلم، {والله لا يحب الظالمين}.

وهنا أستحضر بيتاً من الشعر كأن المرأة فقيهة تتمثل به فتقول:

غيري جنى وأنا المعذّب فيكم ..... فكأنني سبَّابة المتندم!



يقولون: أنه ثبت الإجماع عند جميع الأئمة أنه يجب على المرأة أن تستر وجهها عند خوف الفتنة بأن كان من حولها من ينظر إليها بشهوة .

الجواب:

هذا الإجماع المزعوم يسقطه:

• قول ابن حجر الهيثمي في (الفتاوى الكبرى) : (( وحاصل مذهبنا أن إمام الحرمين نقل الإِجماع على جواز خروج المرأة سافرة وعلى الرجال غضّ البصر ))

• قول الإمام السرخسي الحنفي في المبسوط : (( ثم لا شك أنه يباح النظر إلى ثيابها ولا يعتبر خوف الفتنة في ذلك فكذلك إلى وجهها وكفها ))

• قول الإمام المرغيناني الحنفي في (الهداية) : (( ولا يجوز أن ينظر الرجل إلى الأجنبية إلا وجهها وكفيها فإن كان لا يأمن الشهوة لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة)).

• قول الإمام زين الدين الرازي الحنفي في (تحفة الملوك) :((ويحرم النظر إلى غير الوجه والكفين من الحرة الأجنبية وفي القدم روايتان فإن خاف الشهوة لم ينظر إلى الوجه أيضا إلا لحاجة وكذا لو شك)).

• قول ابن عبد البر المالكي في (التمهيد) : (( وجائز أن ينظر إلى ذلك منها (أي الوجه والكفين) كل من نظر إليها بغير ريبة ولا مكروه ، وأما النظر للشهوة فحرام تأملها من فوق ثيابها لشهوة، فكيف بالنظر إلى وجهها مسفرة )).

• قول النووي الشافعي في (المجموع) : (( وكذا المذهب إطلاق أنهما ليس بعورة ومما استدل به في ذلك أن الحاجة تدعو إلى إبراز الوجه عند البيع والشراء وإلى إبراز الكفين للأخذ والعطاء فلم يجعل ذلك عورة )). وهذا التعليل يذكره كثير من الفقهاء والمفسرين والمحدثين.

• قول ابن قدامة الحنبلي في (المغني) : (( وقال القاضي : يحرم النظر إلى ما عدا الوجه والكفين لأنه ليس بعورة فلم يحرم النظر إليه بغير ريبة كوجه الرجل ))

• ما بوب له البيهقي في سننه الكبرى: (( باب تخصيص الوجه والكفين بجواز النظر إليها عند الحاجة )).انظر قوله النظر إليها وليس طلب النظر إليها.



يقولون : قال ابن رسلان : اتفق المسلمون على منع النِّساء أن يخرجن سافرات الوجوه . نقله الشوكاني عنه في (نيل الأوطار)

الجواب:

أولا : ما نوع هذا الاتفاق؟ أهو اتفاق عرفي؟ أم اتفاق شرعي؟ وإن كان شرعي من أين أتو به؟ وما هو الدليل من سنة النبي صلي الله عليه وسلم ومن فعل صحابته رضوان الله عليهم بمنع النساء من الخروج كاشفات عن وجوههم.

ثانيا : نقل كلام ابن رسلان بهذه الصورة أنكره الألباني لأنه مبتور وساقه بنصه فقال :

نص ما في " نيل الأوطار" (6/98- البابي الحلبي) تحت حديث عائشة:

" يا أسماء! إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح لها أن يرى منها إلا هذا وهذا. وأشار إلى وجهه وكفيه":

" وفيه دليل لمن قال: إنه يجوز نظر الأجنبية. قال ابن رسلان: وهذا عند أمن الفتنة مما تدعو الشهوة إليه من جماع أو دونه أما عند خوف الفتنة فظاهر إطلاق الآية والحديث عدم اشتراط الحاجة ويدل على تقييده بالحاجة اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه ، لا سيما عند كثرة الفساق. وحكى القاضي عياض عن العلماء: أنه لا يلزم ستر وجهها في طريقها ، وعلى الرجال غض البصر للآية وقد تقدم الخلاف في أصل المسألة".

يشير إلى بحث له في الباب الذي قبل حديث عائشة المذكور آنفاً شرح فيه آية: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ونقل تحتها تفسير الزمخشري للزينة فيها ومنه قوله: "فما كان ظاهراً منها كالخاتم والكحل والخضاب فلا بأس بإبدائه للأجانب…".

ثم قال الشوكاني عقبه:

" والحاصل: أن المرأة تبدي من مواضع الزينة ما تدعو الحاجة إليه عند مزاولة الأشياء والبيع والشراء والشهادة ، فيكون ذلك مستثنى من عموم النهي عن إبداء مواضع الزينة وهذا على ما يدل على أن الوجه والكفين مما يستثنى"

هل المسألة مجمع عليها أم لا؟! وهل هذا رأي ابن رسلان كاملا أم أن هذا رأيه في الخوف من الفتنة فقط؟

قال ابن حجر الهيثمي في ( الفتاوى الكبرى ) : (( وحاصل مذهبنا أن إمام الحرمين نقل الإِجماع على جواز خروج المرأة سافرة وعلى الرجال غضّ البصر ))

وقال حول سؤال وجه إليه في الفتاوى الكبرى أنه : (( قد كثر في هذه الأزمنة خروج النساء إلى الأسواق والمساجد لسماع الوعظ وللطواف ونحوه في مسجد مكة على هيئات غريبة تجلب إلى الافتتان بهن قطعا , وذلك أنهن يتزين في خروجهن لشيء من ذلك بأقصى ما يمكنهن من أنواع الزينة والحلي والحلل كالخلاخيل و الأسورة والذهب التي ترى في أيديهن ومزيد البخور والطيب ومع ذلك يكشفن كثيرا من بدنهن كوجوههن وأيديهن وغير ذلك ))


يقولون: أن العرف العام الذي جرى عليه عمل المسلمون عدة قرون بستر النساء لوجوههن بالبراقع والنقب وغيرها دليل علي الوجوب.
فقد ذكر الإمام الغزالي في الإحياء أنه: لم يزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه والنساء يخرجن منتقبات.
كما حكى الحافظ ابن حجر في الفتح أنه:لم تزل عادة النساء قديما وحديثًا يسترن وجوههن عن الأجانب.

الجواب:

مثل هذه الأقوال لا تدل على وجوب تغطية الوجه , بل هو مجرد وصف لحالهن وأن من عادتهن في زمانهن أن يسترن وجوههن , ففعل النبي صلي الله عليه وسلم نفسه لا يدل على الوجوب ، فكيف بفعل غيره .

أن هذا العرف مخالف للعرف الذي ساد في عصر النبوة ، وعصر الصحابة وخير القرون ، وهم الذين يقتدي بهم فيهتدي.

روى ابن جرير في تفسيره بإسناد صحيح عن التابعي العابد عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (ت 182هـ) قال: «{ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} من الزينة: الكحل والخضاب والخاتم. هكذا كانوا يقولون، وهذا يراه الناس».
تأمل قوله "وهذا يراه الناس"، فهذا يدل على جريان العمل من الناس على ذلك.

ولنكن علي علم أن العرف العام الذي جرى عليه عمل المسلمون عدة قرون لم يقتصر علي ستر النساء لوجوههن , بل امتد إلي حجب هذا الإنسان عن العالم وحرمانه الخبرة والوعي وتجهيله و "تحديد إقامته" , وحرمان المجتمع من خير يمكن أن تؤديه المرأة , إضافة إلي مهمتها الأساسية في رعاية بيتها وحسن تبعُّلها.فقد حجبوا صوتها , وحجبوا اسمها وحجبوها عمن جاء يخطبها , وحجبوها عن المسجد , وحجبوها عن المحاضرت والندوات , وحجبوها عن العمل , وحجبوها عن النشاط الاجتماعي والسياسي.



يقولون : قال ابنُ هشامٍ : ( وذكر عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة، عن أبي عون قال: كان من أمر "بني قينقاع" أنَّ امرأةً من العرب قدمت بجَلَبٍ لها، فباعته بسوق "بني قينقاع" ، وجلست إلى صائغٍ بها ، فجعلوا يُريدونها على كشف وجهها). فدل هذا علي ستر وجه المرأة عن الأجانب.

الجواب :

1- ستر المرأة وجهها بنقاب أو برقع معروف قبل الإسلام , فستر المرأة وجهها لم يكن امتثالا تشريعيا.

2- هذه القصة عام 2 بعد الهجرة بعد غزوة بدر , أي قبل نزول آيات لباس المرأة في سورة الأحزاب (نزلت سنة 5 هـ) , وسورة النور (نزلت سنة 6 هـ).

يقولون: ورد عن أسماء بنت أبي بكر قالت : كنا نغطي وجوهنا من الرجال , وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام.

الجواب:

1- ينبغي أن يحمل تغطية الوجه هنا علي الإسدال من طرف الثوب علي الوجه , فرسول الله نهي عن الانتقاب.وفي جواز الإسدال جاء قول عائشة:"وتسدل (المحرمة) الثوب علي وجهها إن شاءت".

2- وقول أسماء:"كنا نغطي وجوهنا" يحتمل أن التغطية كانت تقع عند مرور جماعة من الرجال من أخلاط الناس , وقد يكون فيهم من ينظر ويطيل النظر إلي النساء , فيسبب حرجاً للمرأة ولو لم تكن تألف الستر في حياتها العادية.أي أن هذا الفعل منها حياء فقط. ويؤيد هذا ما رواه الحاكم عن أسماء رضي الله عنها قالت (كنا نغطّي وجوهنا من الرجال حياء).

وهكذا يتبين أن قول أسماء ليس قاطعا في أن تغطية وجهها كان ديدنها في حياتها العادية أي في غير الإحرام

3- قول أسماء قد ورد للتدليل علي جواز تغطية المرأة وجهها في الإحرام بطرف ثوبها ولو فرضنا أنه كان من عادة أسماء أو غيرها ستر الوجه في غير الإحرام فهل يدل هذا علي وجوب الستر علي النساء وجوبا مطلقا؟ إن الفعل , مجرد الفعل , لايدل علي الوجوب , انما يدل علي الجواز فحسب.

4- هناك نص آخر أورده أبو الأعلي المودودي في كتابه(الحجاب).فعن فاطمة بنت المنذر قالت :" كنا نخمر وجوهنا من الرجال ونحن محرمات ونحن مع أسماء بنت أبي بكر فلا تنكره علينا" وقولها "فلا تنكره علينا" إن صح يفيد أن أسماء نفسها ما كانت تغطي وجهها في الإحرام إذ لو كانت تفعل ما كان هناك حاجة لذكر عدم إنكارها.

والخلاصة أن مثل هذه الأخبار عن أسماء وفاطمة إنما هي حكاية أفعال قمن بها ليس فيها حجة وغاية ما فيها مشروعية الإسدال علي الوجه في الإحرام من غير لبس للنقاب , ولا تدل علي أي حكم بشأن غير المحرمة.

5- حديث عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ ‏"‏كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع الرسول صلى الله عليه وسلّم، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها‏.‏ فإذا جاوزونا كشفناه‏"‏.
في إسناده يزيد بن أبي زياد , ضعفه العلماء وقالوا عنه لا يحتج بحديثه , لأنه ليس بالقوي ، وليس بالحافظ ، قال عنه الحافظ ابن: يزيد بن أبي زياد الهاشمي مولاهم ، الكُوفِيُّ، ضَعِيفٌ ، كَبِرَ فتغيَّرَ وصار يتلقن وكان شِيعيًّا. "تقريب التهذيب".
وقال الإمام النووي في المجموع عن إسناد هذا الحديث: ضعيف.

وهذا الحديث لا يصح الاستدلال به على وجوب تغطية الوجه لسائر نساء الأمة ، فهو حديث عن أزواج النبي صلي الله عليه وسلم اللاتي يجب عليهن ستر وجوههن بلا خلاف بعد فرض الحجاب عليهن. وعلى فرض عدم اختصاصهن به ، فهذا الفعل منهن أو من غيرهن لا يدل على الوجوب ، فمجرد الفعل بمفرده لا يدل على الوجوب وإن صدر من النبي صلى الله عليه وسلم فما بالك إن صدر عن غيره.فغاية ما في الحديث مشروعية تغطية الوجه في الإحرام من غير لبس للنقاب.
يقولون: حديث عائشة (يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا.
وأشار إلى وجهه وكفيه ) ضعيف جدا.

الجواب:

الألباني له بحث في تصحيح الحديث في كتاب "الرد المفحم".

قال: لقد تهافت القوم على نقد هذا الحديث وتضعيفه، مخالفين في ذلك من قوّاه من حفاظ الحديث ونقاده : كالبيهقي في "سننه"، والمنذري في " ترغيبه"، والذهبي في " تهذيبه"، وغيرهم، وقد اختلفت أساليبهم في ذلك فمنهم من قنع بذكر طريق واحدة وتضعيفها، ومنهم من زاد على ذلك كما سنرى، ولكنهم جميعاً اتَّفقوا على نقل ما قيل في الراوي من الجرح دون التوثيق، بل إن بعضهم دلَّس وأوهم أنه ليس هناك موثّق، بل وأنه في منتهى درجة الضعف بحيث أنه لا يُستَشهَد به، وهذا كذب محض كما اتفقوا جميعاً على مخالفته قاعدة العلماء في تقوية الحديث بالطرق والآثار السلفية، الأمر الذي أكد لي أنهم في هذا العلم، ولئن كان فيهم من هو على شيء من المعرفة به، فقد جار على السنَّة، وحاد عن الحق اتباعاً للآباء والمذاهب.
قال أبو داود عقبه: (( هذا مرسل, خالد بن دريك لم يدرك عائشة)).
قلت: وسعيد بن بشير ضعيف كما في التقريب للحافظ ابن حجر.لكن الحديث قد جاء من طرق أخري يتقوي بها:

1. أنه روي عن قتادة بسنده عن عائشة:
أخرج أبو داود في(( مراسيله)) بسند صحيح عن قتادة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ( إن الجارية إذا حاضت لم يصلح أن يري منها إلا وجهها ويداها إلي المفصل)
قلت: وهو مرسل صحيح يتقوي بما بعده وليس فيه ابن دريك ولا ابن بشير.

2 . أنه جاء من طريق أخري عن أسماء بنت عميس:

أخرج الطبراني في (( الكبير)) والبيهقي من طريق ابن لهيعة عن عياض بن عبد الله أنه سمع إبراهيم بن عبيد بن رفاعة الأنصاري يخبر عن أبيه أظنه عن أسماء بنت عميس أنها قالت : ( دخل رسول الله على عائشة بنت أبي بكر و عندها أختها أسماء بنت أبي بكر ، وعليها ثياب شامية واسعة الأكمام ، فلما نظر إليها رسول الله قام فخرج ، فقالت لها عائشة رضي الله عنها : تنحي فقد رأى رسول الله أمراً كرهه ، فتنحت ، فدخل رسول الله فسألته عائشة رضي الله عنها لما قام،قال : أولم تري إلي هيئتها ، إنه ليس للمرأة المسلمة أن يبدو منها إلا هذا و هذا ، و أخذ بكفيه فغطى بهما ظهر كفيه، حتى لم يبد من كفه إلا أصابعه ، ثم نصب كفيه على صدغيه حتى لم يبد إلا وجهه). وقال البيهقي: إسناده ضعيف . قلت: وعلته ابن لهيعه هذا , واسمه عبد الله الحضرمي أبو عبد الرحمن المصري القاضي وهو ثقة فاضل لكنه كان يحدث من كتبه فاحترقت فحدث من حفظه فخلط وبعض المتأخرين يحسن حديثه وبعضهم يصححه وقد أورد حديثه هذا الهيثمي ((مجمع الزوائد)) برواية الطبراني في الكبير والأوسط ثم قال : وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح. والذي لاشك فيه أن حديثه في المتابعات والشواهد لاينزل عن رتبة الحسن, وهذا منها.

3 . أنه عمل به هؤلاء الرواة الثلاثة:

وأما قتادة، فقد قال في تفسير آية {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ}:
"أخذ الله عليهن أن يُقَنِّعنَ على الحواجب".والمعنى: يشددن جلابيبهن على جباههنَّ ، وليس
على وجوههن.كما فسره الإمام ابن جرير.

وأما عائشة فقالت في المحرمة:
" تسدل الثوب علي وجهها إن شاءت" رواه البيهقي بسند صحيح.
فتخيير عائشة المحرمة في السدل دليل واضح علي أن الوجه عندها ليس بعورة , وهذا الأثر
الصحيح عنها مما يقوي حديثها المرفوع.

وأما أسماء بنت عميس فقد صح أن قيس بن أبي حازم رآها امرأة بيضاء موشومة اليدين.

4 . أثر ابن عباس المتقدم " تدني الجلباب إلى وجهها، ولا تضرب به". وتفسيره لآية ( الزينة ) بالوجه والكفين.
يقولون: لا يتصور أن تأمر الآية والأحاديث الصحيحة المؤمنين بغضِّ الأبصار، في حين نجد في حديث أسماء تصريحاً بإباحة النظر إلى الوجه والكفين.

الجواب

في الرد علي من قال " إن الأمر بغضِّ البصر مطلق، فيشمل كل ما ينبغي أن يغضَّ البصر عنه". قال الألباني: (( فقولك: " مطلق" خطأ جرَّك إلى رد هذا الحديث الصحيح (حديث أسماء ,المرأة إذا بلغت المحيض..) ،فإنه خلاف ما عليه المفسرون:كابن جرير والقرطبي وابن كثير فقالوا-واللفظ لابن كثير-:
" هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم، فلا ينظرون إلا إلى
ما أباح النظر إليه…".

ففي الآية إذن ما يحرم النظر إليه وما يباح على الرجال والنساء..والمقصود أن الغضّ ليس على إطلاقه كما زعمت، ولذلك قال ابن كثير في تمام كلامه السابق:
" فإن اتفق أن وقع البصر على محرَّم من غير قصد ، فليصرف بصره عنه سريعاً، كما رواه مسلم عن جرير قال: سالت النبي rعن نظرة الفجأة؟ فأمرني أن أصرف بصري".

قلت: فالآية إذن كالحديث (حديث أسماء)، إنما تأمر بغض النظر عما حرم فقط، فالإنصاف أن يقال: إن كان وجه المرأة مما يحرم عليها كشفه أمام الأجانب، حرم عليهم النظر ، وإن جاز جاز.

فهل أنصف القوم؟ الجواب مع الأسف: لا، والدليل: أنهم لا يجيزون للمرأة أن تنظر إلى وجه الرجل وما دونِه، مما ليس بعورة منه،واحتجبوا بهذه الآية، أي: بإطلاقها، وقد عرفت خطأهم بخطأ مقلّدهم، كما احتجوا عنه على افتراض صحته , ثم تكلّفوا في رد أدلة المجيزين للنظر بدون ريبة ، كما فعلوا بحديث نظر عائشة رضي الله عنهما،وفيه: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال لها:" أتحبين أن تنظري إليهم؟".وقولها: فطأطأ لي منكبيه لأنظر إليهم. وقولها: وما بي حب النظر عليهم، ولكن أحببت أن تبلغ النساء مقامه لي ومكاني منه.ومع هذه النصوص الصريحة في نظرها إليهم، فقد عطَّلوا دلالاتها- كما هي عادتهم- بقولهم تارة:
"ليس في الحديث أنها نظرت إلى وجوههم وأبدانهم،وإنما نظرت إلى لعبهم"

فأقول: يكفي القارئ الكريم أن يتصوَّر هذا الجواب ليظهر له بطلانه ، إذ لا يمكن الفصل بين النظر إلى الصفة وهو اللعب ، وبين الموصوف وهو اللعب ، فكانت عائشة تنظر في زعمهم إلى اللعب دون الملاعب! هكذا فلتعطل النصوص! ولو أنهم قالوا: لم تنظر إلى عورة ، أو لم تنظر إليهم بنظرة مريبة ، أو بخشية الفتنة ، لأصابوا ، فإن هذا هو المحرَّم بين الجنسين ، أن ينظر أحدهما إلى عورة الآخر ، أو إلى ما ليس بعورة ولكن بشهوة ، أو يخشى الفتنة كما تقدم عن ابن عبد البر وغيره.

قال الحافظ ابن القطان : " وقد قدمنا في مواضع أن إجازة الإظهار دليل على إجازة النظر ، فإذا نحن قلنا: يجوز للمرأة أن تبدي وجهها وكفيها لكل أحد على غير وجه التبرُّج من غير ضرورة، لكون ذلك مما ظهر من زينتها، ومما يشق تعاهده بالستر في حال المهنة، فقد جاز للناس النظر إلى ذلك منها، لأنه لو كان النظر ممنوعاً مع أنه يجوز لها الإبداء ، كان ذلك معاونة على الإثم ، وتعريضاً للمعصية،وإيقاعاً في الفتنة، بمثابة تناول الميتة للآكل غير مضطر! فمن قال من الفقهاء بجواز الإبداء، فهو غير محتاج إلى إقامة دليل على جواز النظر، وكذلك ينبغي أن يكون من لم يجز للمرأة الإبداء والإظهار، غير محتاج إلى إقامة الدليل على تحريم النظر، وقد قدمنا أنه جائز للمرأة إبداء وجهها وكفيها، فإذن النظر إلى ذلك جائز لكن بشرط أن لا يخاف الفتنة، وأن لا يقصد اللذة،، وأما قصد اللذة، فلا نزاع في التحريم".
وقال ابن القطان أيضا: " لا خلاف أعلمه في جواز نظر المرأة إلى وجه الرجل ما كان ، وإذا لم تقصد اللذة، ولم تخف الفتنة، كنظر الرجل إلى وجه الغلمان والمردان إذا لم يقصد ولا خوف… وكذلك أيضاً لا خلاف في جواز إبداء الرجال شعورهم، وأذرعهم، وسوقهم بحضرة الرجال وبحضرة النساء".

وعقب الألباني بقوله: إذا عرفت هذا، فأنا أقول دون أي تردد: إن هؤلاء المتشددين على النساء مع مخالفتهم للنصوص الشرعية وأقوال الأئمة، فإنهم لا يفكرون فيما يخرج من أفواههم، أو على الأقل لا ينتبهون إلى أبعاد أقوالهم، وإلا فكيف يتصورون أن تغضّ المرأة بصرها عن الخطيب يوم الجمعة مثلاً وهو يخطب، أو عن المفتي وهي تستفتيه؟ ! بل كيف يمكن لهذا المفتي وأمثاله من الباعة أن لا ينظروا إلى وجهها ويديها وهم يتعاملون معها؟ فالحق أقول: إن هؤلاء المتشددين يقولون ما لا يعقلون، ويعلمون بخلاف ما يقولون فأخشى أن يعُمَّهُم قول رب العالمين {يا أيها الذي آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون}.
...وذلك أن التأويل لأي نص شرعي لا يُصار إليه إلا عند عدم إمكان ‏الجمع، وليس الأمر كذلك في هذا الحديث، فقد وفق العلماء –على اختلاف اختصاصاتهم ‏ومذاهبهم- بحمل المطلق على المقيد، أو العام على الخاص-كما تقدم عن القرطبي- أو ‏بقاعدة استثناء الأقل من الأكثر كما تقدم نقله عنه .

وإليك الآن ما وعدتك به من جمع أقوال العلماء المتقدمة ، الذين صرحوا بما دلَّ عليه هذا ‏الحديث الصحيح من جواز كشف المرأة عن وجهها وكفيها، ونظر الرجال إلى ذلك منها ‏دون شهوة أو ريبة ، ليتبين للقراء الكرام أن بعض المشايخ المخالفين يتشددون على الناس، ‏ويدلِّسون على قرائهم، ويوهمون أن الإجماع على خلاف أقوال العلماء المشار إليهم، ‏ملاحظين في سردها تاريخ وفياتهم، ليتبين لهم استمرار القول بذلك إلى يومنا هذا ‏كاستمرار العمل به، مذكرين مرة أخرى بأن الغرض من ذلك هو بيان ما أمر الله ببيانه ‏من العلم، ونهى عن كتمانه، وبخاصة بعد أن قام أولئك المشايخ بكتمانه عن الناس، وقلب ‏الحقائق الشرعية.....

ومن بعض الأسماء التي ذكرها الألباني :

‏1. أبو جعفر الطحاوي (ت 321هـ):‏ ‏
" أبيح للناس أن ينظروا إلى ما ليس بمحرم عليهم من النساء، إلى وجوههن وأكفهن، ‏وحرم ذلك من أزواج النبي صلي الله عليه وسلم ، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ‏ومجمد".

‏ 2. ابن عبد البر (ت463هـ):‏
‏" وجائز أن ينظر إلى يديها ووجهها كل من نظر إليها لغير ريبة ولا مكروه".

‏3. البغوي في شرح السنة (ت516هـ):‏
‏" ولا يجوز للرجل أن ينظر إلى شيء منها إلا الوجه والكفين، إلا عند خوف الفتنة" .

‏4. ابن القطان (ت 628هـ):‏
" وقد قدمنا أنه جائز للمرأة إبداء وجهها وكفيها، فالنظر إلى ذلك جائز، لكن بشرط أن ‏لا يخاف
الفتنة، وأن لا يقصد اللذة، وأما إذا قصد اللذة، فلا نزاع في التحريم"

‏5. ابن مفلح الحنبلي (ت 763هـ):‏
‏"قولنا وقول جماعة من الشافعية وغيرهم : إن النظر إلى الأجنبية جائز من غير شهوة ولا خلوة ، ‏فلا ينبغي الإنكار عليهن إذا كشفن عن وجوههن في الطريق" .

‏6. ابن رسلان من شرح " سنن الترمذي" (ت 805هـ ):‏
"يجوز نظر الأجنبية عند أمن الفتنة".

‏7. جماعة من علماء المذاهب الأربعة المعاصرين قالوا في " الفقه على المذاهب الأربعة":‏
‏" يحلُّ النظر لهما عند أمن الفتنة" .

قلت: وبالجملة، فهذه الأقوال من هؤلاء العلماء الأجلاء متفقة على أمرين اثنين:‏

الأول: أن وجه المرأة وكفيها ليس بعورة ، وهو مذهب أكثر العلماء ورواية عن الإمام ‏أحمد ، كما أثبتنا ذلك في " البحث الخامس"

والآخر: أنه يجوز النظر إلى ذلك من المرأة بغير شهوة.انتهي
يقولون: كيف تدخل أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما على النبي صلي الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق!

الجواب

ليس في حديث أسماء أنها لبست الثياب الرقاق تبرجاً ومخالفة للشرع , فيحمل على أنه كان منها عن غفلة أو لغير علم ، فقد وقع نحوه لحفصة ابنة أخيها عبد الرحمن ، فقالت أم علقمة بن أبي علقمة:

"دَخَلَتْ حفصة بنت عبد الرحمن على عائشة زوج النبي صلي الله عليه وسلم وعلى حفصة خمار رقيق ، فشقته عائشة وكستها خماراً كثيفاً".

فثبت أن ما استبعدوا غير مستبعد شرعاً ولا عقلاً.

يقولون: قال تعالي{يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } "ذلك أدنى أن يعرفن" أي لكي لا يعرفن ، وهذا لا يمكن إلا بستر الوجه.

الجواب:

هذا الاستدلال خاطئ

والسؤال :هل هذا نفي أم إثبات؟...هذا إثبات , فالدنو:القرب , وأدني:أقرب

والمعني: ذلك أقرب أن يعرفن بأنهن عفيفات فلا يؤذين.

وعلي ذلك قوله تعالى : {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ} ، أي : أقْرب لنفوسهم أن تتحرى العدالة في إقامة الشهادة.وقوله تعالى : {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ} , أي أقرب إلي رضاهن.

يقولون: قال تعالى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَـاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} وبيان دلالة هذه الآية على وجوب الحجاب على المرأة عند الرجال الأجانب أن الله تعالى أمر المؤمنات بحفظ فروجهن والأمر بحفظ الفرج أمر به وبما يكون وسيلة إليه، ولا يرتاب عاقل أن من وسائله تغطية الوجه؛ لأن كشفه سبب للنظر إليها وتأمل محاسنها والتلذذ بذلك، وبالتالي إلى الوصول والاتصال. وفي الحديث: "العينان تزنيان وزناهما النظر". إلى أن قال: "والفرج يصدق ذلك أو يكذبه".فإذا كان تغطية الوجه من وسائل حفظ الفرج كان مأموراً به؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.

الجواب :

1- لا يلزم من حفظ الفرج ستر الوجه , فالنساء في الجاهلية غلب عليهن كشف وجوههن وهذا مسلم , ومع ذلك لم يعرف الزنا إلا في الإماء كما قالت هند "أوتزني الحرة؟!".

2- غض البصر مأمور به الرجال والنساء على حد سواء ، وتغطية المرأة لوجهها ليس فيه ما يمنع نظرها للرجل ومع ذلك لم يؤمر الرجال بتغطية وجوههم ، فكما أن وجه المرأة فتنة بالنسبة للرجل فكذلك وجه الرجل أيضًا فتنة بالنسبة للمرأة ، ثم بعد ذلك نسأل: هل زنا العينين مختصٌ بنظر الرجل للمرأة فقط أم نظر الرجل للمرأة وأيضًا نظر المرأة للرجل؟ وهل يجب على الرجل الجميل الحسن الوضيء أن يُغطي وجهه خشية افتتان النساء به؟ فلو أوجبتم على المرأة تغطية وجهها حفظًا لفرج الرجل فيلزمكم أيضًا إيجاب تغطية الرجل لوجهه حفظا لفرج المرأة ؛ لاتحاد العلة ، واللازم لا يصح فبطل الملزوم ، وإن أوجبتم التغطية بالنسبة للنساء دون الرجال كان هذا تناقض واضح ؛ لأن الأمر بحفظ الفرج للرجال والنساء جميعًا.

تعقيب

إن كان بدن المرأة أشد فتنة للرجل ولكن فتنة المرأة بالرجل موجوده ولذلك نجد في كتب الفقه فصول تتحدث عن"أحكام النظر" وفيها يتناول الفقهاء حكم نظر المرأة الرجل بشهوة وبغير شهوة.
يقول ابن القطان : (لا خلاف أعلمه في جواز نظر المرأة إلى وجه الرجل ما كان وإذا لم تقصد اللذة ولم تخف الفتنة)
وفي زماننا كثيرا ما سئل الشيوخ عن حكم نظر المرأة للرجل من خلال التليفزيون أو ما حكم نظر المرأة الرجال بدون شهوة , بل صار من بعض النساء أن تعجب بجمال الشيخ أو بعيون الشيخ كما ذكر أحد الشيوخ.
يقولون: عن جابر قال : قال رسول الله : " إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل"قال : فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجها فتزوجتها".ففي هذا الحديث دليل على أن النساء كن يحتجبن عن الأجانب، ولهذا لا يستطيع الرجل أن يرى المرأة إلا إذا كان خاطباً. ولو كنّ النساء يكشفن وجوههن لما احتاج الخاطب أن يذهب ليستأذن والدا المخطوبة في النظر إليها.
وأيضًا لو كنّ يكشفن وجوههن لما احتاج صلي الله عليه وسلم أن يأمر الخاطب بالنظر إلى المخطوبة.

الجواب:

أولا : أحاديث النظر إلي المخطوبة ليس فيها ما يدل على تغطية الوجه، بل فيها ما يدل على جواز نظر الخاطب إلى من يريد خطبتها، ثم إنه ليس فيها نص على رؤيته وجه المخطوبة بخصوصه فقط ؛ لأن النظر في الحديث مطلق غير محدد ، وأحاديث النظر للمخطوبة جاءت مطلقة لم تحدد مقدار نظر الخاطب لمخطوبته ، لذلك نجد أن أقوال العلماء قد اختلفت في مقدار نظر الخاطب لمخطوبته ، فلا يُفهم من ذلك وجوب ستر وجه المرأة في عامة الأحوال.

• ففي رواية عن أحمد : ينظر إلى وجهها و يديها ، والثانية : ينظر إلى ما يظهر غالبا كالرقبة و الساقين و نحوهما.

• ورد في نهاية المحتاج إلي شرح المنهاج: ( وإذا قصد نكاحها... سن نظره إليها.. وذلك قبل الخطبة لا بعدها.. وإن لم تأذن هي ولا وليها إكتفاء بإذن رسول الله , ففي رواية: ( وإن كانت لا تعلم) , بل قال الأوزاعي: الأولي عدم علمها لأنها قد تتزين له بما يغره).
كيف ينظر دون إذنها ولا إذن وليها إن كانت ساترة وجهها بنقاب أو غيره ؟ اذن لابد أن يكون شأن غالب نساء المؤمنين أن يخرجن إلي الطريق مكشوفات الوجوه.

• قال الشيرازي ( ت سنة 476ﻫ ): ( وإذا أراد نكاح امرأة فله أن ينظر وجهها وكفيها ولا ينظر إلي ما سوي وجهها وكفيها لأنه عورة).

• وقال ابن قدامة ( ت سنة 620ﻫ): ( وينظر الخاطب إلي الوجه لأنه مجمع المحاسن وموضع النظر وليس بعورة).

• وفي شرح معاني الآثار لأبي جعفر الطحاوي(ت سنة 322 هـ) : " وإذا ثبت أن النظر إلى وجه المرأة ليخطبها حلال ، خرج بذلك حكمه من حكم العورة ، وقد قيل في قول الله عز وجل {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أن ذلك المستثنى هو الوجه والكفان ، فقد وافق هذا التأويل ما ذكرناه سابقا من الأدلة على ذلك .."

• قال ابن بطال (ت:449هـ) في شرحه لصحيح البخاري:(وإذا ثبت أن النظر إلى وجه المرأة لخطبتها حلال خرج بذلك حكمه من حكم العورة)

ثانيا : المرأة المسلمة إذا خرجت من بيتها لا يظهر منها سوى الوجه والكفان وجابر كان يختبئ لها تحت النخل أي خارج بيتها , ليدقق النظر فيها ويطاردها ببصره ويتأمل محاسنها ويكرر ذلك بلا إذن فربما تستحي من الإذن.


يقولون: عن عاصم الأحول قال : ((كنا ندخل على حفصة بنت سيرين وقد جعلت الحجاب هكذا، وتنقبت به. فنقول لها: رحمك الله! قال الله تعالى{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَآءِ الَّلَاتِى لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَـاتِ بِزِينَةٍ}.قال: فتقول لنا: أي شيء بعد ذلك فنقول: { وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ} فتقول: هو إثبات الحجاب))

الجواب:

1- هذه الآية ليس فيها ذكرٌ لتغطية الوجه أو كشفه فضلا عن أن تصلح دليلا على وجوب التغطية ، بل هي تتحدث أصلا عن أمر آخر محصله: أن العجائز ليس فرضًا عليهن لبسُ الجلباب ، فالمراد بالثياب هنا الجلباب ، وهو تفسير مروي عن بعض الصحابة كابن عباس وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما ، فقد روى أبو جعفر الطبري عن ابن عباس، قوله: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا} وهي المرأة لا جناح عليها أن تجلس في بيتها بدرع وخمار ، وتضع عنها الجلباب ما لم تتبرّج لما يكره الله ، روى أيضًا عن عبد الله في قوله {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} قال: الجلباب أو الرداء.
والتبرج يكون بظهور ما كان يحجبه الثوب من زينة.

التقييد بالبيت فيه مبالغة في حقهن , وفي حق النساء الشواب , فإنه إذا كان محل الرخصة في وضع الجلباب للقواعد في البيت فالشواب لا يضعن ذلك في البيت , وهذا بعيد عن الصحة , بل المرأة في بيتها يجوز لها من وضع ذلك ما لا يجوز إذا خرجت.
ومنهم من قال إنما تضع ذلك عند أبيها وأخيها وابنها , وهذا أيضا بعيد فإنه قد جاز وضع ذلك بحضرة هؤلاء للشواب بنص آية النور وهي قوله عز وجل{ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن... }

قال الألباني : "وهناك قولا آخر في تفسير: {ثيابهنَّ} وهو الخمار ، وهو الأصح عن ابن عباس واختار ابن القطان الفاسي في" النظر في أحكام النظر" القول الآخر، فقال:
"الثياب المذكورة هي الخمار والجلباب ، رُخِّص لها أن تخرج دونهما وتبدو للرجال… وهذا قول ربيعة بن عبد الرحمن. وهذا هو الأظهر ، فإن الآية إنما رخصت في وضع ثوب إن وضعته ذات زينة أمكن أن تتبرج…" إلى آخر كلامه، وهو نفيس جداً ".

ويثبت ذلك ما أخرجه ابن جرير بسند صحيح عن ابن زيد ، وهو أسامة بن زيد في تفسير هذه الآية، فقال: (وضع الخمار، قال: التي لا ترجو نكاحاً التي قد بلغت أن لا يكون لها في الرجال حاجة ولا للرجال فيها حاجة ، فإذا بلغن ذلك وضعن الخمار غير متبرجات بزينة)) ثم قال : (وأن يستعففن خير لهن , كان أبي يقول هذا كله ).

ويؤيده أن هذه الآية ذكرها الله في سورة النور بعد آية أمر النساء بالخمر.

فإذا كان يجوز للنساء الشابات إظهار الوجه والكفين ويجب عليهن تغطية ما عدا ذلك ، فلا تكون الرخصة للقواعد إلا بما زاد على ذلك ، وهو وضع الخمار.

2- هذا الفعل منها أو من غيرهن لا يدل على الوجوب ، فمجرد الفعل بمفرده لا يدل على الوجوب وإن صدر من النبي صلي الله عليه وسلم فما بالك إن صدر عن غيره.

3- الاستعفاف في الآية عن وضع الخمار مقيد , أي إذا كان يقارنه تبرج بزينة , أي إظهار زينة كانت مستورة.أما قولها هو إثبات الحجاب فهذا تعبير عن شعورها الخاص إذا هي خلعت لباسا قد ألفته.

4- وأخيرا هناك فرق بين السلوك الشخصي وبين إصدار الأحكام الشرعية.
حوار مع المعارضين القائلين بندب ستر الوجه 


يقولون: أن الشيخ الألباني مع قوله بمشروعية كشف الوجه فإنه عقد فصلا في كتاب "جلباب المرأة المسلمة" لبيان استحباب ستر الوجه.

الجواب :

في فصل "مشروعية ستر الوجه" قال الشيخ الألباني :(والنصوص متضافرة عن أن نساء النبي صلي الله عليه وسلم كن يحتجبن حتى في وجوههن) ثم ذكر خمسة أحاديث فيها سترهن وجوههن سواء بنقاب أو بساتر آخر غير النقاب مثل طرف الجلباب.وهذا ليس لأنه أمرا مستحبا بل لأن نساء النبي صلي الله عليه وسلم بعد فرض الحجاب كن إذا خرجن غطين وجوههن وفي هذا يقول القاضي عياض :"فرض الحجاب مما اختص به أزواج النبي صلي الله عليه وسلم فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين فلا يجوز لهن كشف لشهادة ولاغيرها ولايجوز لهن إظهار أشخاصهن وإن كن مستترات إلا ما دعت إليه الضرورة من الخروج للبراز.. وقد كن إذا قعدن للناس جلسن من وراء حجاب وإذا خرجن حجبن وسترن أشخاصهن.. ولما توفيت زينب رضي الله عنها جعلوا لها قبة فوق نعشها تستر شخصها".
فأين الدليل علي الاستحباب هنا؟!
ثم ذكر حديثين فيهما تنقب بعض النساء.فهذا لايدل علي الوجوب ولا الاستحباب إنما يدل علي الجواز فحسب.


يقولون : إن لم يكن هناك دليل صريح علي ندب ستر الوجه فيمكن اعتباره من باب الورع , والورع محمود.

الجواب:

1. هناك فرق بين الورع في السلوك الشخصي وبين الورع في إصدار الأحكام. إن الورع في السلوك الشخصي قد يعني تجنب أمر مباح لشبهة عارضة , ولكن الورع في إصدار الأحكام يعني تحري شرع الله أكمل تحرٍّ يستطيعه البشر.وكما يكون التورع عن إصدار حكم بالإباحة في أمر مكروه محمود , كذلك ينبغي أن يكون التورع عن إصدار حكم بالكراهة في أمر مباح محمود , وكذلك التورع عن إصدار حكم بالندب في أمر هو مجرد مباح.لأنه في شرع الله لا فرق بين إباحة الحرام وبين تحريم المباح , وكذلك لا فرق في شرع الله بين إباحة المكروه وبين كراهية المباح , ولا فرق أخيرا بين تحريم المباح وبين إيجاب المباح أو ندبه , فكل ذلك افتئات علي سلطان الله في التشريع.

2. إن الشريعة الإسلامية في حكمها البشر عامة تقوم في الأصل علي قاعدة التيسير ورفع الحرج عن الناس , لا علي قاعدة الورع.علي أن الورع يظل فضيلة يُحضُّ الناس علي قصدها , وهذا مع الانتباه إلي أنه ليس في التنزه عن المباح ورع كما قال الشوكاني.

3. ليس في سفور الوجه في عامة الأحوال ولا في نظر الرجال إليه أحيانا ما يضفي شبهة علي إباحة كشفه , لأن هذا مما تعم به البلوي جميع المجتمعات وإن اختلفت درجته.وقد مر بنا عدة وقائع في العهد النبوي نظر فيها الرجال إلي وجوه النساء , ولم يَدْعُ ذلك رسول الله إلي أن يندب النساء إلي ستر وجوههن من باب الورع.



يقولون: كان النقاب من قديم عرفا عاما صالحا وشعارا للنساء ذوات الصون والعفاف , وهذا مما يدل علي أنه مندوب لأنه يحفظ للمرأة حياءها وعفافها.

الجواب:

1. كان النقاب مجرد طراز في الزي اختاره بعض النساء منذ الجاهلية ، وتعارف الناس عليه وربما اعتبروه من سمات المرأة المصونة أو كمال الهيئة, لكنه لم يكن عرفا عاماً صالحاً عند جميع العرب الذين بعث فيهم رسول الله , إذ لو كان عرفاً عاماً صالحاً وخاصة لذوات الصون والعفاف لكان البيت النبوي أولي بهذا العرف الصالح منذ الأيام الأولي من البعثة وحتي نزول آية الحجاب ، ولكان ذلك من القرائن الدالة علي أن التنقب مندوب.لكن أما وقد ثبت بالنصوص الصحيحة والصريحة أن نساء النبي صلي الله عليه وسلم لم ينتقبن بل كن سافرات الوجوه حتي نزل الأمر بالحجاب,فهذا يؤكد أن النقاب كان مجرد طراز من طُرز الزي عند بعض النساء.وإذا كن نساء النبي صلي الله عليه وسلم يكشفن وجوههن قبل فرض الحجاب عليهن , فنساء المؤمنين من باب أولي.وقد ظل نساء المؤمنين بعد الحجاب كما كن قبله, أي ظلت الغلبة لكشف الوجه. فما هو الجديد إذن الذي يغير حكم النقاب من الجواز إلي الندب؟

2. لا علاقة بين زيٍّ معين وبين الحياء , فالحياء هو ذاك الخلق الذي يبعث علي اجتناب القبيح من الفعال , وهو صفة للرجال والنساء وليست مقصورة على النساء , ودعوي زواله بكشف الوجه متوهمة ولا ينبني عليها حكم شرعي.

3. إن الذي يحفظ حياء المرأة وعفافها هو تقوي الله أولا , ثم اتباع آداب لقاء النساء الرجال التي قررها الشارع , وليس منها ستر الوجه.ولو كان لا يحفظ الحياء والعفاف إلا هذا الستر لفرضه الله علي عامة نساء المؤمنين , أو لندبهن إليه.

5. وإن كان الندب من الشارع, فلماذا لم يرد من الشارع نص صريح في الحض علي الستر؟ خاصة وهو أمر يعم جميع المؤمنات بل ويهم جميع المؤمنين, إذ لا يخلو رجل من صحبة امرأة , أما كانت أو أختا أو زوجة أو بنتا؟

6. وأخيرا نقول للمعارضين القائلين بندب ستر الوجه : لا تحسبوا أن القول بالندب مسلم به من قديم , وأن النفي بدعة جديدة متأثرة بما شاع في المجتمع الغربي من سفور, فهذا القاضي عياض يقول:( خص أزواج النبي صلي الله عليه وسلم بستر الوجه والكفين واختلف في ندبه في حق غيرهن).



يقولون: النقاب مشروع ثم إنه معروف محمود في كثير من أقطار العالم الإسلامي منذ قرون.

الجواب:

مشروعية النقاب لا خلاف عليها,كذلك كونه معروفا في بعض بلدان المسلمين لا خلاف عليه أيضا, لكن الخلاف حول كونه محمودا.

فإن كان القصد أنه محمود عرفا فلا خلاف علي ذلك,فالعرف يختلف من بلد إلي بلد آخر,فقد يحمد ستر الوجه في بلد ويحمد الكشف في آخر.

وإن كان القصد أنه محمود شرعا - أي مندوب بحكم الشرع - فهذا يعوزه الدليل,ونحن لم نعثر حتي الآن علي دليل يثبت الندب.وإذا وجد الدليل فنحن مع الدليل حيث يكون, والشرع شرع الله ونحن متعبدون باتباعه دون زيادة أو نقص.

يقولون: إن اقتداء نساء المؤمنين بأمهات المؤمنين يعتبر أمرا مستحباً.

الجواب:

وقيل لا بأس من تحريم الزواج علي المرأة إذا مات زوجها امتداد لهذه الأسوة!!! فستر أمهات المؤمنين وجوههن عند الخروج للحاجة كان البديل المؤقت عن الاحتجاب المفروض عليهن بآية الحجاب وهو محادثة الأجانب من وراء ستار , فلا يرين الرجال ولا يراهن الرجال وإن كن منتقبات.وفي نفس الآية تحريم نكاح أمهات المؤمنين بعد وفاته صلي الله عليه وسلم .فمن يريد تطبيق الحكم الموجود في الآية أن يلتزم بالآية كاملة , وليس الأخذ من الآية حسبما ترائي له!!!.

من الخصائص النبوية إما توسعة في أمر عن الحد المشروع لعامة المسلمين مثل الزيادة علي أربع زوجات , وإما تضييق في أمر عن الحد المشروع مثل تحريم تبديل الأزواج , ووجوب حجاب أزواجه.وهذا النوع من الخصوصية لا مجال للاقتداء فيه حيث يعني الاقتداء هنا اعتداء علي حدود ما شرعه الله لعموم الأمة , سواء بالزيادة علي القدر المباح أو بتغيير المباح إلي حرام أو مكروه.

وفي هذا يقول الشوكاني :( والحق أنه لا يقتدي به فيما صرح لنا بأنه خاص به كائنا ما كان إلا بشرع يخصنا. ... أما لو قال صلي الله عليه وسلم هذا حرام عليَّ حلال لكم فلا يشرع التنزه عن فعل ذلك الشيء فليس في ترك الحلال ورع).

ولنتأمل كيف ضيق الشرع علي نساء النبي صلي الله عليه وسلم بالحجاب الدائم من ناحية وبمنع زواجهن من بعده من ناحية ثانية كما بينا وفي هذا يقول بن قتيبة :( ونحن نقول أن الله عز وجل أمر أزواج النبي صلي الله عليه وسلم بالاحتجاب اذ أمرنا أن لا نكلمهن إلا من وراء حجاب فقال:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}... وهذه خاصة لأزواج رسول الله كما خصصن بتحريم النكاح علي جميع المسلمين).بينما وسع الشرع علي نساء المؤمنين بالحركة والنشاط ومخالطة الحياة والناس ثم بالنكاح بعد مفارقة الأزواج أو موتهم.

فدعوي الرغبة في المزيد من القرب إلي الله وكسب مثوبته بهذا الاقتداء دعوي باطلة.فكشف الوجه حرام علي أمهات المؤمنين , حلال لسائر النساء , فلا مزيد من الثواب باجتناب ما أحل الله.


قاعدة : كل أمر مستحب أو مندوب إليه لابد أن يكون مأمور به شرعا أي جاء الأمر من الشارع يحثك على أن تعمل , وتأتي قرينة تبين أنك لا تأثم إن لم تعمل.

إذا نظرنا إلي ستر الوجه في ضوء هذه القاعدة نجد أن ستر الوجه من الأفعال المباحة لا غير ولا أسوة فيها , حيث لم يظهر أصلا قول يأمر أو يرغب في ستر الوجه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق