قال الإمام سفيان الثوري: (إنما العلم الرخصة من ثقة ، أما التشديد فيحسنه كل أحد).

التشديد في حقيقته هو الاجتهاد الأسهل وليس الاجتهاد الأفضل

الخميس، 22 ديسمبر 2011

اتفاق الفقهاء المتقدمين علي مشروعية سفور وجه المرأة


من أقوال فقهاء المذهب الحنفي 


• ورد في ((الاختيار)) من كتب الحنفية: ( ولاينظر إلي الحرة الأجنبية إلا إلي الوجه والكفين إن لم يخف شهوة. وعن أبي حنيفة(ت سنة 150هـ) : أنه زاد القدم , لأن في ذلك ضرورة للأخذ والعطاء ومعرفة وجهها عند المعاملة مع الأجانب لإقامة معاشها ومعادها لعدم من يقوم بأسباب معاشها, قال والأصل في قوله تعالي: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} , قال عامة الصحابة: الكحل والخاتم المراد موضعهما كما بينا أن النظر إلي نفس الكحل والخاتم والحلي وأنواع الزينة حلال للأقارب والأجانب فكان المراد موضع الزينة بطريق حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ).


• في المبسوط لمحمد بن الحسن الشيباني ت سنة 189 هـ      وهو صاحب الإمام أبي حنيفة وناشر مذهبه: ( وأما المرأة الحرة التي لا نكاح بينه وبينها ولا حرمة ممن يحل له نكاحها فليس ينبغي له أن ينظر إلى شيء منها مكشوفا إلا الوجه والكف ولا بأس بأن ينظر إلى وجهها وإلى كفها ولا ينظر إلى شيء غير ذلك منها وهذا قول أبي حنيفة وقال الله تبارك وتعإلى {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} ففسر المفسرون أن ما ظهر منها الكحل والخاتم والكحل زينة الوجه والخاتم زينة الكف فرخص في هاتين الزينتين).

كلام الشيباني هنا جاء في أحكام النظر , وهو نص في جواز النظر ونص في أنه نظر إلي مكشوف , وهو مستدل علي ذلك بآية الزينة , واختار قول جمهور المفسرين لها, فهاهنا تجويز للكشف والنظر معا.

• وفي شرح معاني الآثار لأبي جعفر الطحاوي ت سنة 322 هـ :" أبيح للناس أن ينظروا إلى ما ليس بمحرَّم عليهم من النساء إلى وجوههن وأكفهن وحرم ذلك عليهم من أزواج النبي صلي الله عليه وسلم... وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى".

وقال أيضا:"وإذا ثبت أن النظر إلى وجه المرأة ليخطبها حلال ، خرج بذلك حكمه من حكم العورة ، وقد قيل في قول الله عز وجل {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أن ذلك المستثنى هو الوجه والكفان ، فقد وافق هذا التأويل ما ذكرناه سابقا من الأدلة على ذلك .."

• في المبسوط للسرخسي ت سنة 483 هـ: (ولكنا نأخذ بقول علي وابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - فقد جاءت الأخبار في الرخصة بالنظر إلى وجهها وكفها) , (ثم لا شك أنه يباح النظر إلى ثيابها ولا يعتبر خوف الفتنة في ذلك فكذلك إلى وجهها وكفها)

• في بدائع الصنائع للكاساني ت سنة 587هـ: ( لايحل النظر للأجنبي من الأجنبية الحرة إلي سائر بدنها إلا الوجه والكفين ).

• ورد في الهداية للمرغيناني ت سنة 593هـ: (...بدن الحرة كله عورة إلا وجهها وكفيها لقوله عليه الصلاة والسلام (المرأة عورة مستورة) واستثناء العضوين للإبتلاء بإبدائهما ).
(ولا يجوز أن ينظر الرجل إلى الأجنبية إلا وجهها وكفيها فإن كان لا يأمن الشهوة لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة)

 ورد في ((الاختيار)) لابن مودود الموصلي (ت سنة 683 هـ): ( ولاينظر إلي الحرة الأجنبية إلا إلي الوجه والكفين إن لم يخف شهوة. وعن أبي حنيفة (ت سنة 150هـ) : أنه زاد القدم , لأن في ذلك ضرورة للأخذ والعطاء ومعرفة وجهها عند المعاملة مع الأجانب لإقامة معاشها ومعادها لعدم من يقوم بأسباب معاشها, قال والأصل في قوله تعالي: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}, قال عامة الصحابة: الكحل والخاتم المراد موضعهما كما بينا أن النظر إلي نفس الكحل والخاتم والحلي وأنواع الزينة حلال للأقارب والأجانب فكان المراد موضع الزينة بطريق حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ).


الكلام عن الأخذ والعطاء وغير ذلك هو تمثيل , والمقصود الحاجة الغالبة في تعاملها والتي راعتها الشريعة وكان الكشف فيها عادة عامة وشائعة.


• وفي "كنز الدقائق" للنسفي ت سنة 701 هـ: (فصل في النظر والمس :لا ينظر إلى غير وجه الحرة وكفيها).

• الإمام إسماعيل حقي ت سنة 1127هـ , في تفسيره المشهور ب"روح البيان" قال في أحكام النظر:(ومن الحرة الأجنبية إلى وجهها وكفيها وقدميها في رواية). 

• الإمام محمود الألوسي ت سنة1270هـ , في تفسيره المشهور ب"روح المعاني" قال: (وأنت تعلم أن وجه الحرة عندنا ليس بعورة فلا يجب ستره ويجوز النظر من الأجنبي إليه إن أمن الشهوة مطلقا وإلا فيحرم).


وذهب جماعة من متأخري الأحناف - في القرن العاشر وصاعدا - إلى أن المرأة الشابة تُمنع من كشف الوجه بين الرجال لا لأنه عورة ، بل لخوف الفتنة , وهو قول التمرتاشي (ت سنة 1004هـ) , والحصكفي (ت سنة 1088هـ) , والطحطاوي (ت سنة 1231هـ) , وحاشية ابن عابدين (ت سنة 1306هـ) , ولم يكن يذكره الأئمة المتقدمون من الشيباني حتي زمان هؤلاء مع وجود خوف الفتنة في القديم والحديث. وقول المتأخرين هذا لا دليل عليه , فإذا لم يكن الوجه عورة كما قرروا  هم أنفسهم ، ولم يرد دليل صحيح بوجوب تغطية الوجه سواء للفتنة أو لغيرها ، فما الدليل على ما ذكر؟! ، ولو قالوا : يحرم النظر إليها لكان أولى ، لورود الأمر بذلك في الكتاب والسنة ، فالمنع من النظر إلى ما ليس بعورة أولى من الأمر بتغطية ما يخشى من الفتنة بالنظر إليه ، وهذا يؤيده الشرع والعقل.



من أقوال فقهاء المذهب المالكي 


• ورد في الموطأ للإمام مالك ت سنة 179ﻫ: ( سئل مالك: هل تأكل المرأة مع غير ذي محرم منها أو مع غلامها؟ فقال مالك: ليس بذلك بأس...قال: وقد تأكل المرأة مع زوجها ومع غيره ممن يؤاكله..)

• وقال أبو القاسم العبدري ت سنة 897هـ صاحب التاج والإكليل في تعقيبه علي قول مالك: فيه إباحة إبداء المرأة وجهها ويديها للأجنبي إذ لايتصور الأكل إلا هكذا.



• قال أبو الوليد الباجي ت سنة 474هـ صاحب المنتقي شرح الموطأ: قوله: وقد تأكل المرأة مع زوجها ومع غيره ممن يؤاكله.. يقتضي أن نظر الرجل إلي وجه المرأة وكفيها مباح لأن ذلك يبدو منها عند مؤاكلتها.

• وقال أبو الوليد الباجى: (قوله كانت تصلي في الدرع والخمار يقتضي أنها كانت تقتصر عليهما والنساء على ضربين حرة وأمة وأما الحرة فجسدها كله عورة غير وجهها وكفيها، وذهب بعض الناس إلى أنه يلزمها أن تستر جميع جسدها، واستدل أصحابنا في ذلك بقوله تعالى (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قالوا: إن الذي يظهر منها الوجه واليدان وعلى ذلك أكثر أهل التفسير).

• قال القاضي عياض (ت سنة 544هـ) في إكمال المعلم في تعقيبه علي قول مالك: ( وهذا ليس فيه إلا إبداء كفيها ووجهها، وذلك مباح منها النظر إليه لغير تلذذ ومداومة لتأمل المحاسن. قال ابن عباس: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: الوجه والكفان، وقاله عطاء . وذكر ابن بكير: أنه قول مالك وغيره، وإليه مال إسماعيل القاضى قال: لأنه الذى يبدو من المرأة فى الصلاة. ففيه دليل أن للغرباء والأجانب رؤيته من المرأة. وقال الأزهرى: معنى قول مالك التقدم فى المؤاكلة ذلك فى الحِجَال (أى البيت). وقد يحتمل أن تكون أم سليم امرأة أبى طلحة ذات محرم من النبى - عليه السلام - إذ ذكر أن أختها أم حرام كانت خالته من الرضاعة، فقد تكون هذه - أيضاً - مثلها، أو تكون أجنبية على ما تقدم، إذ ليس كل أخت خالة من الرضاعة والسبب حاله ) .(كتاب الأشربة باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك، ويتحققه تحققاً تاماً، واستحباب الاجتماع على الطعام)

وتنبه أنه نقل عن ابن بكير (وهو يحيى بن عبد الله بن بكير: من تلامذة الإمام مالك الآخذين عنه ، ومن رواة الموطأ عنه) أنه نقل عن الإمام مالك أن الوجه والكفين ليسا عورة.

وقال فى موضع آخر فى كتاب الآداب باب نظر الفجأة : (( فى هذا كله (وهو يعني حديث نظر الفجأة) عند العلماء حجة أنه ليس بواجب أن تستر المرأة وجهها وإنما ذلك استحباب وسنة لها وعلى الرجل غض بصره عنها...ولا خلاف أن فرض ستر الوجه مما اختص به أزواج النبى صلى الله عليه وسلم منذ نزل الحجاب)).


وقد فُهم من كلام القاضي عياض هذا على أنه حكاية للإجماع على ذلك , لأنه قال : ((وفى هذا كله عند العلماء)) ، دون تقييد للعلماء ، ولكن فُسر هذا الإجماع من علماء آخرين أنه إجماع من أئمة المالكية. 



• وقال مالك لما سأله سحنون (ت 240هـ) في "المدونة" عن المرأة التي ظاهَرَها زوجها وصارت أجنبية عنه: «ولا يصلح له أن ينظر إلى شعرها ولا إلى صدرها. قال : قلت لمالك: أفينظر إلى وجهها؟ فقال (مالك): نعم، وقد ينظر غيره أيضاً إلى وجهها».


وهذا صريح أن الوجه ليس عورة عند الإمام مالك.

• قال ابن بطال ت سنة 449هـ في شرحه لصحيح البخاري: (وإذا ثبت أن النظر إلى وجه المرأة لخطبتها حلال خرج بذلك حكمه من حكم العورة.لأنا رأينا ما هو عورة لا يباح لمن أراد نكاحها النظر إليه، ألا ترى أنه من أراد نكاح امرأة فحرام عليه النظر إلى شعرها أو إلى صدرها أو إلى ما أسفل من ذلك من بدنها، كما يحرم ذلك منها على من لم يرد نكاحها، فلما ثبت أن النظر إلى وجهها حلال لمن أراد نكاحها، ثبت أنه حلال أيضًا لمن لم يرد نكاحها.



• قول ابن عبد البر المالكي في التمهيد:  (( وجائز أن ينظر إلى ذلك منها (أي الوجه والكفين) كل من نظر إليها بغير ريبة ولا مكروه، وأما النظر للشهوة فحرام تأملها من فوق ثيابها لشهوة، فكيف بالنظر إلى وجهها مسفرة ))

كلامه صريح في عدم وجوب الستر , وصريح في جواز النظر من غير فتنة.

 قال أبو بكر بن العربي المالكي (ت سنة 543 هـ)  في أحكام القرآن : (واختلف في الزينة الظاهرة علي ثلاثة أقوال:
الأول: أنها الثياب...
الثاني: الكحل والخاتم ...
الثالث: أنه الوجه والكفان. وهو والقول الثاني بمعني , لأن الكحل والخاتم في الوجه والكفين... والصحيح أنها من كل وجه هي التي في الوجه والكفين , فإنها تظهر في الصلاة , وفي الإحرام عبادة , وهي التي تظهر عادة ).

 قال ابن القطان (ت سنة 628هـ) في "أحكام النظر": (وقد قدمنا أنه جائز للمرأة إبداء وجهها وكفيها، فالنظر إلى ذلك جائز، لكن بشرط أن ‏لا يخاف الفتنة، وأن لا يقصد اللذة، وأما إذا قصد اللذة، فلا نزاع في التحريم).

 قال الإمام عبد الرحمن شهاب الدين البغدادي (ت سنة 732هـ) في إرشاد السالك إلى أَشرف المسالك في فقه الإمَامِ مَالِك: ( ستر العورة شرط (أى فى الصلاة) ... والحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها والساتر الحصيف لا الشاف).


• في الشرح الصغير للدردير ت سنة1201هـ المسمي "أقرب المسالك إلي مذهب مالك": ( وعورة الحرة مع رجل أجنبي منها-أي ليس محرم لها- جميع البدن غير الوجه والكفين , وأما هما فليسا عورة).



وذهب جماعة من متأخري المالكية إلى أنه إن خشي من المرأة الفتنة يجب عليها ستر الوجه والكفين , قاله ابن مرزوق (ت سنة 780هـ) , والحطاب (ت سنة 854هـ) , وزروق (ت سنة 899هـ) , والنفراوي (ت سنة 1120 هـ) , وقولهم مبني علي سد الذرائع وليس حكما شرعيا أصليا ثابتا في كلام أئمة المذهب ومحققيه. ومن الأدلة الظاهرة علي ذلك أن العلامة زروق في شرح "المقدمة الوغليسية" قد قال: (وأما الوجه فليس بعورة , يعني حيث لا تكون الشهوات متعلقه به , وهذا يختلف باختلاف اصطلاح البلاد , ولكن الشرع هو الحاكم , فلا يلزم المرأة ستر وجهها , وإن سترته أحسن. إلا أن تكون جميلة أو صغيرة يعني مفتنة , فلا يجوز أن تُري , يعني بل تستر كل شيء منها ...وهذا بناء علي سد الذرائع والله أعلم)
والحكم المبني علي سد الذرائع لا يُجعل حُكم الشرع الأصلي , بل من قبيل الفتيا , ولا يُقضي به علي الخلاف , ولا يقال إنها فتيا عامة كان يقول بها العلماء في كل طبقة , لثبوت غير ذلك بيقين.



من أقوال فقهاء المذهب الشافعي 



• ورد في الأم للشافعي ت سنة204هـ: ... يجزئ الرجل والمرأة كل واحد أن يصلي متواري العورة, وعورة الرجل ما وصفت وكل المرأة عورة إلا كفيها ووجهها.
وكلام الإمام الشافعي ليس خاصا بعورة الصلاة, إنما هو يبين العورة مطلقا, ويدل على ذلك كلامه فى تفسير آية الزينة الظاهرة وأنها الوجه والكفان.


• نقل الإمام المزني (ت:264هـ) في مختصره المشهور عن الإمام الشافعي (ت:204هـ) صاحب المذهب:  قال: وإذا أراد أن يتزوج المرأة فليس له أن ينظر إليها حاسرة وينظر إلى وجهها وكفيها وهي متغطية بإذنها وبغير إذنها قال الله تعالى {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} قال الوجه والكفان.

وهذا صريح من قول الشافعى أن الوجه والكفين ليسا بعورة. والشافعية متفقون على تفسير آية الزينة الظاهرة بأنها الوجه والكفان , وهذه الآية تبين ما يجوز إبداؤه من الزينة أمام الرجال الأجانب. وليست الآية خاصة بالخاطب , فالشافعي يقول: إنه ليس للخاطب إلا ما للأجنبي من الزينة الظاهرة.



• ورد في المهذب للشيرازي ت سنة467هـ: وأما الحرة فجميع بدنها عورة إلا الوجه والكفين لقوله تعالي :{وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} , قال ابن عباس: وجهها وكفيها ولأن النبي صلي الله عليه وسلم نهي المحرمة عن لبس القفازين والنقاب , ولو كان الوجه والكف عورة لما حرم سترهما , ولأن الحاجة تدعو إلي إبراز الوجه للبيع والشراء و إلي إبراز الكف للأخذ والعطاء فلم يجعل ذلك عورة. 
• في تفسير الإمام السمعاني ت سنة 489هـ :(على هذا يجوز النظر إلى وجه المرأة وكفيها من غير شهوة ، وإن خاف الشهوة غض البصر ، واعلم أن الزينة زينتان : زينة ظاهرة ، زينة باطنة، فالزينة الظاهرة هي الكحل والفتخة والخضاب إذا كان في الكف ... فما كان من الزينة الظاهرة يجوز للأجنبي النظر إليه من غير شهوة).

• وفي المجموع للنووي ت سنة676هـ: (وعورة الحرة جميع بدنها إلا الوجه والكفين). 

• قال النووي في "منهاج الطالبين":( ويحرم نظر فحل بالغ إلى عورة حرة كبيرة أجنبية وكذا وجهها وكفها عند خوف الفتنة وكذا عند الأمن على الصحيح).

تحريم النظر دليل على ظهور المنظور إليه.أما تحريم نظر الرجل مطلقا إلى المرأة  ولو بغير فتنة  قول مرجوح ودليله ضعيف , وأكثر محققي المذاهب المتقدمين علي غير هذا فلا يحرمون النظر إلا عند الشهوة أو عند خوف حصولها.

 الإمام الخازن ( ت سنة 741 هـ) في تفسيره ( لباب التأويل في معاني التنزيل ) :( فما كان من الزينة الظاهرة يجوز للرجل الأجنبي النظر إليه للضرورة مثل تحمل الشهادة  ونحوه مـن الضرورات إذا لم يخف فتنة وشهوة فإن خاف شيئاً من ذلك غض البصر وإنما رخص في هذا القدر للمرأة أن تبديه من بدنها لأنه ليس بعورة وتؤمر بكشفه في الصلاة وسائر بدنها عورة)

• وقال البغوي في شرح السنة: (فإن كانت أجنبية حرة فجميع بدنها عورة في حق الرجل لا يجوز له أن ينظر إلى شيء منها إلا الوجه واليدين إلى الكوعين وعليه غض البصر عن النظر إلى وجهها ويديها أيضاً عند خوف الفتنة).

• قال ابن حجر الهيتمي في (الفتاوى الكبرى) : (وحاصل مذهبنا أن إمام الحرمين نقل الإِجماع على جواز خروج المرأة سافرة وعلى الرجال غضّ البصر ).


 قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في أسني المطالب: وعورة الحرة في الصلاة وعند الأجنبي ولو خارجها جميع بدنها إلا الوجه والكفين ظهراً وبطناً إلى الكوعين.

 قال إمام الحرمين الجوينى ( ت :478 هـ) في كتاب نهاية المطلب باب ( نظر الرجل إلى المرأة الأجنبية): (أما الأجنبية فلا يحل للأجنبي أن ينظر منها إلى غير الوجه والكفين من غير حاجة , والنظر إلى الوجه والكفين يحرم عند خوف الفتنة إجماعاً فإن لم يظهر خوف الفتنة فالجمهور (الشافعية) يرفعون التحريم لقوله تعالى : "إلا ما ظهر منها" قال أكثر المفسرين : الوجه والكفان)

ونهاية المطلب هو الذي تفرعت عليه عامة مصنفات الغزالي ثم الرافعي والنووي ثم علي منهاج النووي اعتمد المتأخرون.

وقد صرح الجويني ومن وافقه (وهم قلة من الشافعية) ممن يحرمون النظر مطلقا , أنهم يوجبون ستر الوجه والكفين لا لكونهما عورة , وإنما سدًّا للذريعة , وهذا نص الجوينى حيث يقول : (وذهب العراقيون وغيرهم إلى تحريمه من غير حاجة.قال: وهو قوي عندي , مع اتفاق المسلمين على منع النساء من التبرج والسفور وترك التنقب , ولو جاز النظر إلى وجوههنّ , لكُنَّ كالـمُرد , ولأنهنّ حبائل الشيطان , واللائق بمحاسن الشريعة حسم الباب وترك تفصيل الأحوال ) ... فهذا كلام صريح أنه منع النساء من كشف الوجه اجتهادا وسياسة , لا اتباعا لنص يوجب ستر العورة .

ومقصود الجويني من اتفاق المسلمين على منع النساء من التبرج والسفور وترك التنقب : منع الحكام وولاة الأمر (شرح الشراح هذا القول) , وهذا ظاهر , لأنه هو نفسه قد حكى الاختلاف , ولأن غيره من العلماء حكى ضد قوله كالقاضي عياض والنووي ومن وافقهما ، مما يدل على أنه ليس هناك اتفاق لا من المسلمين ولا من ولاة الأمر على ذلك. وأن كلام الجويني قاله استرواحا بما أدركه ورآه ، دون استقراء لأحوال المرأة وأحكامها في بلاد المسلمين واختلاف أزمانهم.

 قال الماوردي (ت: 450ه‍( فى (الحاوى الكبير) : ( ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﻌﻮﺭﺓ ﻓﻀﺮﺑﺎﻥ ﺻﻐﺮﻯ ﻭﻛﺒﺮﻯ ، ﻓﺄﻣﺎ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻓﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﺒﺪﻥ ﺇﻻ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﻭﺍﻟﻜﻔﺎﻥ ، ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﺼﻐﺮﻯ ﻓﻤﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺴﺮﺓ ﻭﺍﻟﺮﻛﺒﺔ ﻭﻣﺎ ﻳﻠﺰﻣﻬﺎ ﺳﺘﺮ ﻫﺎﺗﻴﻦ ﺍﻟﻌﻮﺭﺗﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﺟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﺿﺮﺏ: ﺃﺣﺪﻫﺎ : ﺃﻥ ﻳﻠﺰﻣﻬﺎ ﺳﺘﺮ ﺍﻟﻌﻮﺭﺓ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ، ﻭﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﺣﻮﺍﻝ :

ﺃﺣﺪﻫﺎ : ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﻗﺪ ﻣﻀﻰ ﺣﻜﻤﻬﺎ. (المرأة كلها عورة في الصلاة إلا وجهها وكفيها إلى آخر مفصل الكوع) 
ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻲ : ﻣﻊ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﺍﻷﺟﺎﻧﺐ ، ﻭﻻ ﻓﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﻣﺴﻠﻤﻬﻢ ، ﻭﻛﺎﻓﺮﻫﻢ ، ﻭﺣﺮﻫﻢ ، ﻭﻋﺒﺪﻫﻢ ، ﻭﻋﻔﻴﻔﻬﻢ ، ﻭﻓﺎﺳﻘﻬﻢ ، ﻭﻋﺎﻗﻠﻬﻢ ، ﻭﻣﺠﻨﻮﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﺇﻳﺠﺎﺏ ستر ﺍﻟﻌﻮﺭﺓ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻌﻬﻢ.
ﻭﺍﻟﺜﺎﻟﺚ : ﻣﻊ ﺍﻟﺨﻨﺎﺛﻰ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﻴﻦ ، ﻷﻥ ﺟﻤﻠﺔ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻋﻮﺭﺓ ﻓﻼ ﻳﺴﺘﺒﺎﺡ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺎﻟﺸﻚ).

فانظر كيف سوي بين الأجانب وعورة الصلاة في نفس حكم الستر.   


من أقوال فقهاء المذهب الحنبلي 


• ورد في الهداية للكلوذاني ت سنة510 هـ: عورة المرأة الحرة جميع بدنها إلا الوجه وفي الكفين روايتان.


• ورد في الافصاح عن معاني الصحاح لابن هبيرة ت سنة560هـ : 

1- باب ذكر حد العورة... وقال أحمد في إحدي روايته:كلها عورة إلا وجهها وكفيها... والرواية الأخري كلها عورة إلا وجهها خاصة وهي المشهورة ولها اختار الخرقي.

2- واتفقوا علي أن من أراد تزويج امرأة فله أن ينظر منها ما ليس بعورة...وقد سبق بياننا لحد العورة في كتاب الصلاة.

ورد في المغني لابن قدامة:

1.    لا يختلف المذهب في أنه يجوز للمرأة كشف وجهها في الصلاة , ولا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم  , وأنه ليس لها كشف ماعدا وجهها وكفيها وفي الكفين روايتان. واختلف أهل العلم , فأجمع أكثرهم علي أن لها أن تصلي مكشوفة الوجه...وقال مالك ، والأوزاعي ، والشافعي : جميع المرأة عورة إلا وجهها وكفيها ، وما سوى ذلك يجب ستره في الصلاة ; لأن ابن عباس قال في قوله تعالى {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} قال: الوجه والكفين. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المحرمة عن لبس القفازين والنقاب ولو كان الوجه والكفان عورة لما حرم سترهما، ولأن الحاجة تدعو إلى كشف الوجه للبيع والشراء، والكفين للأخذ والإعطاء. وقال بعض أصحابنا: المرأة كلها عورة لأنه قد روي في حديث عن النبي صلي الله عليه وسلم ( المرأة عورة). لكن رخص لها في كشف وجهها وكفيها (أي في الصلاة) , لما في تغطيتة من المشقة , وأبيح النظر إليه لأجل الخطبة , لأنه مجمع المحاسن , وهذا قول أبي بكر بن الحارث بن هشام , قال: المرأة كلها عورة حتي ظفرها.كتاب الصلاة جزء 1

هنا يقرر ابن قدامة أن الجمهور من الأصحاب كالجمهور من الفقهاء أن الوجه والكفين ليس بعورة أصلا , داخل الصلاة وخارجها , ويدل علي ذلك البناء الاستدلالي بالعورية العامة كآية الإبداء , وعدم وجوب الستر في الإحرام , والعادة التي جعلت الشارع لا يجعلها عورة.

2.    ولا خلاف بين أهل العلم في إباحة النظر إلي وجهها ( أي وجه المخطوبة) وذلك لأنه ليس بعورة وهو مجمع المحاسن وموضع النظر ولا يباح له النظر إلى ما لا يظهر عادة. وحكي عن الأوزاعي أنه ينظر إلى مواضع اللحم وعن داود أنه ينظر إلى جميعها ، لظاهر قوله عليه السلام (انظر إليها) ولنا قول الله تعالى:{ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} وروي عن ابن عباس أنه قال: الوجه، وباطن الكف. ولأن النظر محرم أبيح للحاجة ، فيختص بما تدعو الحاجة إليه ، وهو ما ذكرنا . كتاب النكاح جزء 7 

فإذا كان النظر محرما , وأبيح للحاجة لما هو ليس بعورة , لم يبق في الوجه عورة إلا في النظر , ولم يكن عورة ستر , إذ صرح نفسه نفيها لتعليل الإباحة. وانظر البناء الاستدلالي الذي ذكره: آية الإبداء.

3.    ويجتمع في حق المحرمة : وجوب تغطية الرأس ، وتحريم تغطية الوجه ، ولا يمكنها تغطية كل الرأس إلا بتغطية جزء من الوجه ، ولا كشف جميع الوجه إلا بكشف جزء من الرأس ، والمحافظة على ستر الرأس كله أولى ، لأنه آكد ، لأنه عورة ، ولا يختص تحريمه حالة الإحرام , وكشف الوجه بخلافه , وقد أبحنا ستر جملته للحاجة العارضة فستر جزء منه لستر العورة أولى. اهـ. كتاب الحج جزء 3

لاحظ تعبيره أن ستر الرأس أولي لأنه عورة وكشف الوجه بخلافه يعني : أن إيجاب كشفه خاص بالإحرام , أما خارج الإحرام يجوز كشفه ويجوز ستره , وذلك لأنه ليس بعورة. ثم قال إن ستر جزء منه - أي مع كونه ليس بعورة - لستر جزء من العورة - أي الرأس - أولي. وقد قال هو نفسه في حكم سدلها في الإحرام: ( لأن بالمرأة حاجة إلي ستر وجهها , فلم يحرم عليها ستره علي إطلاق كالعورة) , ومعني هذا أنه ليس بعورة.

4.    فأما نظر الرجل إلى الأجنبية من غير سبب ، فإنه محرم إلى جميعها ، في ظاهر كلام أحمد. قال أحمد : لا يأكل مع مطلقته ، هو أجنبي لا يحل له أن ينظر إليها ، كيف يأكل معها ينظر إلى كفها ؟ ، لا يحل له ذلك. وقال القاضي : يحرم عليه النظر إلى ما عدا الوجه والكفين ; لأنه عورة ، ويباح له النظر إليها مع الكراهة إذا أمن الفتنة ، ونظر لغير شهوة. وهذا مذهب الشافعي لقول الله تعالى:{ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} قال ابن عباس: الوجه والكفين وروت عائشة (أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثياب رقاق ، فأعرض عنها ، وقال : يا أسماء ، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه) رواه أبو بكر ، وغيره ; ولأنه ليس بعورة ، فلم يحرم النظر إليه بغير ريبة ، كوجه الرجل. كتاب النكاح جزء 7 

هنا فضلا عن إثباته لمذهب هؤلاء الحنابلة في أنه ليس بعورة خارج الصلاة , ففيه إثبات لمذهب الشافعية أنه يجوز النظر لغير شهوة. وانظر البناء الاستدلالي الذي ذكره: آية الإبداء , وحديث أسماء.

5.    أورد ابن قدامة حديث: (إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يري منها إلا هذا وهذا..وأشار إلي وجهه وكفيه) وقال: واحتج أحمد بهذا الحديث.كتاب النكاح جزء 7


 ورد في المحرر في الفقه لمجد الدين ابن تيمية (ت سنة652هـ): وكل الحرة عورة سوي الوجه وفي كفيها روايتان.وفي "منتقى الأخبار" بوب: (باب أن المرأة الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها).



• ورد في "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد ابن حنبل" للشيخ علاء الدين المرداوي    (ت سنة 885 هـ):


         " الصحيح من المذهب أن الوجه ليس من العورة. وحكاه القاضي إجماعا".

وقال أيضا : (قال أكثر الأصحاب أنه لا يجوز للرجل النظر إلي غير ما تقدم ذكره  , فلا يجوز له النظر إلي الأجنبية قصدا , وهو الصحيح , وهو المذهب , وجوَّز جماعة من الأصحاب نظر الرجل من الحرة الأجنبية إلي ما ليس بعورة صلاة , وجزم به (أي السامري ت سنة 616 هـ) في المستوعب في آدابه , وذكره الشيخ تقي الدين رواية. قال القاضي (ت سنة 458 هـ) المحرم ما عدا الوجه والكفين. وصرح القاضي في الجامع: أنه لا يجوز النظر إلي المرأة الأجنبية لغير حاجة. ثم قال: النظر إلي العورة محرم وإلي غير العورة مكروه. وهكذا ذكر ابن عقيل وأبو الحسين. وقال أبو الخطاب (أي الكلوذاني) : لا يجوز النظر لغير ما ذكرنا إلا أن القاضي أطلق هذه العبارة . وحكى الكراهة في غير العورة. قال الشيخ تقي الدين: هل يحرم النظر إلى وجه الأجنبية لغير حاجة؟ رواية عن الإمام أحمد: يكره ولا يحرم. وقال ابن عقيل (ت سنة 513هـ): لا يحرم النظر إلى وجه الأجنبية إذا أمن الفتنة.انتهي. قلت: وهذا الذي لا يسع الناس غيره، خصوصا للجيران والأقارب غير المحارم الذين نشأ بينهم، وهو مذهب الشافعي. اهـ.

فحاصل هذا: أن الحنابلة مختلفون في النظر إلي الأجنبية من غير حاجة , ونلاحظ أن القاضي أبي يعلي , الذي ذكر أن الوجه ليس بعورة إجماعا , يجيز النظر هاهنا , وهذا يستلزم أن مراد الأول كان عورة الصلاة وعورة الستر العامة خارجها معا. ويدل علي ذلك أيضا أنه يصرح أن الوجه ليس بعورة خارج الصلاة قوله في المسائل الفقهية : (يكره للرجل النظر من المرأة الأجنبية ما ليس بعورة لغير حاجة خوفا أن يدعو ذلك إلي الفتنة وهذا المعني موجود في المرأة لا يؤمن عليها حصول الفتنة بنظرها إلي الأجنبي فيجب أن يكره ذلك في حقها).

فأكثر الأصحاب – علي رواية المرداوي – مع أن الوجه ليس بعورة إلا أنه لا يجوز النظر إليه. 




• ورد في الآداب الشرعية لابن مفلح الحنبلي ت سنة763 هـ:هل يسوغ الإنكار على النساء الأجانب إذا كشفن وجوههن في الطريق؟....... فأما قولنا وقول جماعة من الشافعية وغيرهم: إن النظر إلى الأجنبية جائز من غير شهوة ولا خلوة، فلا ينبغي الإنكار عليهن إذا كشفن عن وجوههن في الطريق.

وابن مفلح هو تلميذ شيخ الإسلام وقد قال ابن القيم فيه: ما تحت قبة الفلك أعلم بمذهب الإمام أحمد من ابن مفلح.

لاحظ تنويع ابن مفلح بين إيجاب الستر عليها أو وجوب غض البصر , بما يعني أنه يري أن القول بغض البصر عنها مستلزم لإباحة كشف وجهها. أيضا نجد ابن مفلح هنا ينسب جواز النظر من غير شهوة للحنابلة , وكأنه قول الأكثر , وهذا خلاف حكاية المرداوي. وعلي كل حال يبقي أنهم مختلفون في هذا.

 قال عبد القادر بن بدران (ت سنة 1346هـ) فى المواهب الربانية: (فتحصل من كلام الحنفية والمالكية أن الوجه والكفان ليس بعورة داخل الصلاة وخارجها وهو ظاهر كلام الإمام أحمد).

من نقول الفقهاء لمذاهب الأئمة في مشروعية سفور الوجه


• قال ابن عبد البر في التمهيد: ( قال مالك و أبو حنيفة و الشافعي وأصحابهم وهو قول الأوزاعي و أبي ثور: علي المرأة أن تغطي منها ما سوي وجهها وكفيها....إجماع العلماء علي أن للمرأة أن تصلي المكتوبة ويداها ووجهها مكشوف ذلك كله منها , تباشر الأرض به. وأجمعوا علي أنها لاتصلي منتقبة ولا عليها أن تلبس القفازين. وفي هذا أوضح الدلائل علي أن ذلك منها غير عورة , وجائز أن ينظر إلي ذلك منها كل من نظر إليها بغير ريبة ولا مكروه).

ابن عبد البر جعل جواز الكشف في الصلاة حجة علي جواز الكشف خارجها.

• قال البغوي في شرح السنة: ( باب النظر إلي المخطوبة.... والعمل علي هذا عند بعض أهل العلم قالوا: إذا أراد الرجل أن ينكح امرأة فله أن ينظر إليها ـ وهو قول الثوري و الشافعي و أحمد و اسحاق ـ سواء أذنت أو لم تأذن, إنما ينظر منها إلي الوجه والكفين فقط, ولايجوز أن ينظر إليها حاسرة وأن ينظر إلي شئ من عورتها. وقال الأوزاعي: لاينظر إلا إلي وجهها). 

• قال ابن رشد في بداية المجتهد: (... حد العورة في المرأة: أكثر العلماء علي أن بدنها كله عورة ما خلا الوجه والكفين, وذهب أبو حنيفة إلي أن قدمها ليست عورة, وذهب أبو بكر بن عبد الرحمن وأحمد إلي أن المرأة كلها عورة). 

• قال ابن قدامة في المغني: ( قال أبو حنيفة: القدمان ليسا عورة لأنهما يظهران غالبا فهما كالوجه.... وقال مالك و الأوزاعي و الشافعي : جميع المرأة عورة إلا وجهها وكفيها).

• قال النووي: (المشهور من مذهبنا أن عورة الحرة جميع بدنها إلا الوجه والكفين وبهذا كله قال مالك وطائفة وهي رواية عن أحمد ... و الأوزاعي و أبو ثور. وقال أبو حنيفة و الثوري و المزني: قدماها أيضا ليسا عورة. وقال أحمد: جميع بدنها إلا وجهها فقط).



من أقوال بعض الفقهاء في مشروعية سفور الوجه


• قال ابن بطال: ( في الحديث – أي حديث الخثعمية – الأمربغض البصر خشية الفتنة... وفيه دليل علي أن نساء المؤمنين ليس عليهن من الحجاب ما يلزم أزواج النبي صلي الله عليه وسلم , إذ لو لزم ذلك جميع النساء لأمر النبي الخثعمية بالاستتار و لما صرف وجه الفضل. قال: وفيه دليل علي أن ستر المرأة وجهها ليس فرضا.... وأن قوله: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} علي الوجوب في غير الوجه).

• قال المتولي (ت سنة 478هـ) : (...إن كانت (المرأة الأجنبية) جميلة يخاف الافتتان بها لم يشرع السلام لا ابتداء ولا جوابا , فلو ابتدأ أحدهما كره للآخر الرد , وإن كانت عجوزا لا يفتتن بها جاز)

وعقب الحافظ ابن حجر علي رأي المتولي الشافعي فقال : (وحاصل الفرق بين هذا وبين المالكية (حيث فرقوا بين الشابة والعجوز) التفصيل في الشابة بين الجمال وعدمه , فإن الجمال مظنة الافتتان بخلاف مطلق الشابة)

وهل من سبيل لمعرفة الشابة من العجوز والجميلة من غيرها بغير سفور الوجه.


• قال النووي في شرح مسلم: قال عياض: ( خص أزواج النبي صلي الله عليه وسلم بستر الوجه والكفين واختلف في ندبه في حق غيرهن). 

• قال البغوي: ( وأما المرأة مع الرجل , فإن كانت أجنبية حرة فجميع بدنها عورة في حق الرجل لايجوز له النظر إلي شئ منها إلا الوجه واليدين إلي الكوعين,لقوله عز وجل:{وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قيل في التفسير : هو الوجه والكفان , وعليه غض البصر عن النظر إلي وجهها ويديها عند خوف الفتنة لقوله سبحانه {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}.

• قال القرطبي: ( لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة وذلك في الصلاة والحج فيصلح أن يكون الإستثناء {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} راجعا إليهما.... فهذا أقوي في جانب الإحتياط لمراعاة فساد الناس فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها والله الموفق لا رب سواه). 

• قال ابن رشد ت سنة 595ﻫ: ( الحادة تمتنع عند الفقهاء بالجملة من الزينة الداعية للرجال إلي النساء , وذلك كالحلي والكحل, إلا مالم تكن فيه زينة ، ولباس الثياب المصبوغة إلا السواد... وبالجملة فأقاويل الفقهاء فيما تجتنب الحادة متقاربة وذلك ما يحرك الرجال بالجملة إليهن).....وقال أيضا: ( ... ومن ألحق المطلقات بالمتوفي عنها زوجها فمن طريق المعني وذلك أنه يظهر من معني الإحداد أن المقصود به أن لايتشوف إليها الرجال). 

إنما يقع تشوف الرجال إلي المرأة المعتدة إذا كانت سافرة الوجه مكشوفة اليدين فيرون ما علي الوجه من كحل وما علي اليدين من حلي وخضاب.



اتفاق الفقهاء المتقدمين علي أن الوجه ليس بعورة


لقد اتفق الأئمة الأربعة بل وغيرهم من الأئمة علي أن وجه المرأة ليس بعورة , وسبق أن دللنا علي ذلك في المشاركات السابقة بما ورد في كتب المذاهب المعتمدة والكتب الأمهات.ويؤكد لنا هذا الاتفاق أئمة أعلام في التفسير والحديث والفقه, وقد بلغ هذا الاتفاق درجة عالية من الشمول جعلت بعض هؤلاء الأعلام يعبر عن الإتفاق بلفظ الإجماع.

فمن أئمة التفسير:

• يقول الإمام الطبري: وأولي الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عني بذلك الوجه والكفين , يدخل في ذلك إذا كان كذلك: الكحل والخاتم والسوار والخضاب, وإنما قلنا ذلك أولي الأقوال في ذلك بالتأويل لإجماع الجميع علي أن علي كل مصلي أن يستر عورته في صلاته, وأن للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها في صلاتها.... فإذا كان ذلك من جميعهم "إجماعا" كان معلوما بذلك أن تبدي من بدنها ما لم يكن عورة كما ذلك للرجال, لأن ما لم يكن عورة فغير حرام إظهاره.

ومن كبار علماء الحديث : 

• يقول ابن بطال ت سنة449هـ : ستر المرأة وجهها ليس فرضا لإجماعهم علي أن للمرأة أن تبدي وجهها في الصلاة ولو رأه الغرباء.

ومن أعلام المذهب الحنفي:

• يقول السرخسي ت سنة483 هـ : المرأة المحرمة لا تغطي وجهها بالإجماع مع أنها عورة مستورة... وهي مأمورة بأداء العبادة علي أستر الوجوه كما بينا في الصلاة.

ومن أعلام المذهب المالكي:

• يقول ابن عبد البر: الحرة كلها عورة مجتمع علي ذلك منها إلا وجهها وكفيها...وقد أجمعوا أن علي المرأة أن تكشف وجهها في الصلاة والإحرام.

• يقول القاضي عياض: لاخلاف أن فرض ستر الوجه مما اختص به أزواج النبي صلي الله عليه وسلم.

ومن أعلام المذهب الشافعي:

• يقول القفال: لما كان ظهور الوجه والكفين كالضروري لاجرم اتفقوا علي أنهما ليسا بعورة.

• يقول النووي: المشهور من مذهبنا أن عورة الحرة جميع بدنها إلا الوجه والكفين وبهذا كله قال مالك وطائفة وهي رواية عن أحمد ... والأوزاعي وأبو ثور. وقال أبو حنيفة والثوري والمزني: قدماها أيضا ليسا عورة. وقال أحمد: جميع بدنها إلا وجهها فقط).

وهكذا يؤكد النووي الاتفاق بذكره الأئمة الأربعة ومعهم أيضا الأوزاعي وأبو ثور والثوري والمزني.

ومن أعلام المذهب الحنبلي:

• يقول ابن هبيرة : (قال أبو حنيفة: كلها عورة إلا الوجه والكفين والقدمين. وقد روي عنه أن قدميها عورة وقال مالك و الشافعي: كلها عورة إلا وجهها وكفيها وقال أحمد في إحدى روايتيه:كلها عورة إلا وجهها وكفيها كمذهبيهما. والرواية الأخرى: كلها عورة إلا وجهها وخاصة. وهي المشهورة واختارها الخرقي)).

وهكذا يؤكد ابن هبيرة أيضا الاتفاق بذكره آراء الأئمة الأربعة في حد عورة المرأة.

• يقول ابن قدامة: ( قال أبو حنيفة : القدمان ليسا من العورة لأنهما يظهران غالبا فهما كالوجه...وقال مالك والأوزاعي والشافعي : جميع المرأة عورة إلا وجهها وكفيها).
وقال أيضا : ( ولا خلاف بين أهل العلم في إباحة النظر إلي وجهها ( أي وجه المخطوبة) وذلك لأنه ليس بعورة وهو مجمع المحاسن وموضع النظر ).

وما كان يمكن أن يؤكد الأئمة الأعلام هذا الاتفاق , في أمر تعم به البلوي من باب الرأي الاجتهادي الذي يحتمل الصواب والخطأ.إذن لا بد أن يكون وراء هذا الاتفاق علم يسنده , علم يقيني متوارث , هو من فضل الله تعالي علي أمة الإسلام.



صدور قول شاذ ينقض اتفاق الفقهاء المتقدمين


لقد نقلنا ما قاله فقهاء مختلِف المذاهب ومنهم المذهب الحنبلي في مشروعية سفور وجه المرأة , كما نقلنا ما قاله علماء أجلاء عن اتفاق أو إجماع المتقدمين علي أن الوجه ليس بعورة.ولكنا مع كل هذا لم نغفل عن صدور قول شاذ من البعض يقرر أن المرأة كلها عورة حتي ظفرها , وقد أشار عدد من الفقهاء إلي هذا القول الشاذ :

** غالب أقوال الفقهاء هنا عن ستر العورة في الصلاة.

• قال ابن عبد البر: ( وقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث: كل شئ من المرأة عورة حتي ظفرها..). 

• وقال أبو الوليد الباجي: ( وذهب بعض الناس إلي أنه يلزمها أن تستر جميع جسدها).

• وقال ابن رشد: ( وذهب أبو بكر بن عبد الرحمن وأحمد إلي أن المرأة كلها عورة). 

• وقال ابن قدامة: ( وقال بعض أصحابنا: المرأة كلها عورة لأنه قد روي في حديث عن النبي صلي الله عليه وسلم ( المرأة عورة) وهذا قول أبي بكر بن الحارث بن هشام , قال: المرأة كلها عورة حتي ظفرها).

• وقال النووي: ( حكي الماوردي و المتولي عن أبي بكر بن عبد الرحمن التابعي أن جميع بدنها عورة).

نلاحظ علي هذه الأقوال أن الجميع أرجع القول بأن المرأة كلها عورة إلي أبي بكر بن عبد الرحمن, عدا أبي الوليد الباجي فلم يصرح وقال: (ذهب بعض الناس) مجهلا القائلين بهذا القول مما يعني ضعف القول من ناحية والشذوذ من ناحية.

وأن القاضي ابن رشد أضاف أحمد إلي بكر بن عبد الرحمن , ونحسب , بعد أن قرر ابن قدامة أنه لا يختلف المذهب في أنه يجوز للمرأة كشف وجهها في الصلاة , نحسب أن إسناد ابن رشد وغيره هذا القول للإمام أحمد قد يرجع إلي لبس وقع نتيجة رواية عنه تفيد وجوب ستر جميع بدن المرأة أمام الرجال.وسنعود لتوضيح هذا اللبس ومناقشته بعد قليل تحت عنوان "رأي فقهي يطرحه فقهاء حنابلة يخالف اتفاق الفقهاء المتقدمين".

وابن قدامة يقول: لا يختلف المذهب في أنه يجوز للمرأة كشف وجهها في الصلاة... ثم يقول: ( وقال بعض أصحابنا المرأة كلها عورة...وهذا قول أبي بكر بن الحارث) مما يعني شذوذ هذا القول.

ثم يأتي ابن عبد البر ويقول: ( قول أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث هذا خارج عن أقاويل أهل العلم)



مواقف فقهاء من المذهب الحنبلي من اتفاق الفقهاء المتقدمين 


الموقف الأول :

المذهب الحنبلي مع اتفاق الفقهاء المتقدمين:

سبق عرض ما ورد في كتب الفقهاء الحنابلة المتقدمين من بداية القرن الرابع إلي منتصف القرن السابع وتبين أنهم مع اتفاق عموم الفقهاء :

الكلوذاني (ت سنة510هـ) وابن هبيرة (ت سنة560هـ) وابن قدامة (ت سنة620هـ) ومجد الدين ابن تيمية (ت سنة652هـ) وابن مفلح (ت763هـ).

في هذه المرحلة غلب تقرير الفقهاء الحنابلة في كتبهم أن وجه المرأة ليس بعورة , وفيه رواية واحدة عن الإمام أحمد , أما الكفان ففيهما روايتان.وغلبة هذا التقرير من الفقهاء الحنابلة يرجح موافقة المذهب الحنبلي حتي منتصف القرن السابع لاتفاق الفقهاء المتقدمين.

الموقف الثاني :

رأي فقهي يطرحه فقهاء حنابلة يخالف اتفاق الفقهاء المتقدمين:

هذا الرأي يأخذ بظاهر رواية وردت عن الإمام أحمد (ت سنة 241 ﻫ) تقرر ستر جميع بدن المرأة حتي ظفرها, وقد اعتبرت هذه الرواية أنها (المشهورة عن أحمد) و(ظاهر مذهب أحمد) واعتبرت الرواية الأخري التي تجيز إبداء الوجه والكفين مجرد رواية ثانية عن أحمد.

قال تقي الدين ابن تيمية: ( فما ظهر من الزينة هو الثياب الظاهرة وهذا قول ابن مسعود وهو المشهور عن أحمد... وقال ابن عباس: الوجه واليدان من الزينة الظاهرة وهي الرواية الثانية عن أحمد). وقال أيضا: ( ظاهر مذهب أحمد... كل شئ منها عورة حتي ظفرها)

وتلك الرواية معارضة كما مر بنا للرواية التي اعتمد عليها كل من : الكلوذاني و ابن هبيرة وابن قدامة ومجد الدين ابن تيمية , وذلك في تقريرهم أن هناك رواية واحدة عن الامام أحمد في وجه المرأة وأنه ليس بعورة, وبخاصة أن قولهم صريح غاية الصراحة في نفي اختلاف في تقرير هذا الأمر , وفي أنه ليس هناك رواية ثانية في المذهب تتعلق بالوجه لكن هناك رواية ثانية تتعلق بالكفين.

وهناك تأويل لتلك الرواية , إن صحت , أورده الزركشي قال : ( وقد أطلق أحمد القول بأن جميعها عورة , وهو مؤول علي ما عدا الوجه أو علي غير الصلاة) وهو بذلك يرفع الخلاف أن الوجه ليس بعورة في الصلاة وأنه عورة خارجها جمعا بين الروايتين عن أحمد فيما يتعلق بعورة المرأة , في بعضها أن الوجه عورة مطلقا , وفي بعضها أنه ليس بعورة مطلقا.     

وحمل الزركشي لا يصح مع الرواية الصريحة عن الإمام أحمد التي تنص صراحة علي ستر جميع بدنها حتي ظفرها في الصلاة كما سيأتي.


الموقف الثالث :

خطأ فقهي يصدر من فقهاء حنابلة يناقض اتفاق الفقهاء المتقدمين:

ونعني بهذا الخطأ القول بأن عورة الصلاة غير عورة النظر.وقد وقع هذا الخطأ من بعض الفقهاء الحنابلة نتيجة أخذهم برواية عن الإمام أحمد تقر وجوب ستر جميع بدن المرأة حتي ظفرها , وبعد تغليبهم هذه الرواية , وبدا وكأنه ليس في المذهب غير قول واحد ورأي واحد , قالوا بأن كلام الفقهاء المتقدمين بجواز كشف المرأة وجهها يختص بتحديد العورة في الصلاة فحسب , وأن جواز الكشف أمر خاص بالصلاة وحدها , وبذلك وقعوا في خطأ كبير وهو وجود عورتين لا عورة واحدة , وجعلوا لكل من الرجل والمرأة عورتين : عورة حال الصلاة خاصة , وعورة حال الظهور أمام الناس.

وإذا استعرضنا بعض ما ورد في كتب الحنابلة _ بعد الإفصاح لابن هبيرة والمغني لابن قدامة والمحرر لمجد الدين ابن تيمية _ نجد الفقهاء الحنابلة المتأخرين يحرصون علي النص علي أن وجه المرأة ليس بعورة في الصلاة ولكنه عورة خارج الصلاة.وكثيرا ما يرد في كتبهم (عورة الصلاة) و(عورة النظر) وهذه بعض الأمثلة:

• من فتاوي ابن تيمية (ت سنة 728هـ) : ( ليست العورة في الصلاة مرتبطة بعورة النظر لاطرداً ولا عكساً).
من كتاب التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع للمرداوي (ت سنة 885هـ) : ( والحرة كلها عورة في الصلاة إلا وجهها فقط).

• من كتاب الإقناع في فقه الإمام أحمد الحجاوي (ت سنة 968 ﻫ): ( والحرة البالغة كلها عورة في الصلاة حتي ظفرها وشعرها إلا وجهها. قال جمع : وكفيها, وهما والوجه عورة خارجها باعتبار النظر كبقية بدنها)

• من كتاب منتهي الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات للفتوحي(ت سنة972هـ) : ( والحرة البالغة كلها عورة في الصلاة إلا وجهها )

• ومن كتاب شرح منتهي الإرادات للبهوتي(ت سنة1051هـ) : ( وأما عورتها خارج الصلاة فيأتي بيانها في أول كتاب النكاح )

• من كتاب أخصر المختصرات للبلباني (ت سنة1083هـ) : ( وكل الحرة عورة إلا وجهها في الصلاة )

• من كتاب كشف المخدرات شرح أخصر المختصرات للبعلي (ت سنة1192هـ):( وكل الحرة البالغة عورة حتي ظفرها وشعرها مطلقا إلا وجهها في الصلاة...والوجه والكفان عورة خارجها باعتبار النظر كبقية بدنها )

وهكذا مضي الفقهاء الحنابلة قرونا طويلة وكأنهم متفقون علي القول : أن عورة الصلاة غير عورة النظر , وإن الحرة البالغة كلها عورة في الصلاة إلا وجهها.

ولكن لا ندري أين يقع هذا الاتفاق من رواية عن الإمام أحمد تنص صراحة علي ستر جميع بدنها حتي ظفرها في الصلاة. هذا الرواية وردت في كتاب مسائل الإمام أحمد لأبي داود السجستاني الحافظ صاحب السنن(ت سنة 275ﻫ) ونصها:
( أخبرنا أبو بكر, قال أبو داود قلت لأحمد: المرأة إذا صلت ما يري منها؟ قال : لايري منها ولا ظفرها ، تغطي كل شئ منها).

ومن الفقهاء الذين فرقوا بين عورة الصلاة وعورة النظر ويلاحظ أنهم أيضا من المتأخرين:

تعقيب: هذه الرواية هي المشهور عند الفقهاء من المذاهب الأخري فيما يفهمونه من مذهب أحمد , فهي نوع ما معروفه عندهم علي نحو أكثر من رواية الكشف , وهو القول الموافق لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث – التابعي أحد فقهاء المدينة السبعة - والذي ينقلونه في كتب المذاهب منسوبا لمذهب الحنابلة بالعموم.


الموقف الرابع:

اتهام صارخ يطلقه فقهاء حنابلة لمواصلة نقض اتفاق الفقهاء المتقدمين:

ويتلخص هذا الإتهام في رمي فقهاء حنابلة بعض الفقهاء المتقدمين بالخلط بين عورة النظر وعورة الصلاة , وذلك دفعا للاحتجاج بهم من قبل القائلين بمشروعية سفور الوجه.إذ يحتج هؤلاء بأن كثيرا من الفقهاء المتقدمين قالوا بجواز كشف المرأة وجهها في الصلاة ولو كان الوجه عورة ما أجازوا كشفه في عبادة , والعبادة تؤدي علي أستر الوجوه وأكملها.

قال ابن تيمية : ( إن طائفة من الفقهاء ظنوا أن الذي يستر في الصلاة هو الذي يستر عن أعين الناظرين وهو العورة)
قال ابن القيم: ( إن بعض الفقهاء سمع قولهم: إن الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها.. وهذا إنما في الصلاة لا في النظر , فإن العورة عورتان عورة في النظر وعورة في الصلاة).

وفي هذا الاتهام خطآن :

الخطأ الأول: هو تقرير أن العورة عورتان , عورة للصلاة وعورة للنظر , هذا التقرير مخالف لأصل لغوي ولأصل فقهي.

أما الأصل اللغوي فهو أنه عند إطلاق لفظ "العورة" بأل التعريف التي تستخدم للعهد الذهني, يكون المراد العورة المعروفة المعهودة , سواء للرجل أو للمرأة , وهي ما يستقبح ظهورة للناس أي عورة النظر.

وأما الأصل الفقهي فقد جرت عادة الفقهاء علي أن يخصصوا بابا أو مبحثا لشروط صحة الصلاة أو واجباتها مثل : دخول الوقت,استقبال القبلة,طهارة المكان,ستر العورة.وهكذا تذكر "العورة" في هذا المبحث الفقهي مُعَرَّفة بأل العهدية أي أنها العورة المعروفة المعهودة وهي عور النظر, إذن هي عورة واحدة.

وقد وردت نصوص تقرر حدود تلك العورة , وعورة الرجل المعروفة المعهودة ما بين السرة والركبة , وعورة الحرة المعروفة المعهودة جميع بدنها عدا الوجه والكفين , ثم جاء الفقهاء ليبينوا أنه من شروط الصلاة ستر تلك العورة.

الخطأ الثاني: هو اتهام الفقهاء المتقدمين بالخلط بين عورة الصلاة وعورة النظر.والصحيح أن الفقهاء المتقدمين لم يخطئوا ولم يخلطوا بين عورتين بل علموا تمام العلم وأيقنوا أن العورة واحدة وهي عورة النظر. فأولئك العلماء الذين ظنوا كما قال ابن تيمية وابن القيم أن عورة الصلاة هي عورة النظر هم من الأعلام إما في التفسير أو الحديث أو الفقه.


تعقيب: تفسير عورة النظر بأن معناها هو ستر المنظور إليه لم يقل به سوي قلة من الفقهاء , وهنا لا معني للتفريق بين عورة الستر وعورة النظر أصلا , لإنه سيكون كل ما لا يجوز الأجنبي النظر إليه يجب ستره , وما يجب ستره من الأجنبي هو عورة الستر. وإنما معني عورة النظر عند أكثر الفقهاء أنه يحرم النظر إليها.

الدليل علي أن العورة واحدة


إن تعليل منع إظهار المرأة وجهها وكفيها خارج الصلاة بكونهما عورة يقتضي أيضا أن يشمل الصلاة , لأنها عبادة علم من الدين بالضرورة ستر العورات فيها , فكل عضو هو عورة في نظر الشرع يجب ستره في الصلاة وخارج الصلاة , وكشفه مؤثّر في بطلان الصلاة. 

ونسوق فيما يأتي الدليل علي أن العورة واحدة , وذلك من كلام أئمة أعلام متقدمين من جميع المذاهب , وقد سبق ذكر تواريخ وفيات أولئك الأعلام ومنها نتبين مدي تقدمهم.فإنه ما تحدث الفقهاء المتقدمون عن ستر العورة في الصلاة , وهو أحد شروط صحة الصلاة أو أحد واجباتها, إلا وكان حديثهم يدور دائماً حول عورة النظر (أي خارج الصلاة) , وكانت الأدلة التي يسوقونها علي تحديد العورة التي تستر في الصلاة هي ذاتها أدلة عورة النظر من قرآن وسنة , وهذه نماذج من أقوالهم , وقد سبق ذكر بعضها: 

• قال ابن هبيرة الحنبلي في الإفصاح: ( كتاب الصلاة...باب ذكر حد العورة... وقال أحمد في إحدي روايتيه: كلها عورة إلا وجهها وكفيها والرواية الأخري: كلها عورة إلا وجهها).
( كتاب النكاح... اتفقوا علي أن من أراد تزويج إمرأة فله أن ينظر منها ما ليس بعورة... وقد سبق بياننا لحد العورة في كتاب الصلاة).

انظر كيف يقرر ابن هبيرة أن حد العورة في النظر هو حدها الذي بينه في الصلاة.

• قال ابن قدامة الحنبلي في المغني: ( ستر العورة عن النظر بما لا يصف البشرة واجب وشرط لصحة الصلاة).

الكلام هنا علي أمرين , أولهما: ستر العورة عن النظر- وهي العورة المعهودة- وأنه واجب في عامة الأحوال , وثانيهما: أن سترها شرط لصحة الصلاة).

وقال أيضا : فصل نظر الرجل إلى الأجنبية من غير سبب: (وقال القاضي : يحرم عليه النظر إلى ما عدا الوجه والكفين ; لأنه عورة ، ويباح له النظر إليها مع الكراهة إذا أمن الفتنة ، ونظر لغير شهوة . وهذا مذهب الشافعي لقول الله تعالى : {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} قال ابن عباس : الوجه والكفين ...ولأنه ليس بعورة ، فلم يحرم النظر إليه بغير ريبة ، كوجه الرجل ). 


القاضى يتكلم عن النظر إلى وجه المرأة خارج الصلاة , وأنه جائز كوجه الرجل.

• قال النووي الشافعي في روضة الطالبين وعمدة المفتين: ( الشرط الخامس: ستر العورة , ويجب في غير الصلاة في غير الخلوة , وفي الخلوة أيضا علي الأصح).

هنا موضوع البحث ستر العورة باعتبارها شرطا من شروط صحة الصلاة ومع ذلك يقرر النووي أن هذا الستر واجب في غير الصلاة.. إذن هي عورة واحدة تستر في الصلاة وفي غير الصلاة).

• قال النووي في المجموع: ( أما حكم المسألة فستر العورة عن العيون واجب بالإجماع.. فإن احتاج إلي الكشف جاز أن يكشف قدر الحاجة فقط).

وهكذا بدأ النووي البحث في باب(ستر العورة) بحكم سترها في عامة الأحوال أي عورة النظر, ثم أخذ في بحث ستر العورة في حال الصلاة.
فقال النووي: ( وأما حكم المسألة فستر العورة شرط لصحة الصلاة , فإن انكشف شئ من عورة المصلي لم تصح صلاته.... وسواء في هذا الرجل والمرأة, وسواء المصلي في حضرة الناس والمصلي في الخلوة).

  • قال الإمام البيهقي (ت:458هـ) في "السنن الكبري": (قال الله تبارك وتعالى: ( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ) ، قال الشافعي - رحمه الله: إلا وجهها وكفيها ، ( قال الشيخ ) - رحمه الله: وقد روينا هذا التفسير في كتاب الصلاة)


انظر كيف استدل في أبواب تحديد عورة المرأة في الصلاة بآية العورة العامة: الإبداء.

• وقال الشيرازي الشافعي في المهذب : ولو كان الوجه والكف عورة لما حرم سترهما , ولأن الحاجة تدعو إلي إبراز الوجه للبيع والشراء و إلي إبراز الكف للأخذ والعطاء فلم يجعل ذلك عورة.

ومثل هذا التعليل ذكر في كثير من الكتب الفقهية , فهل هذه الأقوال تحمل علي الصلاة في غير حضرة الرجال؟!!!

  • قال الماوردي (ت:450هـ) فى (الحاوى الكبير) : (ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﻌﻮﺭﺓ ﻓﻀﺮﺑﺎﻥ ﺻﻐﺮﻯ ﻭﻛﺒﺮﻯ ، ﻓﺄﻣﺎ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻓﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﺒﺪﻥ ﺇﻻ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﻭﺍﻟﻜﻔﺎﻥ...ﻳﻠﺰﻣﻬﺎ ﺳﺘﺮ ﺍﻟﻌﻮﺭﺓ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ...أحدها: ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻼﺓ ،...والثاني: ﻣﻊ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﺍﻷﺟﺎﻧﺐ).


انظر كيف سوي بين الأجانب وعورة الصلاة في نفس حكم الستر.


• وقال ابن عبد البر المالكي في "الكافي" : ( أقل ما يجزي المرأة الحرة في الصلاة ما يواريها كلها إلا وجهها وكفيها,وإحرامها في ذلك في حجها وعمرتها وما سوي ذلك فهو عورة ).

هنا ربط ابن عبد البر بين ستر العورة في الصلاة وسترها في الإحرام وأكد أنها عورة واحدة وهي عورة النظر , لأن الستر في الإحرام ستر لعورة النظر.

• وقال ابن عبد البر: ( والمرأة عدا وجهها وكفيها عورة بدليل أنها لا يجوز لها كشفه في الصلاة, وقال أيضا: وتؤمر بكشف الوجه والكفين في الصلاة فدل علي أنهما غير عورة منها).

هنا جعل دليل الكشف في الصلاة حجة علي جواز الكشف خارجها.

• وقال ابن عبد البر في التمهيد:     ( والمرأة عدا وجهها وكفيها عورة بدليل أنها لا يجوز لها كشفه في الصلاة. وقال أيضا: وتؤمر بكشف الوجه والكفين في الصلاة فدل علي أنهما غير عورة منها).

وقال بعد أن ذكر تفسير ابن عباس وابن عمر لآية: {إلا ما ظهر منها} بالوجه والكفين: "وعلى قول ابن عباس وابن عمر الفقهاء في هذا الباب.قال: هذا ما جاء في المرأة وحكمها في الاستتار في صلاتها وغير صلاتها".

هنا جعل ابن عبد البر دليل الكشف في الصلاة حجة علي جواز الكشف خارجها،  وأكد اتفاق الفقهاء علي أن الوجه والكفين ليس بعورة ستر. فهي عورة واحدة داخل الصلاة وخارجها.

وقال ابن رشد في بداية المجتهد:   (حد العورة في المرأة: فأكثر العلماء علي أن بدنها كله عورة ما خلا الوجه والكفين، وذهب أبو حنيفة إلي أن قدمها ليست بعورة، وذهب أبو بكر بن عبد الرحمن، وأحمد إلي أن المرأة كلها عورة. وسبب الخلاف في ذلك احتمال قوله تعالي: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}...ومن رأي المقصود من ذلك ما جرت به العادة بأنه لا يستر وهو الوجه والكفان ذهب إلي أنهما ليسا بعورة واحتج لذلك بأن المرأة ليست تستر وجهها في الحج)

الكلام هنا عن ستر العورة في الصلاة وحد هذه العورة , والأدلة تتعلق بعورة النظر سواء الآية الكريمة {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} أو تأويلها بقوله : (ما جرت العادة بأنه لا يستر) والعادة هنا تفيد عامة أحوال المرأة لا حال الصلاة خاصة.كما أن الاحتجاج بأن المرأة ليست تستر وجهها في الحج يشير إلي عورة النظر , لأن الستر في الإحرام ستر لعورة النظر.

وقال أيضا في "المقدمات الممهدات" بعد أن ذكر آية الزينة وآية الإدناء: (فلما أمرت المرأة الحرة بالستر من الأجنبيين، وأن لا تبدي عند غير ذي المحرم منها من زينتها إلا ما ظهر منها، وهو الوجه والكفان على ما قاله أهل العلم بالتأويل، وجب عليها مثل ذلك في الصلاة سنة واجبة لا ينبغي لها تركها)

هنا يؤكد أنه لا فرق بين العورة داخل الصلاة وخارجها.

وقال أيضا في "البيان والتحصيل" في شرح قول مالك عندما سئل عن المرأة تخمر رأسها في الصلاة ونحرها مكشوف، فقال: النحر موضع الخمار فلا أرى أن تفعل ذلك...قال بن رشد: وهذا كما قال: إن النحر مما يلزم المرأة أن تستره في الصلاة، وإنه موضع الخمار، يدل على ذلك قول الله -عز وجل-: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} ، وقال تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ، والذي ظهر منها عند أهل العلم بالتأويل هو الوجه والكفان)

 قال القاضى ابن العربي المالكي (ت سنة 543هـ) في "أحكام القرآن": والصحيح أنها (أى الزينة الظاهرة) من كل وجه هى التى فى الوجه والكفين فإنها التى تظهر فى الصلاة وفى الإحرام عبادة وهى التى تظهر عادة).

• قال القاضى عياض فى الإكمال: وقد اختلف السلف من العلماء في معنى قوله : ( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)، فذهب جماعة من السلف : أنه الوجه و الكفان. قال القاضي إسماعيل (ت سنة 282هـ): وهو الظاهر ، لأن المرأة يجب عليها أن تستر في الصلاة كل موضع منها لا يراه الغرباء إلا وجهها و كفيها ، فدل أنه مما يجوز للغرباء أن يروه و هو قول مالك.

  • قال ابن أبي زيد القيرواني المالكي (ت:386هـ) في "النوادر والزيادات" في حديثه عن لباس المرأة في الصلاة:

(من الواضحة قال : وتصلي المرأة الحرة في الدرع الخصيف يستر ظهور قدميها في الركوع والسجود، وخمار يستر كتفيها وقصتها ودلاليها ولا يظهر منها غير دور الوجه والكفين وكلُّ ما غَطَّتْ به رأسها فهو خِمارٌ، ولو كان تحتَ القميص مِئْزَرٌ فهو أَبْلَغُ، وإلاَّ فَيُجْزِئُهَا ولا يبدو منها لغير ذوي محرم غير ما يبدو في الصلاة)


تأمل قوله: (ولا يبدو منها لغير ذوي محرم غير ما يبدو في الصلاة)

• وقال المرغيناني الحنفي في "الهداية" : (...بدن الحرة كله عورة إلا وجهها وكفيها لقوله عليه الصلاة والسلام (المرأة عورة مستورة) واستثناء العضوين للإبتلاء بإبدائهما ).

الكلام هنا علي ستر العورة في الصلاة والدليل في الاستثناء هو الابتلاء بالإبداء.وهذا الابتلاء يكون في حياة المرأة حين تلقي الرجال في عامة الأحوال لا في الصلاة , أي الدليل يتعلق بعورة النظر.

• قال الخازن (ت سنة 725هـ): ( وإنما رخص في هذا القدر أن تبديه من بدنها لأنه ليس بعورة وتؤمر بكشفه في الصلاة).

• قال الجصاص ( ت سنة370هـ)  في "شرح مختصر الطحاوي" لعبارة (أما المرأة فتواري في صلاتها كل شيء منها إلا وجهها وكفيها وقدميها) : (وذلك لأن جميع بدنها عورة لا يحل للأجنبي النظر إليه منها إلا هذه الأعضاء ويدل عليه قوله تعالي  روي أنه الكحل والخاتم فدل أن يديها ووجها ليسا بعورة وقال النبي صلي الله عليه وسلم "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" فدل أن رأسها عورة وما كان عورة وجب ستره في الصلاة واليد والوجه والقدم ليست بعورة فلا يلزمها سترها في الصلاة)

هنا الجصاص يستدل علي عورة الصلاة بأدلة الكشف في آية الإبداء. 

  قال الطبري (ت سنة310هـ):{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ} يقول تعالـى ذكره:{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}التـي هي غير ظاهرة بل الـخفية منها, وذلك الـخَـلـخال والقُرط والدُّمْلُـج، وما أُمرت بتغطيته بخمارها من فوق الـجيب، وما وراء ما أبـيح لها كشفه وإبرازه فـي الصلاة وللأجنبـيـين من الناس، والذراعين إلـى فوق ذلك، إلاّ لبعولتهنّ.

تأمل قوله:"في الصلاة وللأجنبيين" 
                                                                        
 وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في أسني المطالب: وعورة الحرة في الصلاة وعند الأجنبي ولو خارجها جميع بدنها إلا الوجه والكفين ظهراً وبطناً إلى الكوعين.

تأمل قوله:"في الصلاة وعند الأجنبي"

 قال الإمام الجوينى الشافعى في نهاية المطلب كتاب النكاح : وإن كانت المرأة لا تحل له... فما هو عورة من الرجل يجب أن يكون مستوراً منها أبداً، وعليها وراء ذلك رعاية هيئة، وأخذ ريبة وإذا لابست الصلاة، راعينا نهايته، ولا تكلف ذلك في تصرفاتها، فيشق عليها. أما الأجنبية فلا يحل للأجنبي أن ينظر منها إلى غير الوجه والكفين من غير حاجة ...لقوله تعالى:{إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال أكثر المفسرين: الوجه والكفان، لأن المعتبر الإفضاء في الصلاة، ولا يلزمهن ستره، فيلحق بما يظهر من الرجال.

تأمل قوله (وإذا لابست الصلاة، راعينا نهايته) و (لأن المعتبر الإفضاء فى الصلاة) أى أن نهاية ما يجب ستره من عورة المرأة أمام الرجال الأجانب هى عورة الصلاة وهى المرأة كلها عدا وجهها وكفيها.

وقال في كتاب الصلاة بعد أن ذكر ما يجب ستره من المرأة : (فهذا تفصيل القول فيما يجب ستره. ونحن نذكر الآن الستر ومعناه، فنقول أولاً: وجوب الستر لا يختص بالصلاة، بل يجب إدامة الستر عموماً)


هنا بين أن حكم الستر الوارد هاهنا عام في الصلاة وخارجها.

 قال العلامة زروق (ت سنة 899 هـ) في شرحه علي المقدمة الوغليسية : (والمرأة كلها عورة إلا الوجه والكفين : يعني مطلقا , وكرر هذا اللفظ لئلا يُظن أن هذا خاص بالصلاة). الأحمر كلام الشارح زروق والباقي عبارة المتن.


  • وقال الخطيب الشربيني (ت:977هـ) في "مغني المحتاج" شارحا عبارة المنهاج للنووي "ويحرم نظر بالغ إلى عورة حرة كبيرة أجنبية وكذا وجهها وكفها عند خوف الفتنة" : (المراد بالعورة ما سبق في الصلاة، وهي ما عدا الوجه والكفين).

  • وقال الدَّمِيري (ت:808هـ) في "النجم الوهاج في شرح المنهاج" شارحا نفس عبارة النووي: (والمراد ب (العورة) ههنا: عورة الصلاة، وهو ما عدا الوجه والكفين)
فأنظر كيف لم يفرق بينهما.

 قال ابن حزم في المحلي : (العورة المفترض سترها عن الناظر وفي الصلاة...)
هنا ينص ابن حزم صراحة علي استواء الحكم بين عورة الصلاة وعورة النظر.


///

يقول ابن تيمية: (فقد يستر المصلي في الصلاة ما يجوز إبداؤة في غير الصلاة، وقد يبدي في الصلاة ما يستره عن الرجال, فالأول: مثل المنكبين فإن النبي صلي الله عليه وسلم  نهي أن يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس علي عاتقه منه شيء , فهذا لحق الصلاة ، ويجوز به كشف منكبيه للرجال خارج الصلاة كذلك المرأة الحرة تختمر في الصلاة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) وهي لا تختمر عند زوجها ولا عند ذوي محارمها فقد جاز لها إبداء الزينة الباطنة لهؤلاء ولا يجوز لها في الصلاة أن يكشف رأسها لهؤلاء ولا لغيرهم. 
   
وعكس ذلك: الوجه واليدان والقدمان بالنسبة للمرأة ليس لها أن تبدي ذلك للأجانب علي أصح القولين بخلاف ما كان قبل النسخ بل لا تبدي إلا الثياب وأما ستر ذلك في الصلاة فلا يجب باتفاق المسلمين بل يجوز لها إبداؤهما في الصلاة عند جمهور العلماء كأبي حنيفة والشافعي وغيرهما وهو إحدى الروايتين عن أحمد ... فليست العورة في الصلاة مرتبطة بعورة النظر لا طرداً ولا عكساً... وأما صلاة الرجل بادي الفخذين مع القدرة على الإزار فهذا لا يجوز ولا ينبغي أن يكون في ذلك خلاف ومن بنى ذلك على الروايتين في العورة كما فعله طائفة فقد غلطوا ; ولم يقل أحمد ولا غيره : أن المصلي يصلي على هذه الحال . كيف وأحمد يأمره بستر المنكبين فكيف يبيح له كشف الفخذ فهذا هذا)

الجواب عن هذا:

 محل النزاع أن يكون في الصلاة عورة يجوز كشفها ويجب سترها خارجها , فهذا ما لا يكون , فإنه يستلزم أن خارج الصلاة أستر من الصلاة , وهذا موطن الخلل في استدلال الشيخ إذا عارضناه بتقرير الفقهاء , إذ معني كلامهم أن ما يجوز كشفه في الصلاة فخارجها أولي , وهذا واضح. وليس لهذا الموضوع – عورة خارج الصلاة وليس عورة في الصلاة – مرادف أو نظير في الشريعة قط. وستر العاتق  ليس بواجب في الخارج لكنه مستحب أو واجب في الداخل مبالغة في التستر , والمصلية التي ذكرها الشيخ أمام محارمها لا تستر رأسها, والرأس عورة بلا خلاف , وكونها تكشفه للمحارم فهذا رخصة , وهي في الأول والأخير ليست إلا عورة خارج الصلاة تستر في الصلاة , فلم تخرج عن قانون الشرع المطرد في ذلك. أما العكس فلا يوجد إباحة كشف شيء يجب ستره في الخارج ألبته , بل قصاري ما قد يوجد الاستحباب لكشف شيء لا يجب ستره في الخارج كالاضطباع. ولذلك لما استدل الشيخ لم يجد سوي مسألة الوجه والكفين كمثال علي عورة خارج الصلاة دون داخلها , وهذا لا ينفع لإنه محل النزاع نفسه.

 قال ابن رجب في "فتح الباري" قاصدا ابن تيمية: (فأما الصلاة: فمن متأخري أصحابنا من أنكر أن يكون في صحة الصلاة مع كشفها (أي الفخذ) عن أحمد خلاف، قال: لأن أحمد لا يصحح الصلاة مع كشف المنكبين، فالفخذ أولى. قال: ولا ينبغي أن يكون في هذا خلاف؛ فإن الصلاة مأمور فيها بأخذ الزينة، فلا يكتفى فيها بستر العورة.والمنصوص عن أحمد يخالف هذا: قال مهنا: سألت أحمد عن رجل صلى في ثوب ليس بصفيق؟ قال: إن بدت عورته يعيد، وإن كان الفخذ فلا. قلت لأحمد: وما العورة؟ قال: الفرج والدبر).

وهذا الاستدراك من ابن رجب يبين أن كل ما هو عورة يجب ستره في الصلاة , ولمَّا لم يكن الفخذ عورة خارجها , صح عن أحمد أنه يصح ألا يستر فيها.وهذا الاستدراك يقوي الاطراد بين عورة النظر والصلاة في جانب الستر , فليس في الصلاة مكشوف خارجها مستور داخلها , كما في الفخذ , فهو إن وجب ستره في الخارج وجب ستره في الداخل , وإن جاز كشفه في الخارج جاز في الداخل.


• قال ابن قدامة: ( ويجب أن يضع المصلي علي عاتقه شيئا من اللباس إن كان قادراً علي ذلك وهو قول ابن المنذر ...وقال أكثر الفقهاء: لا يجب ذلك ولايشترط لصحة الصلاة, وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي لأنهما ليسا بعورة فأشبها بقية البدن. ولنا ما روي أبو هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: ( لايصلي الرجل في الثوب الواحد ليس علي عاتقه منه شئ), ووجه اشتراط ذلك: أنه منهي عن الصلاة مع كشف المنكبين، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه، ولأنها سترة واجبة في الصلاة فالإخلال بها يفسدها كستر العورة... فإن لم يجد إلا ما يستر عورته أو منكبيه ستر عورته... لأن الستر للعورة واجب متفق علي وجوبه متأكد، وستر المنكبين فيه من الخلاف والتخفيف ما فيه فلا يجوز تقديمه).

• وقال الكلوذاني: ( ومن لم يجد ما يستر عورته أو منكبيه ستر عورته).

• وقال مجد الدين ابن تيمية: ( ولا يجزئ الرجل ستر عورته إذا جرد عاتقيه من اللباس في الفرض , وفي النفل روايتين).

• قال شمس الدين ابن قدامة الحنبلي في الشرح الكبير (ت سنة682هـ) : ( إذا لم يجد المصلي إلا ما يستر عورته فحسب بدأ بها وترك منكبيه، لأن ستر العورة متفق علي وجوبه وستر المنكبين مختلف فيه، ولأن ستر العورة واجب في غير الصلاة ففيها أولي).

هنا يقرر موفق الدين ابن قدامة والكلوذاني ومجد الدين ابن تيمية وشمس الدين ابن قدامة أن ستر المنكبين في الصلاة هو أمر يضاف إلي ستر العورة وليس هو من العورة من قريب أو بعيد , فالعورة هي المعروفة المعهودة ، وسترها واجب علي الدوام في الصلاة وخارجها وفي الفريضة والنافلة.

وفي كلام أولئك الفقهاء علي ستر المنكبين في الصلاة وتقريرهم أنه أمر يضاف إلي ستر العورة ما يكفي لتفنيد حجة تقي الدين ابن تيمية التي يسوقها للتدليل علي التمييز بين عورة الصلاة وعورة النظر.

ومما يؤكد ضعف استدلال ابن تيمية علي التفرقة بين عورة الصلاة وعورة النظر :

• قول ابن دقيق العيد (سنة702 هـ) في شرح عمدة الأحكام :.. هذا النهي معلل بأمرين، أحدهما: أن في ذلك تعري أعالي البدن ومخالفة الزينة المسنونة في الصلاة. والثاني: أن الذي يفعل ذلك إما أن يشغل يده بامساك الثوب أو لا ، فإن لم يشغل خيف سقوط الثوب وانكشاف العورة , وإن شغل كان فيه مفسدتان...والأشهر عند الفقهاء خلاف هذا المذهب، وجواز الصلاة بما يستر العورة).

• وقول الشوكاني في نيل الأوطار : ... المراد أنه لا يتزر في وسطه ويشد طرفي الثوب في حقويه، بل يتوشح بهما علي عاتقيه فيحصل الستر من أعالي البدن وإن كان ليس بعورة ، أو لكون ذلك أمكن في ستر العورة).



الخلاصة


1- آيات الكتاب العزيز لم تنص صراحة علي كشف الوجه أو ستره.

2- نصوص السنة التقريرية التي تفيد مشروعية كشف الوجه كثيرة ولكن يري المعارضون أن دلالتها احتمالية , ونري أنهم تجاوزا الحق في ادعاء الاحتمال بالنسبة لدلالة عدد كبير من تلك النصوص. وهناك نص قولي واحد وهو حديث عائشة : (إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يري منها إلا هذا وهذا وأشار إلي وجهه وكفيه). وهو حديث مرسل , ولكن بعضهم يقويه بأقوال بعض الصحابة , قال البيهقي : (مع هذا المرسل قول من مضي من الصحابة رضي الله عنهم , في بيان ما أباح الله من الزينة الظاهرة فصار القول بذلك قويا) وعقب الشيخ ناصر الدين الألباني:(ووافقه الذهبي في تهذيب سنن البيهقي , والصحابة الذين يشير إليهم : عائشة وابن عباس وابن عمر, قالوا : "الزينة الظاهرة الوجه والكفان" ).كما قوي الشيخ الألباني هذا الحديث بكثرة طرقه.

3- اتفقت أقوال الفقهاء المتقدمين علي أن الوجه ليس بعورة ، مع ورود قول شاذ لأحد التابعين بأن بدن المرأة كله عورة حتي ظفرها ، علي أن من أخذ بهذا القول قد رخص لها في كشف وجهها وكفيها لما في تغطيتهما من المشقة وبمثل هذا القول وردت رواية عن الإمام أحمد.

4- هناك قول لقليل من الفقهاء يفرق بين العورة داخل الصلاة وخارجها , ولاسيما بعض الحنابلة وليس جميعهم وأهمهم شيخ الإسلام ابن تيمية.
                   
5- اختلف الفقهاء في عورة النظر , فمنهم - بعد قولهم إن الوجه والكفين ليس بعورة ستر- من يُجوَِّز النظر إلي الوجه والكفين عند أمن الفتنة , وهذا مذهب الجمهور , ومنهم من يقول لا يجوز النظر إليهما. وهذا كله إذا كان النظر لغير حاجة. ومن أوجب الستر لأجل النظر قلة من الفقهاء بعضهم في القرون المتوسطة وأكثرهم من المتأخرين.

6- من متأخري الفقهاء من يري لزوم أن تستر المرأة وجهها في زمن الفتنة , لا لكونهما عورة , ولكن سدا للذريعة.

7- للمذهب الحنبلي موقف متفرد في هذه المسألة، فهناك روايات عديدة للإمام أحمد يذكرها الفقهاء الحنابلة:

الرواية الأولي: أن وجه المرأة ليس بعورة مطلقا , وعليه عامة الحنابلة.

والرواية الثانية: تطلق القول بأن جميعها عورة وأوَّله البعض علي ما عدا الوجه أو علي غير الصلاة.

والرواية الثالثة: تنص علي أنه في الصلاة لا يري منها ولا ظفرها، تغطي كل شئ منها.

والرواية الرابعة: تقول إن الإمام أحمد احتج بحديث عائشة: ( إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يري منها إلا هذا وهذا وأشار إلي وجهه وكفيه).


فتوي أمانة الفتوي بدار الإفتاء المصرية بخصوص النقاب


قال الله تعالى في كتابه العزيز : ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فَرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)(النور 031) . وقال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)(الأحزاب 059) 

والحكم الشرعي المستخلص من الآيتين الكريمتين هو وجوب ستر المسلمة جسدها بحيث لا يظهر منه إلا الوجه والكفان على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء .

أما النقاب وهو : غطاء الوجه فليس فرضاً ولا سنة ولا مندوباً وكذلك تغطية الكفين بالقفاز وما أشبهه لأنه لم يقم دليل صريح من القرآن ولا من السنة على وجوب ستر الوجه والكفين ومن ثم يكون لبس النقاب والقفاز سلوكاً شخصياً يقع في دائرة المباح ولا حرج على المرأة شرعاً إن هي خلعت النقاب والقفازين واكتفت بالحجاب الذي يغطي الشعر ، فقد أباح لها الشرع إظهار الوجه والكفين ولا حرج أيضاً على زوجها في ذلك . وهذا ما أجمع عليه أغلب العلماء وفقهاء المذاهب الأربعة .

رقـم الفـتـوى 4067 
الموضوع حكم النقاب 
التاريخ 04/12/2005 
الـمـفـتـــي أمانة الفتوى

هناك تعليق واحد:

  1. ماشاء الله بارك الله فيك يا اخي الكريم السعيد نور الله وجهك في الدنيا والاخرة

    ردحذف