قال الإمام سفيان الثوري: (إنما العلم الرخصة من ثقة ، أما التشديد فيحسنه كل أحد).

التشديد في حقيقته هو الاجتهاد الأسهل وليس الاجتهاد الأفضل

الأحد، 11 ديسمبر 2011

حوار مع المعارضين لمشاركة المرأة حول أدلة تساق لحظر المشاركة واللقاء

حديث : ( إياكم والدخول علي النساء, فقال رجل من الأنصار: يارسول الله أفرأيت الحمو؟ قال : الحمو الموت ).

وجوابنا أن الحديث يدل علي النهي عن الخلوة لا النهي عن مجرد الدخول علي النساء في حضرة آخرين. ويؤكد هذه الدلالة ما يأتي :

1- فهم أئمة حفاظ الحديث كالبخاري ومسلم والترمذي وأئمة الشراح كابن حجر في شرحه لصحيح البخاري والنووي في شرحه لصحيح مسلم:



فالبخاري وضع الحديث تحت باب : ( لايخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم والدخول علي المغيبة ) ثم أورد حديث ( إياكم والدخول علي النساء ) وبعده حديث (لايخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم ).

وابن حجر قال في كتابه فتح الباري : ( قوله : الحمو ) قيل : المراد أن الخلوة بالحمو قد تؤدي إلي هلاك الدين إن وقعت المعصية أو إلي الموت حقيقة إن وقعت المعصية ووجب الرجم,أو إلي هلاك المرأة بفراق زوجها إذا حملته الغيرة علي تطليقها .. أشار إلي ذلك كله القرطبي. وقال الطبري : المعني أن خلوة الرجل بامرأة أخيه وابن أخيه تنزل منزلة الموت والعرب تصف الشئ المكروه بالموت.

والنووي قال في شرحه لصحيح مسلم : (... وأما قوله صلي الله عليه وسلم :(الحمو الموت) فمعناه أن الخوف منه أكثر من غيره والشر يتوقع منه والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلي المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي , والمراد بالحمو هنا أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه, فأما الآباء والأبناء فمحارم لزوجته تجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت, وإنما المراد الأخ وابن الأخ والعم وابنه ونحوهم ممن ليس بمحرم وعادة الناس المساهلة فيه , ويخلو بامرأة أخيه فهذا هو الموت... وقال القاضي معناه : الخلوة بالأحماء مؤدية إلي الفتنة والهلاك في الدين فجعله كهلاك الموت...

والترمذي قال بعد أن أورد الحديث : حديث عقبة بن عامر حديث حسن صحيح وإنما معني كراهية الدخول علي النساء علي نحو ما روي عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : ( لايخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان ) معني قوله : ( الحمو ) أخو الزوج كأنه كره له أن يخلو بها.

وابن دقيق العيد قال : والحديث دليل علي تحريم الخلوة بالأجانب, وقوله: ( إياكم والدخول علي النساء ) مخصوص بغير المحارم وعام بالنسبة إلي غيرهم , ولابد من إعتبار أمر آخر وهو أن يكون الدخول مقتضيا للخلوة أما إذا لم يقتض ذلك فلا يمتنع.

2- إنه من اللازم توجيه النهي في الحديث إلي الخلوة وذلك حتي يمكن الجمع بين هذا الحديث وبين أحاديث أخري كثيرة تقرر جواز الدخول علي النساء دون خلوة. 




حديث أبي هريرة: (...خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها. وخير صفوف النساء أخرها وشرها أولها)
يري المعارضون إذا كان الابتعاد عن صفوف الرجال في المسجد فمن باب أولي ينبغي ابتعاد النساء عن أماكن الرجال في مجالات الحياة خارج المسجد. 


وجوابنا من وجوه:

1- الحديث يقر أدبا خاصا بصلاة الجماعة . والاجتماع للصلاة له خصائص يتميز بها عن سائر الاجتماعات فليس هناك حديث مشترك بين المجتمعين يقتضي قربا ومشافهة.

2- ويؤكد هذه الدرجة من الابتعاد أن المرأة إذا صلت جماعة مع أبيها أو أخيها أو مع أي من محارمها فإنها تقف في صف مستقل خلف صفوف الرجال.وكذلك ورد النهي عن تسبيح النساء إذا رابهن شيء في الصلاة , وذلك رغم أن التسبيح لا يزيد علي كلمتين اثنتين.هذا في الوقت الذي أذن الشارع للمرأة أن تحدث الرجال بالمعروف , وإن طال الحديث , أي أن الرجال في غير الصلاة يسمعون صوتها و لا حرج.

يقول السرخسي: ( وهذا لأن حال الصلاة حال المناجاة فلا ينبغي أن يخطر بباله شئ من معاني الشهوة فيه ومحاذاة المرأة إياه لاتنفك عن ذلك عادة).

3- وأخيرا,لو كان اللقاء بين الرجال والنساء محظورا لوضع الرسول ساترا بين صفوف الرجال وصفوف النساء في المسجد.

**حديث (باعدوا بين الرجال والنساء) قد نص العلامة الألباني إلى أنه لا أصل له وأورده بلفظ (باعدوا بين أنفاس الرجال والنساء)


حديث أم حميد : أنها جاءت إلي رسول الله فقالت : يا رسول الله إني أحب الصلاة معك , قال : قد علمت وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك , وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك , وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك , وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجد الجماعة. (أخرجه أحمد والطبراني)
البيت : الغرفة الخاصة بالمرأة وفيها تنام
الحجرة : الغرفة في أسفل الدار
الدار : المحل يجمع البناء والساحة

وجوابنا من وجوه:

( أ ) الأحاديث التي تأمرنا بالسماح للنساء في الصلاة جماعة في المسجد :

1- روى أبو داود بسند صحيح عن إبن عمر قال رسول الله ( لا تمنعوا نسائكم المساجـد )

2- روى البخاري ومسلم من طريق حنظلة قال رسول الله : إذا استأذنكم نساءكم بالليل إلى المساجد فأذنوا لهن

3- روى مسلم والنسائي من طريق بسر بن سعيد عن زينب الثقفية قال رسول الله ( إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تتطيب تلك الليلة ) .

4- روى البخاري عن عائشة أنه ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس .

5- روى البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة من حديث أم سلمة كان النبي صلي الله عليه وسلم ين يقضي تسلمه ويمكث هو في مقامه يسراً قبل أن يقوم .

6- روى البخاري عن عبدالله بن عمر قول رسول ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) .

7- روى مسلم عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله يقول ( لا تمنعوا نساءكم المساجد فقال بلال والله لنمنعهن فأقبل عليه ابن عمر فسبه سباً ما سمعت مثل ذلك وقال أخبرك عن رسول الله وتقول لتمنعهن) .

8- أخرج البخاري في صحيحه عن عائشة قالت : « كان رسول الله يصلي الصبح فينصرف بنساء مؤمنات متلفعات بمروطهن ولا يعرف بعضهن بعضاً من الغلس » .

9- حديث أم عطية «أمرنا رسول الله أن نخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين» رواه مسلم .

10- حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لو تركنا هذا الباب للنساء وهذا أثر صحيح وفي رواية كان عمر ينهي أن يدخل من باب النساء .

وعندما نوازن بين الأحاديث نجد أن الأحاديث التي تسمح للمرأة الذهاب للمسجد وتحث الرجال على السماح للمرأة بالصلاة في المسجد صحيحة وكثيرة وكذلك انتقل الرسول إلى جوار ربه والنساء يحضرن الصلاة جماعة في المسجد وكذلك الصحابة والتابعين .
أما الأحاديث التي تفضل الصلاة للمرأة في البيت سنجد حديث واحد حسن ,حديث أم حميد .

(ب) أن حديث أم حميد ينص : " صلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك , وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك " وفي العادة يكون في الحجرة والدار نساء أو رجال محارم أما الرجال الأجانب فوجودهم قليل أو نادر.وإذا قيل إن هذا القليل النادر هو علة تفضيل البيت علي الحجرة والحجرة علي الدار , قلنا إنه يعني أن الرجال الأجانب يرون المرأة في الحجرة والدار في غير حال الصلاة دون حرج وإنما الحرج فقط أن يروها وهي تصلي.إذن المقصود هو إخفاء الصلاة وليس إخفاء شخص المرأة عن أعين الرجال.

(ج) لو كان المقصود إبعاد المرأة عن لقاء الرجال وإن كان اللقاء في احتشام ووقار, لما كان مندوبا لها الصلاة معه صلي الله عليه وسلم في مسجده من يوم قدومه المدينة وحتي وفاته صلي الله عليه وسلم , ولا الاعتكاف في المسجد ولا صلاة الجنازة ولا صلاة الكسوف ولا صلاة العيد ولا حضور مجالس العلم .وكان الأفضل لها ألا تزور المعتكف وألا تسعي للقاء المؤمنات في المسجد وألا تتطوع بإقامة نفسها لخدمة المسجد فتنظفه.ولو كان الأمر كذلك ما أمرالشارع بإلحاح علي حضور النساء صلاة العيد حتي الأبكار المخدرات وحتي الحيض,وما حض الشارع علي تكرار المرأة الحج,أي حج النافلة بعد الفريضة.وفي الحج ما فيه من لقاء الرجال بل من مزاحمة الرجال اضطراراً.

(د) لو كانت أفضلية صلاة البيت مطلقة لكان كرائم الصحابيات أولي بمراعاة هذه الأفضلية وتطبيقها ,ولكان الأولي بالرسول أن يلفت نظر المرأة التي تصحب ولدها للمسجد , ويتجوز الرسول في صلاته التي كان ينوي إطالتها حين يسمع بكاءه.إذ كيف يقبل أن يتجاوز عن فضل إطالة الصلاة من أجل أمر مفضول وهو حضور المرأة الجماعة؟ ولكان الأولي بالرسول أن يلفت نظر النساء اللاتي يحرصن علي صلاة العشاء,إذ كيف يعجل الرسول بإقامتها وهو يري الفضل في تأخيرها حين يقول عمر:"نام النساء والصبيان" أي كيف يتجاوز عن فضل تأخير العشاء من أجل أمر مفضول وهو حضور النساء المسجد؟

إن وقائع حضور النساء في المسجد النبوي لها دلالات كثيرة منها :

1- إقرار الرسول النساء علي الصلاة معه في مسجده من يوم قدومه المدينة وحتي وفاته صلي الله عليه وسلم.

2- اطراد صلاة النساء مع الجماعة حتي في مساجد الأحياء خارج المدينة أي لم يقتصر الأمر علي مسجد رسول الله.

3- نهي الرسول الرجال عن منع النساء حظوظهن من المساجد.

4- شهود الصحابيات الكريمات لصلاة الجماعة في المسجد أمثال أسماء بنت أبي بكر وأم الفضل وفاطمة بنت قيس وزينب امرأة ابن مسعود وأم الدرداء وعاتكة بنت زيد امرأة عمر بن الخطاب والربيع بنت مهوّذ.

5- كثرة عدد النساء اللاتي كن يشهدن جماعة المسجد حتي يتم النساء أكثر من صف خلف صفوف الرجال.

6- تعدد الأغراض التي كان من أجلها يذهب النساء إلي المسجد ومنها الفريضة الجهرية (الفجر والمغرب والعشاء) , صلاة الجمعة , صلاة النافلة (قيام الليل) , صلاة الكسوف , الاعتكاف , زيارة المعتكف , حضور اجتماع عام مع ولي الأمر, تنظيف المسجد , تمضية الوقت مع المؤمنات.

نحسب أن هذه الدلالات مجتمعة تصلح مسوغا لتخصيص أفضلية البيت لصلاة المرأة بحال تكلفها الجماعة وما يترتب علي ذلك من تضييع بعض مصالح بيتها. وبتعبير آخر حال وجود حاجة لرعاية المرأة بيتها وقت صلاة الجماعة في المسجد.وهذا التخصيص يشبه تخصيص فضل رعاية المرأة بيتها وولدها علي الخروج للجهاد وذلك حال وجود حاجة لهذه الرعاية , فعن أنس قال: أتت النساء رسول الله فقلن : يا رسول الله ذهب الرجال بالفضل , بالجهاد في سبيل الله , فما لنا عمل ندرك به عمل الجهاد في سبيل الله؟ فقال : مهنة إحداكن في بيتها تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله . أما إذا لم توجد هذه الحاجة وفرغت المرأة من مسؤليتها عن البيت فلها أن تخرج للجهاد متطوعة طالبه للشهادة كما في حديث أم حرام بنت ملحان حيث دعا لها الرسول بالجهاد والشهادة فركبت البحر زمن معاوية بن أبي سفيان فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت.

(و) في موضوع أفضلية صلاة المرأة في بيتها يقول ابن حزم :

((فنظرنا في ذلك فوجدنا خروجهن إلي المسجد والمصلي عملا زائدا علي الصلاة وكلفة في الأسحار والظلمة والزحمة والهواجر الحارة , وفي المطر والبرد , فلو كان فضل هذا العمل الزائد منسوخا لم يحل ضرورة من أحد وجهين لا ثالث لهما : إما أن تكون صلاتها في المسجد والمصلي مساوية لصلاتها في بيتها , فيكون هذا العمل كله لغوا وباطلا , وتكلفا وعناء ولا يمكن غير ذلك أصلا, ... أو تكون صلاتها في المساجد والمصلي منحطة الفضل عن صلاتها في بيتها كما يقول المخالفون , فيكون العمل المذكور كله إثما حاطا من الفضل ولابد. إذ لايحط من الفضل في صلاة ما عن تلك الصلاة بعينها عمل زائد إلا وهو محرم , ولا يمكن غير هذا. وليس هذا من باب ترك أعمال مستحبة في الصلاة , فيحط ذلك من الأجر لو عملها , فهذا لم يأت بإثم لكن ترك أعمال بر , وأما من عمل عملا تكلفه في صلاته فأتلف بعض أجره الذي كان يتحصل له لو لم يعمله , وأحبط بعض عمله , فهذا عمل محرم بلا شك, لا يمكن غير هذا. وليس في الكراهة إثم أصلا ولا إحباط عمل بل فيه عدم الأجر والوزر معا , وإنما الإثم وإحباط العمل في الحرام فقط. وقد اتفق جميع أهل الأرض أن رسول الله لم يمنع النساء قط الصلاة معه في مسجده إلي أن مات عليه السلام , ولا الخلفاء الراشدون بعده , فصح أنه عمل غير منسوخ , فإذ لا شك في هذا فهو عمل بر , ولولا ذلك ما أقره عليه السلام , ولا تركهن يتكلفنه بلا منفعة بل بمضرة))

(ﻫ) لو فرضنا أن المرأة حين تقصد مطلق الصلاة تكون صلاتها في بيتها أفضل , فنحسب أنه حين تقصد سماع القرآن من إمام مطيل للقراءة مجيد للتلاوة أو تقصد سماع العلم بعد الصلاة , أو سماع خطبة الجمعة أو تقصد لقاء المؤمنات للتعاون علي خير , وبخاصة أنها كثيرا ما تحرم من هذه المقاصد الحسنة بسبب ما يشغلها في معظم الأحيان من حمل ورضاعة وحضانة وأعمال البيت , نحسب أنه حين تقصد أمرا من هذه الأمور فهي وما قصدت من خير وما ابتغت من فضل وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم "من أتي المسجد لشيء فهو حظه" رواه أبو داود.

الآية الكريمة : {وقرن في بيوتكن} 


وجوابنا من وجوه:

( أ ) إن الآية مع الآيات السابقة لها واللاحقة لها موجهة لنساء النبي صلي الله عليه وسلم.

{يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً * وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِي بُيُوتِكُـنَّ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ وَٱلْحِكْـمَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً}

قال الحافظ: " ...قوله تعالي{وقرن في بيوتكن} فإنه أمر حقيقي خوطب به أزواج النبي صلي الله عليه وسلم ولهذا كانت أم سلمة تقول: لايحركني ظهر بعير حتي ألقي النبي صلي الله عليه وسلم.

(ب) ومما يؤكد أن أمر القرار في البيوت خاص بنساء النبي صلي الله عليه وسلم أن عمر ابن الخطاب ظل يمنعهن من الحج ولم يأذن لهن إلا في آخر حجة حجها.قال الحافظ ابن حجر: ( ... وفهمت عائشة ومن وافقها من هذا الترغيب- أي قوله صلي الله عليه وسلم : لكن أحسن الجهاد وأجمله الحج"- إباحة تكرير الحج وخص به عموم قوله: "هذه ثم ظهور الحصر" وقوله تعالي{وقرن في بيوتكن} وكأن عمر كان متوقفا في ذلك ثم ظهر به قوة دليلها فأذن لهن في آخر خلافته).

(ج) ولو فرضنا جدلاً أن الآية موجهة لعامة النساء المسلمات أليست السنة مبينة للكتاب؟ وهذه نصوص السنة التي أوردناها عن مشاركة المرأة ولقاؤها الرجال,تبين كيف طبق نساء المؤمنين علي عهد رسول الله الأمر بالقرار في البيوت, وكيف لم يمنعهن القرار في البيوت من المشاركة في الحياة الاجتماعية.


(د) وأما القول أن قوله تعالي {وَأَقِمْنَ ٱلصَّلَـٰوةَ وَءَاتِينَ ٱلزَّكَـٰوةَ وَأَطِعْنَ اللهَ ورَسُوله} دليل علي العموم لأن سائر النساء مأمورات أيضا بهذه الأوامر.
فيناقش هذا أنه أريد بهذه الأوامر الدوام عليها لأنهن متلبسات بمضمونها من قبل ، وليعلم الناس أن المقربين والصالحين لا ترتفع درجاتهم عند الله تعالى عن حق توجه التكليف عليهم.

قال ابن عاشور في "تفسير التحرير والتنوير" :

((هذا أمر خُصِّصْنَ به وهو وجوب ملازمتهن بيوتهن توقيراً لهن ، وتقوية في حرمتهن ، فقرارهن في بيوتهن عبادة ، وأن نزول الوحي فيها وتردد النبي صلي الله عليه وسلم في خلالها يكسبها حرمة)).

((وهذه الآية تقتضي وجوب مكث أزواج النبي صلي الله عليه وسلم في بيوتهن وأن لا يخرجن إلا لضرورة ، وجاء في الحديث أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:{إن الله أَذِنَ لكُنَّ أن تخرجن لحوائجكن } يريد حاجات الإِنسان. ومحمل هذا الأمر على ملازمة بيوتهن فيما عدا ما يضطر فيه الخروج مثل موت الأبوين. وقد خرجت عائشة إلى بيت أبيها أبي بكر في مرضه الذي مات فيه كما دل عليه حديثه معها في عطيته التي كان أعطاها من ثمرة نخلة وقوله لها: «وإنما هو اليومَ مالُ وارث» رواه في «الموطأ». وكُنّ يخرُجْن للحج وفي بعض الغزوات مع رسول الله لأن مقر النبي صلي الله عليه وسلم في أسفاره قائم مقام بيوته في الحَضَر، وأبت سودة أن تخرج إلى الحجّ والعمرة بعد ذلك. وكل ذلك مما يفيد إطلاق الأمر في قوله:{وقرن في بيوتكن}.
ولذلك لما مات سعد ابن أبي وقاص أمرت عائشة أن يُمَرّ عليها بجنازته في المسجد لتدعو له، أي لتصلي عليه. رواه في «الموطأ»)).



حديث "إن المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان" 


وجوابنا من وجوه:

1- إن قالوا: إن خروج المرأة لغير ضرورة حرام أو مكروه , قلنا:كيف يكون حراما أو مكروها ورسول الله ينهي الرجال عن منع نسائهم من الخروج للصلاة في المسجد علما أن صلاتهن في المسجد ليست من قبيل الضرورات ولا الحاجات؟ وإن قالوا : إن خروجها لغير ضرورة خلاف الأولي , قلنا : كيف يكون خلاف الأولي والرسول يدعو الله لأم حرام أن تكون مع غزاة البحر في سبيل الله. وخروجها رضي الله عنها لم يكن من قبيل الضرورات أو الحاجات إنما كان من القربات؟

2- إذا ثبت أن خروج المرأة من بيتها سواء لأمر ضروري أو حاجي أو تحسيني ليس حراما ولا مكروها ولا خلاف الأولي , فماذا تكون دلالة الحديث إذن؟ إن الحديث يربط بين كون المرأة عورة وبين استشراف الشيطان.إذن هو تحذير للمرأة من التقصير في ستر عورتها,فلا تنكشف من زينتها إلا ما أحله الشارع ولا تتعطر ولا تتكسر في مشيتها ولا تخضع في قولها, وتحذير لها وللرجال من حولها من التفريط في مراعاة آداب اللقاء التي تصون العورة وتدرأ الافتتان بها وذلك حتي يخسأ الشيطان ويولي خائبا.

3- إن رسول الله يربط بين خروج المرأة وبين الشيطان في حديث آخرفيقول:"إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان"..وهو كناية عن الفتنة المصاحبة لإقبال المرأة وإدبارها وعلاج الفتنة يرشدنا إليه رسول الله في نفس الحديث:"فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه"أي أن العلاج يكون بمجاهدة النفس وغض البصر ثم بعودة الرجل إلي أهله يقضي حاجته وقطع علي الشيطان وسوسته , وليس بعزل المرأة في بيتها وحظر خروجها.ويؤكد هذا مئات الشواهد التي أوردنا بعضها في هذا الموضوع علي مشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية علي عهد النبي صلي الله عليه وسلم .

4- الحديث يلفتنا إلي الحذر من فتنة النساء كما وردت أحاديث أخري تحذرنا من فتنة المال والأولاد. والفتنة هنا فتنة عامة ابتلي الله تعالي بها عباده ليختبرهم. وعلي المؤمن والمؤمنة أن ينطلقا في الحياة بجد ونشاط فيكون لهما الأولاد والأموال ويكون بينهما اللقاء الذي تقتضيه الحياة الجادة الخيرة, وعليهما في الوقت نفسه أن يحذرا الفتنة حتي ينجحا في الابتلاء الذي كتبه الله عليهما.

5- هناك رواية أخري لهذا الحديث فيها بعض زيادة وهي :"وإنها لا تكون أقرب إلي الله منها في قعر بيتها", وفي هذا حث للمرأة علي أن تقر في بيتها ما لم يتوفر داع صالح للخروج فإذا توفر فهي وما قصدت من خير.


حديث عائشة: "قلت يا رسول الله:علي النساء جهاد؟ قال:نعم عليهن جهاد لا قتال فيه,الحج والعمرة".(رواه ابن ماجة)
يستدل المعارضون بهذا الحديث علي اتجاه الشريعة نحو منع لقاء النساء الرجال وأن الجهاد رغم فضيلته العظمي قد صرف عنه النساء وما ذلك إلا لما فيه من مغايرة المطلوب منهن من الستر ومجانبة الرجال.
وقالوا:إن خروج بعض الصحابيات للجهاد في الغزوات الأولي إنما كان للضرورة أي لقلة عدد الرجال.


وجوابنا من وجوه:

1- الحديث نفسه يشير إلي سبب عدم فرض الجهاد علي النساء وهو (القتال) الذي يجافي بناء المرأة الرقيق فقال: "جهاد لاقتال فيه" ولم يقل جهاد لا مخالطة فيه.ثم أن الحج والعمرة لا يوفران للمرأة العزلة التي يريدونها ففيهما يلقي النساء الرجال خلال أداء المناسك بل كثيرا ما يشتد الزحام الذي لا يحدث مثيل له في أي مجال آخر من مجالات الحياة.

2- أي ضرورة في خروج بضع نساء في غزوات النبي صلي الله عليه وسلم وكان يمكن أن يغني عنهن نفر من الشيوخ أو الصبيان الذين لا يحسنون القتال؟ وإذا فرضنا أنه كانت هناك ضرورة في الغزوات الأولي حيث الرجال قليل فما هي الضرورة والرجال كثير في الغزوات المتأخرة مثل غزوة خيبر وحنين؟ وقد أورد البخاري ومسلم ما يفيد اشتراك أم سليم في غزوة خيبر.وأورد مسلم شهود أم سليم لغزوة حنين.وذكر ابن سعد في الطبقات الكبري خمس عشرة امرأة شهدن خيبر وأن أم سليط شهدت غزوة حنين. ثم ما هي الضرورة لخروج أم حرام بنت ملحان زمن معاوية بناء علي دعاء رسول الله لها بالشهادة مع غزاة البحر و قد اتسعت الفتوح ودخل الناس في دين الله أفواجا.

3- إن النصوص الواردة في مشاركة النساء في الجهاد تكرر فيها لفظ (كان) و(كنا) وهذا فيه الدلالة القوية علي أن تلك المشاركة كانت مطردة و لها صفة الاستمرار ولم تنسخ في أواخر عهد النبي صلي الله عليه وسلم فعن أنس:"كان رسول الله يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار"رواه مسلم. وعن الربيع بنت معوذ:"كنا نغزو مع النبي صلي الله عليه وسلم فنسقي القوم ونخدمهم".(رواه البخاري)

4- هل كان ابن عباس غافلا عن أمر الضرورة التي ألجأت النساء إلي الخروج في الغزو علي عهد النبي صلي الله عليه وسلم يوم أجاب نجدة الخارجي:"... كتبت تسألني هل كان رسول الله يغزو بالنساء وقد كان يغزو بهن فيداوين الجرحي ويُحذين من الغنيمة وأما بسهم فلم يضرب لهن" (رواه مسلم)
لو كان الغزو بالنساء للضرورة لبين ذلك ابن عباس وقد كان البيان يومئذ متعينا حتي لايفهم الرجل أن الأمر سنة من سنن رسول الله.

*****
من كتاب تحرير المرأة في عصر الرسالة
عبد الحليم أبو شقة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق