قال الإمام سفيان الثوري: (إنما العلم الرخصة من ثقة ، أما التشديد فيحسنه كل أحد).

التشديد في حقيقته هو الاجتهاد الأسهل وليس الاجتهاد الأفضل

الخميس، 15 ديسمبر 2011

آداب اشتراك المرأة المسلمة في الحياة الاجتماعية ولقاؤها الرجال


آداب مشتركة بين الرجال والنساء


1. جدية مجال اللقاء:
قال تعالي: {وقلن قولا معرفا}


إن الآية تشير إلي أن موضوع الحديث ينبغي أن يكون في حدود المعروف ولا يتضمن منكرا, و لهذا قلنا (جدية اللقاء) فالجِدّ بين الرجال والنساء معروف أما اللهو واللعب فمنكر. ولا يتنافي مع جدية المجال كلمة فيها تبسط ومثال ذلك:


• عن أبي موسي قال:.... ودخلت أسماء بنت عميس..., علي حفصة زوج النبي صلي الله عليه وسلم زائرة وقد كانت هاجرت إلي النجاشي فيمن هاجر, فدخل عمر علي حفصة وأسماء عندها فقال عمر حين رأي أسماء : من هذه؟ قالت : أسماء بنت عميس , قال عمر : الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟ قالت أسماء : نعم , قال سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله منكم. ( رواه البخاري ومسلم )

كذلك لا يتنافي مع جدية المجال أن يكون هناك بعض حديث فيه مؤانسة ومثال ذلك:

• عن مسروق دخلنا علي عائشة رضي الله عنها وعندها حسان ابن ثابت ينشدها شعرا يُشَبِّب بأبيات له وقال:
حَصان رَزَان ما تُزَنُّ بريبة وتصبح غَرْثَي من لحوم الغوافل

فقالت عائشة: لكنك لست كذلك.قال مسروق: فقلت: لم تأذنين له أن يدخل عليك وقد قال الله تعالي: {والذي تولي كبره منهم له عذاب عظيم} ؟ فقالت:وأي عذاب أشد من العمي ؟ قالت له: إنه كان ينافح أو يهاجي عن رسول الله.( رواه البخاري ومسلم )

يشبب بأبيات: يذكر أبياتا من الشعر فيها ذكر النساء
حصان: أي محصنة عفيفة
رزان: كاملة العقل
ماتزن: ما تتهم
غرثي من لحوم الغوافل: الغرثي الجائعة والغوافل جمع غافلة وهي العفيفة الغافلة عن الفاحشة.

والمعني أن عائشة كانت جائعة لأنها لم تغتب الغوافل وهذا من فضلها ولو اغتابتهن لشبعت من لحومهن.

لكنك لست كذلك: يعني أنه لم يصبح غرثان من لحوم الغوافل حيث شارك في حديث الإفك.
ينافح: يدافع

2. الغض من البصر 


قال تعالي: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن} 
والغض من البصر يعني منع الاسترسال في النظر مخافة الفتن.

قال القرضاوي : الغض من البصر ليس معناه إقفال العين عن النظر، ولا إطراق الرأس إلى الأرض، فليس هذا بمراد ولا مستطاع. كما أن الغض من الصوت في قوله تعالى: {واغضض من صوتك} ليس معناه إغلاق الشفتين عن الكلام ، وإنما معنى الغض من البصر خفضه، وعدم إرساله طليق العنان يلتهم الغاديات والرائحات أو الغادين والرائحين. فإذا نظر إلى الجنس الآخر لم يغلغل النظر إلى محاسنه ، ولم يطل الالتفات إليه والتحديق به. ولهذا قال الرسول عليه السلام لعلي بن أبي طالب: "يا علي! لا تتبع النظرة النظرة؛ فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة".

قال ابن كثير: هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهن ، فلا ينظرون إلا إلى ما أباح النظر إليه….

قال الحافظ ابن القطان : وقد قدمنا أنه جائز للمرأة إبداء وجهها وكفيها، فإذن النظر إلى ذلك جائز لكن بشرط أن لا يخاف الفتنة، وأن لا يقصد اللذة ، وأما قصد اللذة ، فلا نزاع في التحريم.

وقال ابن القطان أيضا: لا خلاف أعلمه في جواز نظر المرأة إلى وجه الرجل ما كان ، وإذا لم تقصد اللذة ، ولم تخف الفتنة.

قال عياض : غض البصر يجب علي كل حال في أمور العورات وأشباهها ويجب مرة علي حال دون حال فيما ليس بعورة.

وقال ابن عبد البر: وجائز أن ينظر إلي ذلك منها( أي الوجه والكفين ) كل من نظر إليها بغير ريبة ولامكروه , وأما النظر للشهوة فحرام تأملها من فوق ثيابها لشهوة , فكيف بالنظر إلي وجهها مسفرة.

وورد في فتح الباري خلال شرح حديث الخثعمية الذي ورد فيه ((فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها, فالتفت النبي صلي الله عليه وسلم والفضل ينظر إليها فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها)) قال ابن بطال: ( في الحديث الأمر بغض البصر خشية الفتنة , ومقتضاه أنه اذا أمنت الفتنة لم يمتنع..... وفيه دليل علي أن ستر المرأة وجهها ليس فرضا....وأن قوله: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} علي الوجوب في غير الوجه).

وورد في فتح الباري:... وعند ابن أبي حاتم من طريق ابن عباس في قوله تعالي:{يعلم خائنة الأعين} قال: هو الرجل ينظر إلي المرأة الحسناء تمر به ويدخل بيتا هي فيه فإذا فطن له غض بصره.

• عن جرير بن عبد الله قال: سألت رسول الله عن نظر الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري.(رواه مسلم)

نظر الفجاءة : أن يقع نظره علي الأجنبية من غير قصد.

• عن ابن عباس قال: ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العين النظر, وزنا اللسان النطق , والنفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه.

والحديث صريح في أن النظر بشهوة هو المحظور.

سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين ـ رحمه الله ـ :
ما حكم نظر المرأة للرجل من خلال التليفزيون أو النظرة الطبيعية في الشارع ؟ فأجاب :
نظر المرأة للرجل لا يخلو من حالين سواء كان في التلفزيون أو غيره .

1- نظر شهوة وتمتع فهذا محرم لما فيه من المفسدة والفتنة .

2- نظرة مجردة لا شهوة فيها ولا تمتع فهذه لا شيء فيها على الصحيح من أقوال أهل العلم ، وهي جائزة لما ثبت في الصحيحين ( أن عائشة رضي الله عنها كانت تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون ، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسترها عنهم ) وأقرها على ذلك .

ولأن النساء يمشين في الأسواق وينظرن إلى الرجال وإن كن متحجبات ، فالمرأة تنظر إلى الرجل وإن كان هو لا ينظرها ، بشرط ألا تكون هناك شهوة وفتنة فإن كانت شهوة أو فتنة فالنظرة محرمة في أو غيره.

والخلاصة: أنه قد يستتبع اللقاء رؤية الرجال النساء والنساء الرجال,وهذا لاحرج فيه ما دام الطرفان يحرصان علي الغض من أبصارهم فلا يحملق أحدهما في الآخر, هذا فضلا عن برائتهما من الشهوة إذا ما وقع نظر بين حين وآخر.

3. التمييز بين النساء والرجال واجتناب المزاحمة 


• عن أم سلمة رضي الله عنها قالت كان رسول الله إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه ومكث يسيرا قبل أن يقوم.قال ابن شهاب:فأري والله أعلم أن مكثه لكي ينفذ النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم.(رواه البخاري)

قال الزهري : نرى(والله أعلم) أنّ ذلك كان لكي ينصرف النساءُ قبل أن يدركهن أحدٌ من الرجال.

ويؤكد هذا المعني قوله (لو تركنا هذا الباب للنساء...)

وكذلك ما ورد عن رسول الله أنه خرج ذات يوم من المسجد وقد اختلط النساء مع الرجال في الطريق، فقال رسول الله :استأخرن فإنه ليس لكن أن تَحْقُقْن الطريق عليكن بحافات الطريق. فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتي إن ثوبها ليتعلق بالجدار من يصنقها به.(رواه أبو داود)

وهذا الفعل نظرا لضيق الأزقة ومزيد حياء من قبل بعض النساء , ولا يؤخذ منه حكما فقهيا.

وفي رواية : ليس للنساء وسط الطريق.

يقول الإمام ابن حبان في صحيحه بعد أن أخرج الحديث :

(قوله صلي الله عليه وسلم : ( ليس للنساء وسط الطريق ) لفظة إخبار مرادها الزجر عن شيء مضمر فيه وهو مماسة النساء الرجال في المشي إذ وسط الطريق الغالب على الرجال سلوكه والواجب على النساء أن يتخللن الجوانب حذر ما يتوقع من مماستهم إياهن).

وكما تجتنب المزاحمة في الطريق تجتنب كذلك في أماكن الاجتماعات العامة,علي أن ذلك لا يعني اشتراط الأماكن الخلفية للنساء كما هو الحال في المسجد فإن تأخر صفوف النساء أمر خاص بالصلاة سواء في المسجد أو في البيت مع الأجانب أو مع الزوج والمحارم.أما في غير الصلاة فالأدب المطلوب هو التمييز بين الرجال والنساء واجتناب المزاحمة سواء بتخصيص حيز للنساء في جانب من جوانب مكان الاجتماع أو بعمل أي ترتيب آخر يصون المزاحمة, أي تقارب الأبدان والأنفاس التي يسهل فيها أن يلمس رجل امرأة.

وفي هذا المعني يقول الإمام السرخسي: وكذلك لا تستلم المرأة الحجر(الأسود) إذا كان هناك جمع لأنها ممنوعة عن مماسة الرجال والزحمة معهم فلا تستلم الحجر إلا إذا وجدت ذلك الموضع خاليا من الرجال.

4. اجتناب الخلو


• عن ابن عباس عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم.(رواه البخاري)
قال الحافظ ابن حجر: ... فيه منع الخلوة بالأجنبية وهو إجماع , لكن اختلفوا هل يقوم غير المحرم مقامه في هذا كالنسوة الثقات؟ والصحيح الجواز لضعف التهمة به..

الخلوة المحرمة هي أن يخلو الرجل بامرأة أجنبية عنه في مكان لا يطلع فيه أحد على ما يمكن أن يجري بينهما , ويخرج عن مفهوم الخلوة المحظورة ما يأتي:

( أ ) الخلوة في حضرة الناس: وذلك بدليل ما أورده البخاري تحت "باب ما يجوز أن يخلو الرجل بالمرأة عند الناس"

• عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاءت امرأة من الأنصار إلى النبي صلي الله عليه وسلم فخلا بها فقال: "والله إنكن لأحب الناس إلي".(رواه البخاري ومسلم)

قال الحافظ ابن حجر: (... لايخلو بها بحيث تحتجب أشخاصهما عنهم (أي الناس) بل بحيث لا يسمعون كلامهما إذا كان بما يخافت به كالشيء الذي تستحي المرأة من ذكره بين الناس)... وقال أيضا(... وفي الحديث أن مفاوضة المرأة الأجنبية سراً لا يقدح في الدين عند أمن الفتنة).

(ب) خلوة الرجلين والثلاثة بالمرأة: وذلك بدليل الحديث التالي:

• عن عبد الله بن عمرو بن العاص:... أن نفراً من بني هاشم دخلوا علي أسماء بنت عميس فدخل أبو بكر الصديق وهي تحته يومئذ فرآهم فكره ذلك, فذكر ذلك لرسول الله وقال : لم أري إلا خيراً, فقال رسول الله : إن الله قد برأها من ذلك ثم قام رسول الله علي المنبر فقال : (( لايدخلن رجل بعد يومي هذا علي مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان )). ( رواه مسلم )
وهي تحته : أي زوجه
مغيبة : التي غاب عنها زوجها

قال النووي: إن ظاهر هذا الحديث جواز خلوة الرجلين أو الثلاثة بالأجنبية والمشهور عند أصحابنا تحريمة, فيتأول الحديث علي جماعة يبعد وقوع المواطأة منهم علي الفاحشة لصلاحهم أو مروئتهم أو غير ذلك وقد أشار القاضي إلي نحو هذا التأويل.
والصحابي عبد الله بن عمرو قال بعد حديث رسول الله :لا يدخلن رجل على مغيبة إلا ومعه غيره. (((قال عبد الله بن عمرو فما دخلت بعد ذلك المقام على مغيبة إلا ومعي واحد أو اثنان))). (رواه الإمام أحمد في مسنده)

فهذا نص من صحابي ذي فضل وعلم كبيرين أنه كان يدخل على امرأة مغيبة ومعه واحد أو اثنان وهذا عين الاختلاط ولا شك مع مراعاة الواجبات والآداب الشرعية.

قال ابن حجر في الفتح : وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره ولا سيما الصحابي المجتهد.

(ج) خلوة الرجل بمجموعة من النساء:

وذلك أن الخلوة المحظورة هي خلوة رجل واحد بامرأة واحدة. أما إذا تعدد الرجال أو تعدد النساء زال المحظور. وقد قال النووي:... إن أمَّ الرجل بأجنبية وخلا بها حرم ذلك عليه وعليها...وإن أم بأجنبيات وخلا بهن فطريقان, قطع الجمهور بالجواز... ودليله الحديث : (لايدخلن رجل بعد يومي هذا علي مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان) ولأن النساء المجتمعات لا يُتمكن في الغالب الرجل من مفسدة ببعضهن في حضرتهن.

5. اجتناب اللقاء الطويل المتكرر: 


ومن أمثلة هذا النوع من اللقاء تبادل الزيارات – في مرات جد متقاربة - بين الأقارب والأصدقاء واستمرارها ساعات طويلة. ومن أمثلته أيضا العمل المهني اليومي الذي من شأنه أن يجتمع الرجال والنساء في مكان واحد طول مدة العمل رغم انفراد كل منهم بعمل.

وهذا الأدب وإن لم يكن منصوصا عليه لكنه مما تجب مراعاته لأنه يصعب في مثل هذا اللقاء تحقيق كثير من الآداب كالغض من البصر واستمرار الجدية في التخاطب والوقار في الحركة.فهو في غالب الأحيان يضعف درجة الاحتشام والرصانة الواجب توافرها عند الرجال والنساء جميعا وقت اللقاء. وعلي ذلك نري اجتناب هذا النوع من اللقاء, اللهم إلا إذا كانت طبيعة العمل تقتضي اللقاء المتكرر للتعاون وتبادل الرأي أو لغير ذلك من المصالح ,فلا حرج مع الحذر,ما دامت هناك حاجة ماسة.ثم إن العمل الجاد غالبا ما يشغل العقول والقلوب, ويعين علي الاحتفاظ بالاحتشام.

6. اجتناب مواطن الريبة: 


• عن عمر رضي الله عنه قال :... قلت : يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله آية الحجاب. ( رواه البخاري )

من أجل الفاجر دعا عمر رسول الله أن يحجب نساءه.ويؤخذ منه أن علي المرأة المسلمة أن تحتجب من الفاجر , وهذا يعني أن تنأي بنفسها عن مخالطة كل موطن من مواطن الريبة.

• عن ابن عباس في قوله تعالى‏:‏ ‏{ولا يعصينك في معروف‏}‏ قال‏:‏ إنما هو شرط شرطه اللّه للنساء.(رواه البخاري)

قال الحافظ ابن حجر: (قوله إنما هو شرط شرطه الله للنساء) أي علي النساء...واختلف في الشرط ... فأخرج الطبري عن قتاده قال : أخذ الله عليهن أن لا ينحن ولا يحدثن الرجال. فقال عبد الرحمن بن عوف:... إن لنا أضيافا وإنا نغيب عن نسائنا فقال:ليس أولئك عنيت.
وهذا يعني نهي النساء عن محادثة الرجال من أهل الريبة , أما الموثوق بهم كالضيفان المعروفين فلا حرج.ويؤكد هذا الأمر قوله :"دع ما يريبك إلي ما لا يريبك"

7. اجتناب ظاهر الإثم وباطنه:


قال تعالي :{ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}


ومن ظاهر الإثم التقصير في تطبيق آداب اللقاء.ومن باطن الإثم الاشتهاء والاستمتاع بالحرام والتطلع إلي المزيد منه. ومن الشواهد علي ذلك ما رواه خوات بن جبير قال:

نزلت مع رسول الله بالظهران (الظهران واد قرب مكة، والنزول بمكان معناه إقامة معسكر للاستقرار فيه يوما أو بعض يوم أو أكثر). قال: فخرجت من خبائى (أى خرج من خيمة فى المعسكر) فإذا نسوة جوالس يتحدثن؛ فأعجبننى ؛ فرجعت إلى خبائى فاستخرجت حلة لى من عيبة لى (العيبة حقيبة الثياب) فلبستها (لبسها ليتجمل) ؛ ثم أتيتهن فجلست إليهن ؛ وخرج رسول الله من قبته ؛ فقال: يا عبد الله ؛ ما أجلسك إليهن؟. - قال خوات: فهبته صلي الله عليه وسلم حين رأيته.. وقلت: يارسول الله جمل لى شرود ؛ وأنا أبتغى له قيدا. قال: ثم ارتحلنا فجعل النبى صلي الله عليه وسلم لا يلحقنى فى المسير إلا قال: يا عبد الله ما فعل شراد جملك؟ فتعجلت إلى المدينة فاجتنبت المسجد و مجالسة النبى صلي الله عليه وسلم , فلما طال ذلك حتى تحينت ساعة خلوة المسجد فدخلت وجعلت أصلى؛ وخرج رسول الله من بعض حجره ؛ فصلى ركعتين خفيفتين؛ ثم جلس، وطولت رجاء أن يذهب ويدعنى. فقال: طول أبا عبد الله ما شئت ؛ فلست قائما حتى تنصرف. فقلت فى نفسى: لأعتذرن إلى رسول الله فلأبرئن صدره ، فانصرفت (أى أنهى صلاته) . فقال له النبى صلي الله عليه وسلم : السلام عليك يا أبا عبد الله مافعل شراد ذلك الجمل؟. فقال خوات يا رسول الله والذى بعثك بالحق ما شرد ذلك الجمل منذ أسلمت (أى لم يفعل خوات مثل فعلته السابقة منذ أسلم). - فقال له النبى: صلي الله عليه وسلم رحمك الله. قال خوات: ثم أمسك عني فلم يعد.

آداب خاصة بالنساء


1. الزي المحتشم 


قال تعالي {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنّ}
وقال تعالي{يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ} 


• عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله: ( صنفان من أهل النار لم أرهما … ونساء كاسيات عاريات .) (رواه مسلم)

قال ابن عبد البر :(( أراد النساء اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف ولا يستر، فهن كاسيات بالإسم، عاريات في الحقيقة )) .

• عن أم عطية في خروج النساء يوم العيد إلى المصلى (...قلت يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب قال لتلبسها أختها من جلبابها)

الجلباب ليس غاية في ذاته، ولكن المهم هو اللباس السابغ الساتر، لكل ما أمر الله بستره، أيًّا كان اسمه أو شكله ، فهذه وسيلة تختلف باختلاف البيئات والأزمان.

قال أُسامة بن زيد :(( كساني رسول الله قبطيةً كثيفة مما أهداها له دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي ، فقال : ما لك لم تلبس القبطية ؟ قلت : كسوتها امرأتي ، فقال : مُرها فلتجعل تحتها غلالة ، فإني أخاف أن تصف حجم عظامها )) .(رواه أحمد والبيهقي بسند حسن )

المقصود "بالعظام" البدن , فعن نافع عن ابن عمر أن تميما الداري قال لرسول الله لما كثر لحمه : ألا نتخذ لك منبرا يحمل عظامك ؟

• عن فاطمة بنت قيس :... قال رسول الله : (فإني أكره أن يسقط عنك خمارك أو ينكشف الثوب عن ساقيك فيري القوم منك بعض ما تكرهين... ( رواه مسلم )
خمارك : غطاء رأسك

2. اجتناب الطيب 


• عن زينب امرأة عبد الله قالت : قال لنا رسول الله : إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا .(رواه مسلم)
يحظر علي المرأة خروجها من بيتها تفوح منها رائحة الطيب وتنتشر.

3. الجدية في التخاطب


قال تعالي: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا}
فلا تخضعن بالقول: لاتلن في القول

4. الوقار في الحركة


قال تعالي: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}
• عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( صنفان من أهل النار لم أرهما … قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات ، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا. (رواه مسلم)

مائلات مميلات : يتمايلن بمشيتهن وهيئتهن حتى يملن الأنظار إليهن.

والمائلة بالمعنى العام كل مائلة عن السراط المستقيم ، بلباسها أو هيئتها أو كلامها أو غير ذلك ، والمميلات: اللاتي يملن غيرهن وذلك باستعمالهن لما فيه الفتنة ، حتى يميل إليهن من يميل من عباد الله.

ما العمل عند غياب بعض آداب المشاركة واللقاء؟


إن آداب المشاركة واللقاء التي مر ذكرها ينبغي أن يتحراها المسلم والمسلمة ويلتزم بها, ولكن ما الموقف الواجب عند تخلف تلك الآداب أو بعضها ؟

إنه بقدر تخلف الآداب يكون فساد ويكون الحرج الذي ينبغي أن يستشعره المسلم عند إقدامه علي المشاركة واللقاء. وعلي المسلم عند تخلف بعض الآداب أن يزن المصالح المرجوة والمفاسد المحتملة , وينظر أيهما أرجح ويختار المشاركة عند رجحان المصلحة والاعتزال عند رجحان المفسدة.هذا علي وجه الإجمال وفيما يأتي بعض التفصيل. وعلي المسلم أن ينظر في كل حال من الأحوال بإمعان:

( أ ) إذا كان هناك حرج عل المسلم في تجنب مجال اللقاء – حرج عليه في معاشه أو في قضاء مصالحه أو حرج أدبي – فعلي المسلم والمسلمة قبول الأمر الواقع بالقدر الضروري الذي يرفع الحرج فحسب والله عز وجل يقول :{وما جعل عليكم في الدين من حرج}.

(ب) إذا كانت مشاركة المسلم أو المسلمة تنمي خيرا أو تكفكف شرا.كأن يكون بحضوره آمرا بمعروف ناهيا عن منكر مانعا بعض الشرور أو مقدما علما لقوم يجهلون,أو يكون مجرد حضوره بشخصيته المعروفة بالصلاح دافعا القوم إلي اجتناب بعض المخالفات.

فعلي المسلم والمسلمة في هذه الحال الإقدام علي المشاركة متوكلين علي الله مستعينين به عاقدين العزم علي بذل الجهد لعمل بعض الصالحات.وهذا الإقدام يتأكد إذا كان التفريط في الآداب هو ديدن الناس في مجتمع ما ولا سبيل إلي إرشادهم إلا من خلال مشاركتهم في مجالات لقائهم.

(ج) أما إذا خاف المرء علي نفسه الفتنة أو الوقوع في أمر محظور أو كان في المقاطعة زجر للمخالفين للآداب الشرعية , والمقاطعة الزاجرة هي التي تؤدي إلي مراجعة النفس ولومها علي المخالفة , فعندها يجب علي المسلم والمسلمة مقاطعة مجال اللقاء.
*****
من كتاب (تحرير المرأة في عصر الرسالة)
عبد الحليم أبو شقة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق