قال الإمام سفيان الثوري: (إنما العلم الرخصة من ثقة ، أما التشديد فيحسنه كل أحد).

التشديد في حقيقته هو الاجتهاد الأسهل وليس الاجتهاد الأفضل

الاثنين، 26 ديسمبر 2011

معالم ستر بدن المرأة في القرآن الكريم


المعلم الأول (من سورة الأحزاب):


تميز الحرائر بإدناء الجلاليب

قال تعالي : { يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } الأحزاب 59

ابتدئ بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته لأنهن أكمل النساء ، وذكر نساء المؤمنين تشملهم , ولكن الله سبحانه وتعالى في هذه الآية يرفع من قدر أمهات المؤمنين رضي الله عنهن , ويرفع من شأن بناته. فذكرهن من ذكر بعض أفراد العام للاهتمام به.
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (( لما نزل{يدنين عليهن من جلابيبهن} خرج نساءُ الأنصار كأن على رؤسهن الغربان من الأكسية)).فيه إشارة إلي تغطية الرؤوس لا الوجوه.

إِذَا نَزَلَتْ بَنُو لَيْثٍ عُكَاظاً ... رَأَيْتَ عَلَى رُؤُوسِهِمُ الغُرَابَا



معني الجلباب:



قيل في تفسيره سبعة أقوال ذكرها الحافظ في ((الفتح)) , قيل: هو المقنعة أو الخمار أو أعرض منه, وقيل الثوب الواسع يكون دون الرداء , وقيل الإزار ، وقيل الملحفة ، وقيل الملاءة ، وقيل القميص.
المقنعة: ما تغطي به المرأة رأسها ، وفي « الصحاح » هو ما تقنع به المرأة رأسها.
الخمار : ما تغطي به المرأة رأسها.
الرداء: ثوب يحيط بالنصف الأعلي من البدن.
الإزار: الملحفة وقيل ثوب يحيط بالنصف الأسفل من البدن.
المِلحَفة: اللباس الذي فوق سائر اللباس والملحفة عند العرب هي الملاءة .
القميص : ما يستر جميع البدن وقد يعني به الدرع.

الجلباب في اللغة: هو ما يُلبس فوق الثياب , الإنسان يلبس ثوباً ثم يجلب فوقه شيئاً وهذا الشيء يسمى جلباباً.

قال البغوي في تفسيره: هو الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار.

قال الألباني: الجلباب هو الملاءة التي تلتحف بها المرأة فوق ثيابها وليس على وجهها وعلى هذا كتب اللغة قاطبة ، ليس في شيء منها ذكر للوجه البتة.

الجلباب في معاجم اللغة: 

• الفائق في غريب الحديث والأثر :الجلباب: الرداء، وقيل: الملاءة التي يشتمل بها و قال في موطن أخر: وقيل: ثوب أوسع من الخمار، تغطي به المرأة رأسها وصدرها.

• النهاية في غريب الأثر: والجِلْبَابُ : الإزَارُ والرّدَاء . وقيل المِلْحَفَة وقيل هو كالمِقْنَعَة تُغَطّي به المرأة رأسها وظَهْرَها وصدرَها وَجَمْعُه جَلاَبيبُ.قال: ومنه حديث أم عطية ( لِتُلْبِسها صاحِبتُها من جِلْبَابها) أي إزارِها.

• لسان العرب: والجِلْبابُ القَمِيصُ والجِلْبابُ ثوب أَوسَعُ من الخِمار دون الرِّداءِ تُغَطِّي به المرأَةُ رأْسَها وصَدْرَها وقيل هو ثوب واسِع دون المِلْحَفةِ تَلْبَسه المرأَةُ وقيل هو المِلْحفةُ وقيل هو ما تُغَطِّي به المرأَةُ الثيابَ من فَوقُ كالمِلْحَفةِ وقيل هو الخِمارُ وفي حديث أُم عطيةَ لِتُلْبِسْها صاحِبَتُها من جِلْبابِها أَي إِزارها.

• العيني: والجِلْبابُ : ثَوْبٌ أَوسَعُ من الخِمار دونَ الرِّداء تُغَطِّي به المرأةُ رَأْسَها وصَدْرَها.

• قال ابن السكيت، قالت العامرية: الجلباب الخمار. وقيل: جلباب المرأة مُلاءتها التي تشتمل بها، واحدها جلباب، والجماعة جلابيب.

• المصباح المنير: والجلباب ثوب أوسع من الخمار ودون الرداء وقال ابن فارس الجلباب ما يُغَطَّى به من ثوب وغيره والجمع الجلابيب وتجلببت المرأة لبست الجلباب.

أما قول عائشة رضي الله عنها (فخمرت وجهي بجلبابي) معناه: فغطيت وجهي بجلبابي، ولا يفرق عن قول القائل (فخمرت وجهي بردائي) من حيث إنه لا يدل علي الوضع اللغوي للجلباب، ولا أن من صفته في معهود الخطاب العربي زمن النبوة أنه يستر الوجه.

ويعزز القول أنه الملبس فوق الثياب حديث أم عطية في خروج النساء يوم العيد إلى المصلى (...قلت يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب قال لتلبسها أختها من جلبابها)...فيه دلالة أن الجلباب لم يكن تملكه كل النساء (إحدانا ليس لها جلباب) , وأن الجلباب لم يكن لباساً أساسياً, أي لباساً ضرورياً لستر العورة, إنما تحتاج إليه عند الخروج للبراز في الليل , وعند الخروج للصلاة مع الجماعة , ذلك هو كمال الهيئة والسمت الحسن الذى يميز الحرائر عند الخروج. والذهاب للمسجد أو لمصلى العيد أولى بهذا السمت , فضلاً عن كون الجلباب أعون علي مزيد من الستر عند الركوع والسجود في مكان عام يؤمه الرجال. وإذا كان الجلباب لكمال الهيئة عند الخروج ولا تملكه كل النساء , فقد كان ولابد لكل امرأة من لباس يستر بدنها وهى فى بيتها , وذلك للصلاة أولا وللتعامل مع الرجال ثانيا. وتقرير أن الدرع والخمار كافيين للصلاة يدل علي أنهما يستران العورة , كما جاء عن أم سلمة عندما سئلت ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب فقالت : (تصلي في الخمار والدرع السابغ إذا غيب ظهور قدميها). ويكفي المرأة وهي في بيتها لبس الدرع والخمار وما شابه ذلك للصلاة والتعامل مع الرجال.

معني الإدناء:

الإدناء في اللغة هو التقريب, وأصل فعل دنا أن يتعدي بمن , تقول دنون منه وأدنيته منه , وإنما يتعدي بعلي إذا كان في الكلام معني الإرخاء كما في قوله تعالي {دانية عليهم ظلالها}.

و{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} أي يرخين جلابيبهن لستر البدن والثياب من فوق لأسفل .

والإِدناء أيضا كناية عن اللبس والوضع ، أي يضعن عليهن جلابيبهن، قال بشار:

ليلةٌ تَلبَس البياض من الشهر...وأخرى تُدني جلابيبَ سودا 

فقابل بـ (تُدني) (تلبَس) فالإِدناء هنا اللبس.

ومن في {من جلابيبهن} للبيان , والمعني هو أن "يتحلين ببعض ما لهن من الجلاليب".وفي حديث أم عطية (لتلبسها أختها من جلبابها) أي لتلبسها جلبابا لا تحتاج إليه عارية.

من أقوال المفسرين إدناء الجلباب يحتمل:

1- الإدناء إلي الجبين حسب روايات عند الطبري في (جامع البيان) عن ابن عباس وقتادة.

• عن ابن عباس قال:"وإدناء الجلباب أن تقنع وتشد علي جبينها"
• عن قتادة قال:"أخذ الله عليهن اذا خرجن أن يقنعن علي الحواجب"

2- الإدناء إلي الوجه وإبداء العينين حسب رواية عند ابن عطية في (المحرر الوجيز).

3- إرخاء أرديتهن وملاحفهن حسب قول للواحدي في (الوجيز في تفسير القرآن العزيز).
ومثله قول ابي قتيبة : يلبسن الأردية , نقله ابن الجوزي في (زاد الميسر).

4- التجَلْبُب أوالتحلي ببعض ما لهن من الجلابيب ,(إحدي الروايات عند الطبري عن مجاهد وأحد قولين في الكشاف للزمخشري).

5- أن يتقنعن بملاحفهن منضمة عليهن وأراد بالانضمام معني الإدناء,(نقله أبو حيان عن الكسائي).

6- الإدناء إلي الوجه وإبداء عين واحدة , حسب روايات عند الطبري وغيره عن ابن عباس وعبيده السلماني.

• عن ابن عباس قال:" أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن… ويبدين عيناً واحدة"
• سؤال ابن سيرين عبيدة السلماني عن آية (الإدناء)؟ فتقنَّع عبيدة بِملحفة وغطى رأسه كله حتى بلغ الحاجبين وغطّى وجهه وأخرج عينه اليسرى.

أولا : ضعيفة السند لابن عباس .
ثانيا : عَبِيدَة تابعي فليس في كلامه حجة ؛ فهو مجرد رأيه وتفسيره للآية. وقد روي تلامذة ابن عباس ما يخالفه.
ثالثا : يعارض وجوبها قوله صلي الله عليه وسلم ((لاتنتقب المحرمة)) إذ يفيد مفهوم هذا القول مشروعية النقاب في غير الإحرام والنقاب يبرز العينين مع محجريهما لا عيناً واحدة.فهل يمكن أن نسلم بصحة متن رواية عبيدة وهو يوجب أمراً يخالف ما أباحه رسول الله .
لبس الجلباب
بحيث تبدو عينا واحدة
لبس الجلباب
بحيث يبدو الوجه
الجيب يبدو عند البعض 
أحيانا من تحت الجلباب



7. إن كان المراد بالجلباب هو القميص فإدناؤه إسباغه حتى يغطى بدنها ورجليها؟

8. إن كان المراد بالجلباب ما يغطى الرأس فإدناؤه ستر وجهها وعنقها.

9. إن كان المراد بالجلباب ما يغطى الثياب فإدناؤه تطويله وتوسيعه بحيث يستر بدنها وثيابها

10. إن كان المراد بالجلباب ما دون الملحفة فإدناؤه ستر الوجه واليدين.


والهيئات الأربعة الأخيرة نقلها الخطيب الشربينى عن الخليل فى (السراج المنير). وقد بدأ الخليل شرحه بقوله : (كل ما يستر من دثار وشعار وكساء فهو جلباب والكل تصح إرادته هنا).
الدثار: الثوب الذى يكون فوق الشعار.
الشِعار: ما يلى جسد الإنسان دون ما سواه من الثياب.
ولو تأملنا فى تلك الهيئات وجدنا أن ثالثتها ورابعتها وخامستها وسابعتها وتاسعتها كلها تفيد إدناء الجلباب على البدن بصفة عامة دون ذكر الوجه.

قال الشيخ ابن باديس: وأجود ما نقل عن أئمة العربية فى تفسير الآية قول الكسائى: ( يتقنعن بملاحفهن منضمة عليهن ). قال الزمخشرى: (أراد بالانضمام معنى الإدناء). والتقنع لا يقتضى ستر الوجه كله.


نلحظ من تفسير الطبري أنه ساق قول مجاهد "يتجلببن فيعلم أنهن حرائر" في سياق القول الثاني الذي هو شد الجلباب علي الجبين وذلك أن الطبري يفهم من قول مجاهد "يتجلببن" أنه ليس بستر الوجه. 


وكل هذه الهيئات التي ذكرها المفسرون محتملة , ولكن أصعب هذه الهيئات أن تمسك المرأة بطرف جلبابها لتدنيه علي وجهها وتبدي عيناً واحده أو العينين معاً إذ تظل يدها مشغولة بصفة دائمة وتظل معوقة عن معاناة بعض الأعمال التي تقتضي حركة اليدين معاً كغسل الثياب أو فلاحة الأرض كما تفعل المرأة الريفية, أوجِدَاد نخل كما ورد في السنة "خرجت امرأة تَجُدّ نخلها". ولاتستطيع أن تحمل طفلاً أو شيئاً, أو تفحص سلعة أو تركب دابة وتمسك بخطامها.كما أن رسول الله أمر المرأة باتخاذ الجلباب عند خروجها لصلاة العيد فقال : ((لتلبسها صاحبتها من جلبابها)). وهي بحاجة إلي أن تتحرر يدها أثناء الصلاة حتي تستطيع أن ترفع يديها للتكبير ثم لتركع وتسجد. أو كما كن في عهد النبي صلي الله عليه وسلم كالخروج في الغزو يسقين العطشي ويداوين الجرحي وربما باشرن القتال. وهل يُتصور أن أم عمارة حين قُطعت يدها في معركة اليمامة كانت تقاتل المرتدين وهي تمسك بطرف جلبابها لتدنيه علي وجهها ولا تظهر إلا عيناً واحدة؟!


ونقول للذين يحاولون إثبات وجوب ستر الوجه بناء علي تلك الروايات التي أوردها الطبري وغيره , نقول إن هذه الروايات ليست من قبيل الأدلة الشرعية القاطعة , إنما هي من قبيل المؤشرات التي يستأنس بها الباحث. ثم إنها فضلا عن أمر سندها وما يحتمله من صحة وضعف لاتنقل لنا سنة تقريرية أو قولية إنما هي اجتهاد من القائل بما يراه في معني الإدناء. ولو فرضنا جدلا أن الروايات نقلت لنا فعل بعض النساء علي عهد النبي صلي الله عليه وسلم أي أوردت سنة تقريرية فلا تزيد دلالة ذاك الفعل علي جواز الأمر ولا دلالة فيه إطلاقا علي الوجوب. وأيا كان الأمر فقد اختلفت الأقوال ولا يمكن أن يتقرر واجب شرعي بمثل تلك الأقوال منفردة.



ونقول أخيرا لمعارضي مشروعية كشف الوجه :


إذا كانت هذه الأوصاف للجلباب كلها محتملة وهذه الهيئات للإدناء كلها محتملة فلماذا الوقوف عند هيئة واحدة والزعم أنها الهيئة الوحيدة الواجبة , وذلك دون دليل من كتاب الله أو من سنة رسوله صلي الله عليه وسلم , بل دون سند من قول صحيح لصحابي جليل؟
وإذا كانت رواية الإدناء إلي الوجه وإبداء عين واحدة ضعيفة حين تسند لصحابي جليل هو ابن عباس , وصحيحة حين تسند إلي التابعي الكبير عَبيدة السلماني , فهل صحتها إلي عَبيدة تجعلها ترجح علي أقوال صحيحة أوردها البيهقي للصحابة الأجلاء ابن عباس وابن عمر وعائشة تقرر بأن ظاهر الزينة الذي يبدي للرجال الأجانب هو الوجه والكفان؟

ذكر الألباني في "الرد المُفْحِم" الأحاديث الضعيفة والآثار الواهية التي استدل بها المخالفون علي وجوب ستر الوجه :

الحديث الأول: حديث ابن عباس في الكشف عن العين الواحدة.
للحديث علتين :
1- أبو صالح المصري عبد الله بن صالح فيه ضعف.
2- علي بن أبي طلحة تكلم فيه بعض الأئمة ولم يسمع من ابن عباس بل لم يره وقيل بينهما مجاهد.

وعن قول ابن عباس"وإدناء الجلباب أن تقنع وتشد علي جبينها": أن إسناده ضعيف,ولكنه أرجح من رواية إبداء عين واحدة لأمور:
1- أنه الأقرب إلي لفظ "إدناء".
2- أنه الموافق لما صح عن ابن عباس أن الوجه والكفين من الزينة الظاهرة.
3- أنه الموافق لقول ابن عباس " تدني الجلباب إلى وجهها ، ولا تضرب به". أخرجه أبو داود في " مسائله" بسند صحيح جداً.
4- أنه المنقول عن تلامذة ابن عباس كسعيد بن جبير فإنه فسر (الإدناء): بوضع القناع على الخمار وقال:" لا يحل لمسلمة أن يراها غريب إلا أن يكون عليها القناع فوق الخمار وقد شدت بها رأسها ونحرها".

وذكر نحوه أبو بكر الجصاص في" أحكام القرآن" عن مجاهد أيضاً مقروناً مع ابن عباس: " تغطي الحُرَّة إذا خرجت جبينها ورأسها". 
ومجاهد ممن تلقى تفسير القرآن عن ابن عباس رضي الله عنه.ثم تلقاه عن مجاهد قتادة رحمهما الله تعالى فإنه من تلامذته والرواة عنه فقال في تفسير (الإدناء) :"أخذ الله عليهن إذا خرجن أن يُقَنِّعن على الحواجب". أخرجه ابن جرير بسند صحيح عنه.

الحديث الثاني: عن محمد بن كعب القرظي مثل حديث ابن عباس الأول في: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ} قال:" تخمِّر وجهها إلا إحدى عينيها". إسناده موضوع.

الحديث الثالث : من الضعيف الذي استدلوا به:" سؤال ابن سيرين عبيدة السلماني عن آية (الإدناء)؟ فتقنَّع عبيدة بِملحفة وغطى رأسه كله حتى بلغ الحاجبين وغطّى وجهه وأخرج عينه اليسرى". أخرجه السيوطي في " الدر" . 

وبيان ضعفه من وجوه: 

1. أنه مقطوع موقوف فلا حجة فيه لأن عبيدة السلماني تابعي اتفاقاً فلو أنه رفع حديثاً إلى النبي صلي الله عليه وسلم لكان مرسلاً لا حجة فيه فكيف إذا كان موقوفاً عليه كهذا ؟! فكيف وقد خالف تفسير ترجمان القرآن: ابن عباس ومن معه من الأصحاب؟! 
2. أنهم اضطربوا في ضبط العين المكشوفة فيه فقيل: "اليسرى" –كما رأيت- وقيل:" اليمنى" وهو رواية الطبري وقيل: "إحدى عينيه " وهي رواية أخرى له ومثلها في " أحكام القرآن " للجصاص وغيرهما.
3. ذكره ابن تيمية في " الفتاوى" بسياق آخر يختلف تماماً عن السياق المذكور فقال: 
" وقد ذكر عبيدة السلماني وغيره: أن نساء المؤمنين كنَّ يدنين عليهن الجلابيب من فوق رؤوسهن حتى لا يظهر إلا عيونهن لأجل رؤية الطريق".

وإذا عرفت هذا فاعلم أن الاضطراب عند علماء الحديث علة في الرواية تسقطها عن مرتبة الاحتجاج بها حتى ولو كان شكلياً كهذا لأنه يدل على أن الراوي لم يضبطها ولم يحفظها على أن سياق ابن تيمية المذكور ليس شكلياً كما هو ظاهر لأنه ليس في تفسير الآية وإنما هو إخبار عن واقع النساء في العصر الأول وهو بهذا المعنى صحيح ثابت في أخبار كثيرة كما سيأتي في الكتاب بعنوان:" مشروعية ستر الوجه" ولكن ذلك لا يقتضي وجوب الستر لأنه مجرد فعل منهن ولا ينفي وجود من كانت لا تستر وجهها بل هذا ثابت أيضاً في عهده صلى الله عليه وسلم وبعده. 

4. مخالفته لتفسير ابن عباس للآية كما تقدم بيانه فما خالفه مطرح بلا شك.انتهى


تعقيب: رواية ابن عباس (تدني الجلباب إلى وجهها، ولا تضرب به)، ومثله قول عائشة (تسدل المرأة جلبابها من فوق رأسها علي وجهها). وكلا الأثرين في الإحرام وليس في تفسير آية الإدناء. ومعنى قوله: (ولا تضرب به) أي عدم تمكين وضع الجلباب علي وجهها ولكن تسدله. فالأثر شرح لكيفية تغطية المرأة وجهها في الإحرام ولا علاقة له بوصف لبس المرأة في نفسه، ولا في حكم سترها وجهها في غير الإحرام. وتأمل أنه لو كان الجلباب مستلزما في صفته تغطية الوجه لما احتاجوا لهذا الشرح.
  • عن ابن جريج، قال: آخر ما قال لي عطاء أخبرني أبو الشعثاء، أن ابن عباس، قال  "تدني الجلباب إلى وجهها، ولا تضرب به". قال روح في حديثه، قلت: وما لا تضرب به؟ فأشار لي كما تجلبب المرأة، ثم أشار لي ما على خدها من الجلباب، قال: تعطفه وتضرب به على وجهها، كما هو مسدول على وجهها .(مسائل أبي داود باب: ما تلبس المرأة في إحرامها)

تعقيب على آية الجلباب:
من كتاب "مصطلحات قرآنية حول لباس المرأة المسلمة"
الشيخ الحبيب بن طاهر


صورة إدناء الجلباب

اختلفت النقول في صورة إدناء الجلباب, وقد ذكرها الإمام الطبري في تفسيره وقسمها إلى قسمين, فقال بعضهم:هو أن يغطين وجوههن ورؤوسهن فلا يبدين إلا عينا واحدة,وهو مروي عن ابن عباس , وقال آخرون: بل أمرن أن يشددن جلابيبهن على جباههن.

ولم يلتزم جمهور المفسرين ما أورده الطبري, وإنما اقتصروا على ذكر الرأي الأول. والملاحظ ما يلي:

أ ـ أن الإمام الطبري لم يرجح أحد التأويلين على الآخر, كما فعل في آية الخمار من سورة النور.

ب ـ أن غيره من المفسرين بسكوتهم عن وجهة النظر الثانية يكونون قد رجحوا وجهة النظر الأولى عليها. لكنهم توقفوا عند ذلك الحد, ولم يبينوا كيف الخروج من التعارض الذي وقعوا فيه, بين ما ذهبوا إليه في هذه الآية من كون الوجه مطلوب ستره فلا تظهر منه إلا عين واحدة, وبين ما قرروه في آية النور من كون الوجه ليس يطلب ستره شرعا, وأنه من الزينة الظاهرة المستثناة.

ولعل هذا التوقف منهم راجع إلى أن مهمة التنظير والمقارنة بين النصوص, ثم الجمع بينها من أنظار الفقهاء المجتهدين, فيكون مرجع ذلك كتب الفقه والاجتهاد, وإنما دور المفسر ومهمته الأولى تتمثل في بيان الظاهر من المعنى الأصلي للتركيب وإيضاحه, قال الشيخ ابن عاشور«وهو الأصل» . وقد التزم جمهور مفسري القرآن هذه الطريقة, لأنه ليس كل مفسر فقيه, ولذلك لا تجد الكثير من التفاسير إلا عالة على كلام سابق لاحظ لمؤلفيها إلا الجمع, على تفاوت بين اختصار وتطويل, كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن عاشور.

إلا أنه وجد في هذا الموضوع من المفسرين الفقهاء من تفطن للإشكال الوارد بين آية الخمار من سورة النور وآية الجلباب من سورة الأحزاب, فلم يرتض المرور بهما إلا بعد التنبيه على المخرج من ذلك بقدر ما أسعفه قلمه كالآلوسى وابن عاشور.

ونعود الآن لما ذكره الطبري؛ فالتفسير الأول أصله الرواية عن ابن عباس, وهي رواية ضعيفة لا تثبت أمام النقد, بسبب أبي صالح وعلي. على أنه لا يوجد ما يرجح الأخذ بهذا التفسير ـ على فرض صحته ـ بل إن المرجحات توجد في جانب التفسير الثاني الذي أورده الطبري , فهو يتفق مع آية الخمار التي اتفق جمهور العلماء من الصحابة والتابعين والمفسرين على أن المراد بالزينة الظاهرة المستثناة فيها الوجه والكفان. وحمل آيات القرآن على التوافق أولى من حملها على معنى يجعلها متعارضة. كما يتفق مع حديثي المرأة سفعاء الخدين والمرأة الخثعمية.

وعلى ضعف هذا التفسير, فإنه يمكن حمله على الوجه الذي يتفق مع مقاصد الآيات المتعلقة بلباس المرأة , وهو أن نعتبره خاصا بنساء النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي نهين عن إظهار شخوصهن إلا لضرورة, فيكون لازم عليهن تغطية وجوههن ووضع الجلباب بهذه الطريقة إذا خرجن لضرورة من الضرورات. وإنما حين نقل الناقلون والمفسرون هذه الطريقة عمموها على جميع النساء دون تحقيق.وعليه فتكون الآية مفسرة بوجهين: وجه يخص نساء النبي صلى الله عليه وسلم, ووجه يخص جميع المؤمنات سواهن. أو نعتبره مما جرى به العرف في عهد التابعين من بعض النساء اللاتي ورثن عادة الإقتداء بأمهات المؤمنين في تغطيتهن وجوههن عند خروجهن إلى الخلاء, بعد أمر الله تعالى لهن بالاحتجاب عن الأنظار.

وقد رد الإمام الألوسي هذا التفسير فقال:«وظاهر الآية لا يساعد على ما ذكر في الحرائر ـ أي تغطية الوجه بالجلباب ـ فلعلها محمولة على طلب تستر تمتاز به الحرائر عن الإماء أو العفائف مطلقا عن غيرهن, فتأمل» . 
فالألوسي يقر بوجوب التزام الجلباب, لكنه يرى أن طريقة وضعه يجب أن تقتصر فقط على ما يتحقق معها علة تشريعه, لا أكثر, وهي تمييز الحرائر عن الإماء, كما ذكر في الآية, دون أن يطالب المرأة بتغطية وجهها, لما تقرر عنده في سورة النور أنّ وجه المرأة ليس بعورة.

وكذلك فعل الإمام ابن عاشور, حين اعتبر هيئة لبس الجلباب متروك إلى ما يعتاده الناس في أقوامهم, وليس في الآية ما يشير إلى شكل معين في وضعه, قال: «وهيئات لبس الجلابيب مختلفة باختلاف أحوال النساء, تبينها العادات. والمقصود هو ما دل عليه قوله تعالى"ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين". والإدناء التقريب وهو كناية عن اللبس والوضع, أي يضعن عليهن جلابيبهن»

وهذا الكلام الصادر عن هذين الفقيهين يدل على أنهما كانا يكتبان بفهم دقيق, ماسكين بأطراف الآيات المتعلقة بالموضوع الذي يتحدثان فيه, وهما بذلك يربآن بكلام الله تعالى أن يتحول بتفسيريهما يضرب بعضه بعضا, ويتناقض ولا يتوافق.
انتهى



السياق التشريعي لنزول حكم الجلباب وبيان علّة تشريعه:
الشيخ الحبيب بن طاهر

تحريم الزنا من بين ما سارع إليه الإسلام في بداية الدعوة في الفترة المكية , إلا أنه سكت عن أمرين لم يشرع لهما, فيما يتعلق بهذا الموضوع , إلا بعد الهجرة وفي أزمان مختلفة.

الأمر الأول: أنه سكت عن تشريع عقوبة الزنا فلم ينص عليها إلا حين نزول بداية سورة النور...

الأمر الثاني: سكوت الشرع في الفترة المكية عن البغاء, فلم يحرمه. فقد كان معدودا في الجاهلية من أصناف النكاح. والبغاء غير الزنا, فهو تعاطي المرأة الزنا علنا بالأجر, حرفة لها, فالبغاء هو الزنا بأجر , والزنا يقع سرا لا يطلع عليه أحد.

وسياق الآيات التاريخي يقتضي أن البغاء ظل غير محرم حتى حرم بنزول قوله تعالى من سورة النور: ( وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَـاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً...), وسبب نزول هذه الآية ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كان لعبد الله بن أبي سلول جارية يقال لها "مسيكة", وأخرى يقال لها "أميمة"؛ فكان يكرههما على الزنا , فشكت ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم , فأنزل الله تعالى: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء}.رواه مسلم

فكان البغاء في الحرائر باختيارهن إياه للارتزاق. وكان إكراه الفتيات ـ أي الإماء ـ على البغاء من طرف أسيادهن أمر مستقر من عهد الجاهلية؛ وكان الأسياد يفعلون ذلك ليأخذوا الأجور التي تتقاضاها الإماء من ذلك, أو رغبة في أن يحملن من البغاء فيكثر عبيدهم , وقد يسعى من كان الحمل منه في فدائه بعد أن يولد؛ فعن الزهري أن رجلا أسر يوم بدر, وكان قد جعل عند عبد الله بن أبي سلول, وكان لعبد الله جارية يقال لها معاذة, فكان الأسير يريدها على نفسها, وكانت مسلمة فكانت تمتنع لأنها أسلمت, وكان ابن أبي سلول يكرهها على ذلك ويضربها, رجاء أن تحمل للقرشى فيطلب فداء ولده , فنزلت الآية.

ولا ريب أن الخطاب بقوله تعالى: {ولا تُكرهوا فتياتكم على البغاء} موجه إلى المسلمين والفتيات مسلمات لأن المشركات لا يخاطبن بفروع الشريعة.

فالحديث الصحيح الذي رواه جابر, مدعوما برواية الزهري وغيرها من الروايات, يدل على أن هذه الآية كان بها تحريم البغاء على المسلمين جميعا من الإماء والعبيد, ومن الرجال والنساء الأحرار المالكين أمر المسلمين.

ولا يعقل أن يكون البغاء محرّما قبل نزول هذه الآية, إذ لم يعرف قبلها شيء في الكتاب والسنة يدل على تحريم البغاء, ولأنه لو كان كذلك لم يتصور حدوث تلك الحوادث التي كانت سبب نزول الآية, إذ لا سبيل للإقدام على محرّم بين المسلمين...

إن تحريم البغاء كان في حدود السنة الخامسة للهجرة بعد غزوة المريسيع, أي بعد نزول سورة الأحزاب بآية الجلباب. فآية تحريم البغاء موقعها في سورة النور بعد قصة الإفك بثلاثة عشر آية , وقصة الإفك قد وقعت بعد الحجاب الوارد فى سورة الأحزاب. والأصل في السورة أن تنزل آياتها متتابعة زمنيا, وترتب في المصحف على ذلك التتابع دون تقديم أو تأخير....

وفي هذا الظرف ـ أي ما قبل تحريم البغاء ـ نزلت آية الجلباب لتعالج مشكلة ذكرها الرواة في أسباب نزول آية الجلباب. فقد رووا أن الأمة والحرّة كانتا تخرجان ليلا لقضاء الحاجة في الغيطان وبين النخيل, من غير امتياز بين الحرائر والإماء. وكان في المدينة فساق من المنافقين ويتعرضون للإماء, وربما تعرضوا للحرائر, فإذا قيل لهم في ذلك قالوا: حسبناهن إماء؛ فنزلت الآية تأمر الحرائر بمخالفة الإماء بلبس الجلابيب حتى يعرفن أنهن حرائر فلا يطمع فيهن أحد. وقد ذكر هذا السبب كبار التابعين كالحسن البصري وقتادة والسدي ومجاهد.... ولا يعقل أن يرمى التابعون أمثال من ذكرنا بالاختلاق. على أن لروايتهم أصلا وهو ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان لا يدع في خلافته أمة تتقنع, ويقول: القناع للحرائر لئلا يؤذين. (أخرجه ابن أبي شيبه عن أبي قلابة رضي الله عنه) (1). 
....
جاء في القرآن الكريم ما يؤيد هذا المعنى...الآية الواردة قبل آية الجلباب, قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِين َ وَالْمُؤْمِنَـات ِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُواْ فَقَدِ احْتَمَلُواْ بُهْتَـاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) الأحزاب 58 فعن الضحاك والسدي والكلبي أنها نزلت في زناة كانوا يتبعون النساء إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن, وكانوا لا يتعرضون إلا للإماء, وربما يقع منهم التعرض للحرائر جهلا أو تجاهلا, لاتحاد الكل في اللباس.
...
وأما لماذا سكت الشرع عن البغاء فترة من الزمان, فلا شك أنه توجد أسباب لذلك, بعضها اجتماعي وبعضها اقتصادي. والذي يجب اعتقاده أن ذلك كان مصلحة للمسلمين اقتضت تأجيل تحريمه إلى حين....

وبهذا يتبين أن علة تشريع الجلباب هي تمييز الحرائر عن الإماء. وإن سكوت الشرع عن ما يفعله الفساق والمنافقون من مراودة الإماء ليس فيه مذمة له بأنه أطلق الفساد على أعراض إماء المسلمين, كما ادعى ذلك ابن حزم, وإنما هو تمشيا مع حكمة الله تعالى في التدرج بالتشريع نحو الكمال والتمام مراعاة لعادة العرب. وفي الشريعة الإسلامية نظائر عديدة لهذه المسألة, مثال ذلك شرب الخمر, فليس لأحد أن يقول إن قوله تعالى: (ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) تشجيع من الشرع على شرب الخمر خارج الصلاة , لأنها لم تحرمه إلا في أوقات معينة وسكتت عنه في بقية الأوقات, فلا يمكن قول ذلك, لأن الله تعالى تدرج بالناس إلى أن وصل بهم إلى ما يريده لهم من التشريع التام في الخمر, وذلك بتحريمه في كلّ الأوقات (2).

ومما يحسن الإشارة إليه أن تشريع الجلباب ليس المراد منه التستر, حتى يعد منع الأمة منه دعوة لها بكشف عورتها, وهو ما لا يتماشى مع الشريعة؛ لأن التستّر في أدنى صوره كان حاصلا بالخمار الذي كانت تلبسه الحرة والأمة على السواء. وإنما كان الجلباب زيا إضافيا للحرة. وإن كان تشريع الجلباب وقع قبل تشريع الخمار, إلا أن المرأة حرة كانت أو أمة, كانت على طريقة الجاهلية في وضعه, فجاء حكم الجلباب أولا ليميز الحرائر عن الإماء للعلة المذكورة, والخمار على طريقة الجاهلية في لبسه, ثم جاء حكم الخمار عند نهاية علة تشريع الجلباب ليؤكد على لبسه وعلى وضعه بطريقة جديدة تخالف ما كان عليه الأمر في الجاهلية. وبذلك يكون الخمار هو اللباس النهائي للمسلمة, حرة كانت أو أمة, مع ما أضاف إليه الشرع من ضوابط وشروط.

وبما تقدم يتقرر أن سبب طلب تمييز الحرّة عن الأمة أمر ظرفي انتهى بنزول حكم تحريم البغاء وإلحاقه بالزنا, وإنزال الحد بكل من يأتيه من النساء البغايا والرجال الطالبين له منهن, أحرارا وعبيدا, متزوجين وغير متزوجين. لذلك لم يعد الصحابة رضي الله عنهم ينهون الإماء عن لبس الجلابيب بعد أن كان عمر رضي الله عنه مدة خلافته يضرب الإماء على لبسهن الجلابيب , لعلمهم أن علة تشريع الجلباب قد زالت ولم يعد هناك ما يدعو الحرة إلى لباس يميزها عن الأمة.

وفي هذا العصر, فإن علة تشريع الجلباب قد زالت تماما بزوال نظام الرق, فلم يعد يوجد إماء. ومعلوم من قواعد الشرع أن الحكم الشرعي المعلل يدور مع علته وجودا وعدما. فإذا وجدت العلة وجد الحكم, وإذا انعدمت انعدم الحكم. ولا يمكن الادعاء بأن ذلك يؤدّي إلى تعطيل حكم قرآني؛ لأن النص على علة هذا الحكم في القرآن وروايات أسباب النزول المتعاضدة والمقوية لبعضها, لا تجعل مجالا للتردد في أن حكم الجلباب كان بسبب ظرفي. كما لا يمكن لأحد أن يقول فيما فعله عمر رضي الله عنه ـ مثلا ـ حين منع إعطاء المؤلفة قلوبهم نصيبهم من الزكاة, إنه عطل حكما قرآنيا. بل إنه رضي الله عنه فعل ذلك بناء على غياب علة تشريع هذا الحكم في عهده.

وبهذا تكون المسلمات غير مطالبات شرعا بالجلباب, وإن تحول بعد زوال حكمه إلى عادة؛ لأن اللباس الذي قررته سورة النور والأوصاف التي شرعها النبي صلى الله عليه وسلم للباس المرأة, والتي سنذكرها في خاتمة البحث, نهاية لكل راغبة في طاعة الله تعالى , ومحققة للمقصد الشرعي من أحكام اللباس. وعلى فرض استمرار حكم الآية فيحمل لبس الجلباب على أى لباس بما يتفق مع ما قررته آية النور, من أن المراد بالزينة الظاهرة الوجه والكفان (3).


وقد أرجع الإمام ابن عاشور هذه الآية إلى أصل في الشريعة روعي فيه عوائد الأمم والشعوب، وهو بذلك يأخذ وصف المرونة والتغيير؛ وهو على خلاف أصل التشريع الإلزامي العام، ولذلك اعتبر الجلباب خاصا بما كان عليه العرب من عادة لبسه، فقال: «فهذا شرع روعيت فيه عادة العرب، فالأقوام الذين لا يتخذون الجلابيب لا ينالهم من هذا التشريع نصيب» (كتاب مقاصد الشريعة الإسلامية فصل عموم شريعة الإسلام)، وهذا يضاف إلى ما ذكرناه من قاعدة دوران الحكم مع علّته وجودا وعدما.

 انتهى                                                          


إضافات من خارج الكتاب.
(1)
قال الإمام السرخسي (ت:483هـ) في المبسوط: (وقد كانت الممازحة مع إماء الغير عادة في العرب فأمر الله تعالى الحرائر باتخاذ الجلباب ليعرفن به من الإماء فدل أن الإماء لا تتخذ الجلباب). كتاب الاستحسان، نظر الرجل إلي المرأة. 
والمفسرون متفقون علي هذا السبب.
  •   أخرج ابن أبى شيبة وعبد الرزاق فى "المصنف" من طريق قتادة عن أنس قال: رأى عمر أمة لنا متقنعة فضربها وقال لا تَشَبَّهى بالحرائر.قال الحافظ: وإسناده صحيح. ثم رواه ابن أبى شيبة من طريق الزهرى عن أنس به. وسنده صحيح أيضا. "جلباب المرأة المسلمة" للألبانى

  •   وعن أنس: دخلَتْ علي عمر بن الخطاب أمةٌ قد كان يعرفها لبعض المهاجرين أو الأنصار، وعليها جلباب متقنعة، فسألها: عُتقت؟ قالت: لا. قال: فما بال الجلباب؟! ضعيه عن رأسك، إنما الجلباب علي الحرائر من نساء المؤمنين، فتلكأت، فقام إليها بالدُّرَّة فضرب رأسها حتي ألقته عن رأسها. "جلباب المرأة المسلمة" للألبانى, إسناده جيد وصححه الحافظ فى"الدراية فى تخريج أحاديث الهداية".

  •   عن صفية بنت أبي عبيد : خرجت امرأة مختمرة متجلببة، فقال عمر رضي الله عنه: من هذه المرأة ؟ فقيل له: هذه جارية لفلان رجل من بنيه، فأرسل إلى حفصة رضي الله عنها، فقال: ما حملك على أن تخمري هذه الأمة وتجلببيها وتشبهيها بالمحصنات، حتى هممت أن أقع بها لا أحسبها من المحصنات، لا تشبهوا الإماء بالمحصنات. ( صحيح / المحدث البيهقى)

المحصنات: العفائف أو الحرائر 
  •   عن قتادة قوله:{يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين}.أخذ الله عليهن إذا خرجن أن يقنعن على الحواجب ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين، وقد كانت المملوكة إذا مرت تناولوها بالإيذاء فنهي الله الحرائر أن يتشبهن بالإماء.

(2) ومثال ذلك أيضا الأمر لنساء النبي صلى الله عليه وسلم نحو قوله تعالى: {ولا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض}. فليس في هذا إباحة للذي في قلبه مرض أن يطمع في نساء المؤمنين وإمائهم، فهو زيادة أمر لا حتراز نساء النبي صلى الله عليه وسلم من الذين في قلوبهم مرض.
(3) الشريعة لم تدقق في التفاصيل، فالجلباب سواء كان على الكتف أم الرأس  ليس غاية في ذاته، ولكن المهم هو اللباس السابغ الساتر لكل ما أمر الله بستره أيًّا كان اسمه أو شكله فهذه وسيلة تختلف باختلاف البيئات والأزمان.
قال الشيخ القرضاوي : ((إن القرآن الكريم قد ينص على بعض الوسائل، لأنها هي القائمة والمعمول بها في وقت نزوله، لا ليتعبّدنا باتخاذها أبد الدهر، فإذا وجد ما هو مثلها أو خير منها فلا حرج في تركها واتخاذه، ويكفي أن أضرب مثلاً قول الله تعالى: )وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ ومن رباطٍ الخيل ترهبون به عدوّ الله وعدوّكم(، فإنما نص على رباط الخيل لأنه إحدى الوسائل القوية المعروفة في ذلك  الوقت، ولا حرج على المسلمين في عصرنا، وقبل عصرنا، إذا ما أعدوا بدل رباط الخيل، رباط الدبابات والمدرعات وغيرها، ما دامت تحقق الهدف الذي أومأت إليه الآية الكريمة، وهو إرهاب أعداء الله وأعداء المسلمين.

ومثل هذا يقال في لبس الجلباب فيمكن أن يستبدل به أي لباس آخر ما دام يحقق الهدف الذي أشارت إليه الآية كذلك في قوله تعالى: )ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين()).



أثر ابن عباس في تفسير آية الإدناء:
  • قال بن جرير حدثني علي، قال: ثنا أَبو صالح قال ثني معاوية عن علي عن ابن عباس، قوله {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلاليب ويبدين عينا واحدة.

طريق أبو صالح عبد الله بن صالح (كاتب الليث، ضعيف)، عن معاوية بن صالح (قاضي الأندلس)، عن علي بن أبي طلحة (مرسلاً)، عن ابن عباس. وهذه هي صحيفة علي بن أبي طلحة الهاشمي، التي رواها عن عبد الله بن صالح جمع غفير من أئمة أهل الحديث. وهي لا تصح لعدة أسباب:

أولاً: بسبب الانقطاع بين علي بن أبي طلحة وابن عباس، فقد اتفق الحفاظ على أن ابن أبي طلحة لم يسمعه من ابن عباس. قال الخليلي (ت 446هـ) في الإرشاد (1|394): «وأجمع الحفاظ على أن ابن أبي طلحة لم يسمعه (أي التفسير) من ابن عباس». أما زعم البعض أنه أخذه من ابن جبير أو من مجاهد أو عكرمة أو غيرهم (على اضطرابهم في هذا الأمر) فليس عليه دليل. لذلك قال الألباني في تعليقه على "التنكيل": «ولكن أين السند بذلك؟» (أي بتحديد الواسطة).
وقدح في صحيفة على بن أبى طلحة عن ابن عباس غير واحد من المحدثين، كابن منجوية والخليلي، والمحققين كابن تيمية وابن القيم، ومن المعاصرين مثل المعلمي وأحمد شاكر والألباني، وغيرهم.

ثانياً: اختلف العلماء في عبد الله بن صالح: منهم من جعله كذاباً، ومنهم من ضعّفه، ومنهم من صدقه. وجامع القول فيه ما قاله الإمام ابن حبان: «كان في نفسه صدوقاً، إنما وقعت له مناكير في حديثه من قبل جارٍ له. فسمعت ابن خزيمة يقول: كان له جار بينه وبينه عداوة. كان يضع الحديث على شيخ أبي صالح، ويكتبه بخط يشبه خط عبد الله، ويرميه في داره بين كتبه، فيتوهم عبد الله أنه خطه، فيحدّث به»

ثالثاً: معاوية بن صالح الحضرمي، فيه خلاف طويل كذلك. قال يعقوب بن شيبة: «قد حمل الناس عنه، و منهم من يرى أنه وسط ليس بالثبت ولا بالضعيف، و منهم من يضعفه». ولخص ابن حجر حاله في التقريب بقوله: «صدوقٌ له أوهام».

رابعاً: علي بن أبي طلحة (وهو علي بن سالم بن المخارق الهاشمي) قد تكلم بعض العلماء فيه، فوثقه بعضهم وضعفه بعضهم الآخر. قال عنه أحمد بن حنبل: «له أشياء منكرات». أما كلام أحمد أن صحيفة علي بن أبي طلحة تستأهل أن يسافر لها، فهذا ليس بتصحيح كامل لها.

ومن المنكرات التي تضمنتها تلك الصحيفة عند الطبري : حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قال {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن}... إلى قوله: {عورات النساء} قال: (الزينة التي يبدينها لهؤلاء: قرطاها وقلادتها وسوارها. فأما خلخالاها ومعضداها ونحرها وشعرها، فإنه لا تبديه إلا لزوجها) ، ومعناها أنه لا يجوز للمرأة أن تبدي شعر رأسها أمام أولادها.

أما مجرد انتقاء البخاري قطعا منها للتفسير عن ابن عباس معلقة لا يستلزم تصحيح الصحيفة كلها، والأمر نفسه يقال فيما يتعلق بإخراج ابن أبي حاتم والطبري لأجزاء منها. ولم يخرج البخاري لعلي ابن أبي طلحة في الصحيح شيئا. فقول: إن الصحيفة احتج بها البخاري في تراجم أبواب التفسير من صحيحه، فهذا غير دقيق، والأصح أن يقال: لقد علق البخاري نذراً يسيراً منها في التفسير اللغوي للقرآن وأشباهه، بسبب قرائن تشهد لذلك النذر اليسير بالصحة.

خامسا: هذا الأثر عن ابن عباس يخالف التفاسير الواردة لهذه الآية عن تلاميذ ابن عباس مجاهد وابن جبير وعكرمة، وهم ممن قيل إن علي بن أبي طلحة أخذ تفسيره عن ابن عباس عنهم، فعن عكرمة قال: ((تغطي ثغرة نحرها بجلبابها تدنيه عليها))، وعن مجاهد قال: ((تغطي الحُرَّة إذا خرجت  جبينها ورأسها خلاف حال الإماء))، وعن سعيد بن جبير قال: ((يسدلن عليهن من جلابيبهن وهو القناع فوق الخمار ولا يحل لمسلمة أن يراها غريب إلا أن يكون عليها القناع فوق الخمار وقد شدت بها رأسها ونحرها)).

ثم إنه مخالف لتفسير قتادة - وقتادة من تلامذة مجاهد- قال: "أخذ الله عليهن إذا خرجن أن يُقَنِّعن على الحواجب".

ثم إنه مخالف لما رواه علي بن أبي طلحة نفسه عن ابن عباس قال: حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} قال: «الزينة الظاهرة: الوجه، وكحل العين، وخضاب الكف، والخاتم».


سادسا: هذا الأثر عن ابن عباس مخالف لتفسيره الثابت عنه للزينة الظاهرة.

المعلم الثاني (من سورة النور):


تحديد قدر الزينة التي تبديها النساء للرجال الأجانب


قال تعالى: { وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} سوره النور31

بدا: تُقال إذا كان الشيئ خفيّاً ثم يظهر بجلاء ظهوراً غير متوقع.

ظهر: إذا كان الشئ متوقعاً (حدوثه مرتقب أو حاصل) يُقال له ظهر وهي عكس بدا.

الزينة: ما يحصل به الزَيْن. والزين: الحسن

أولاً: القرآن يرخص بإبداء (ما ظهر) منها, والبدو الظهور الواضح.

ثانياً: الوجه والكفان وما عليهما من زينة هو (ما ظهر) من المرأة عُرفاً.



إذَنْ معنى الآية أنه لا يصح للمرأة المؤمنة أن تُظهِر زينتها إظهارا واضحا {إلا ما ظهر منها} أي ما كان موضعه مما لا تستره المرأة في العادة كالوجه والكفان.



زينة المرأة ومواضعها:

مواضع الزينة هي الرأس، والشعر، والوجه، والعنق، والصدر، والعَضُدُ، والساعد، والكف، والساق، والقدم. فالرأس موضع التاج والإكليل، والشعر موضع القِصَاص، والوجه موضع الكحل، والعنق موضع القلادة، والصدر كذلك فالقلادة والوشاح قد ينتهي إلى الصدر، والأذن موضع القرط، والعَضُدُ موضع الدُمْلُوج، والساعد موضع السوار، والكف موضع الخاتم والخِضَاب، والساق موضع الخَلْخال، والقدم موضع الخِضَاب.

هذا وقد جاء تفسير الزينة الظاهرة عن السلف - بأسانيد صحيحة - علي أقوال:
   
الأول: أنها الثياب، وهو المروي عن ابن مسعود، من الصحابة. وإبراهيم النخعي، وعبيدة السلماني، وأبي الأحوص، وأبي إسحاق، من التابعين.

الثاني: أنها الوجه والكفان، وهو المروي عن ابن عباس، وابن عمر، من الصحابة. وعطاء، والأوزاعي، ومكحول، من التابعين.

الثالث: أنها الكحل والخاتم، وهو المروي عن أنس، والمسور بن مخرمة، من الصحابة. وعن قتادة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم (أضاف الخضاب)، من التابعين. ويلزم من ذلك جواز كشف مواقعها من بدن المرأة، أي كشف الوجه والكفين.

الرابع: أنها السوار والخاتم، وهو المروي عن عائشة، وأبي هريرة، من الصحابة.


الخامس: أنها الثياب والوجه، وهو المروي عن الحسن البصري، وعن الشعبي (الكحل والثياب)، وعكرمة (ثيابها وكحلها وخضابها) ، من التابعين.

قال ابن باديس:

(( وقد جاء تفسير الزينة الظاهرة عن السلف مرة بالوجه والكف ومرة بالكحل والخاتم.والثاني راجع للأول لأن الوجه محل الكحل والكف محل الخاتم.فالثاني فسّر علي حقيقة اللفظ والأول على المراد)).



كان مع الوجه والكفين
يظهر الأذنان والعنق والنحر
وما عليهما من زينة



ومن كتاب الرد المفحم للألباني ( ت سنة 1420 هـ):

سرد أسماء الصحابة الذين فسروا الإستثناء فيها بالوجه والكفين ، مع ذكر بعض مخرجيها ومن صحح بعضها، ليعلم القراء جهل من خالفها، أو أنكر شيئاً منها، أو ضلل من تمسك بها! 

1- عائشة رضى الله عنها.عبد الرزاق وابن أبي حاتم" الدر المنثور"و ابن أبي شيبة والبيهقي وصححه ابن حزم. 

2- عبد الله بن عباس رضى الله عنه. ابن أبي شيبة والطحاوي والبيهقي وصححه ابن حزم أيضاً وله عنه كما سبق سبعة طرق. 

3- عبد الله بن عمر رضى الله عنه. ابن أبي شيبة وصححه ابن حزم. 
4- أنس بن مالك رضى الله عنه. وصله ابن المنذر وعلقه البيهقي. 
5- أبو هريرة رضى الله عنه. ابن عبد البر في " التمهيد". 
6- المسور بن مخرمة رضى الله عنه. ابن جرير الطبري.



قال ابن أبي شيبة رحمه الله في " المصنف في: حدثنا زياد ابن الربيع عن صالح الدهان عن جابر بن زيد عن ابن عباس: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}: قال:الكف ورقعة الوجه". 

قلت: وهذا إسناد صحيح،لا يضعفه إلا جاهل أو مُغرض، فإن رجاله ثقات، فأبدأ بشيخ ابن أبي شيبة زياد بن الربيع، فهو ثقة دون أي خلاف يذكر، وقد احتج به البخاري في "صحيحه".

وصالح الدهان ثقة أيضاً، كما قال ابن معين. وقال احمد في "العلل" : " ليس به بأس ". وذكره ابن حبان في "الثقات" . 

وأما جابر بن زيد – وهو أبو الشعثاء الأزدي- فهو أشهر من أن يذكر، ومن ثقات التابعين المشهورين بالأخذ عن ابن عباس ، وخرَّج له الشيخان ، وشهد له ابن عباس بأنه من العلماء بكتاب الله وهو الذي تلقى عن ابن عباس تفسير (الإدناء) بقوله: " تدني الجلباب إلى وجهها، ولا تضرب به" وهو الذي كان يأمر هند بنت المهلب أن تضع الخمار على الجبهة، أي: وليس على الوجه. 
انتهي

ما جاء عن عبد الله بن عمر رضى الله عنه: 
قال ابن أبي شيبة في ((المصنف)) ( 3\546) : حدثنا شبابة بن سوار، قال: حدثنا هشام بن الغاز، قال : حدثنا نافع، قال ابن عمر: الزينة الظاهرة : الوجه والكفان. ورواه أيضا يحي بن معين كما في (الجزء الثاني من حديث يحيى بن معين برواية المروزي عنه) ص 90 رقم (14) قال ابن معين ثنا يحيى بن يمان ثنا هشام بن الغاز عن نافع عن ابن عمر قال : الكف والوجه. وهذا إسناد صححه ابن حزم والألباني .

ما جاء عن عائشة رضى الله عنها: 
ذكر السيوطي في الدر المنثور: أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد، وابن المنذر، والبيهقي في سننه، عن عائشة رضى الله عنها: أنها سئلت عن الزينة الظاهرة فقالت: القلب والَفَتخ، وضمت طرف كمها. وطرف الكم ينتهي عند المعصم
وفى السنن الكبرى للبيهقي عن عطاء بن أبي رباح ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : ما ظهر منها الوجه والكفان.
وفي مصنف بن أبي شيبة: وعن عائشة , ما ظهر منها الوجه والكفان , وروي عن بن عمر. 

ما جاء عن أنس رضى الله عنه:
روى ابن المنذر في "تفسيره" عن أنس بن مالك قال: «الكحل والخاتم». قال ابن حزم في المحلى : «وقد روينا عن ابن عباس في {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} قال: "الكف والخاتم والوجه". وعن ابن عمر: "الوجه والكفان". وعن أنس: "الكف والخاتم". وكل هذا عنهم في غاية الصحة. وكذلك أيضا عن عائشة، وغيرها من التابعين». 

ما جاء عن أبي هريرة رضى الله عنه: 
جاء في التمهيد لابن عبد البر: وقد روى عن أبي هريرة في قوله تعالى {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} قال القلب والفتخة رواه ابن وهب عن جرير بن حازم قال حدثني قيس بن سعد أن أبا هريرة كان يقول فذكره , قال جرير بن حازم القلب السوار والفتخة الخاتم.

ما جاء عن المسور بن مخرمة :
جاء في تفسير الطبري: حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ الزُّهْرِيّ , عَنْ رَجُل عَنِ الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَة , فِي قَوْله : { إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ : الْقُلْبَيْنِ , وَالْخَاتَم , وَالْكُحْل : يَعْنِي السِّوَار

ملاحظة: 
هذا التفسير من هؤلاء الصحابة ليس من قبيل الرأي الذي يحتمل الصواب أو الخطأ , فهؤلاء الصحابة عاصروا نزول الوحي , وهم أعرف الناس بعد النبي صلي الله عليه وسلم باللسان العربي المبين ومدلولاته والقرآن نزل بلغتهم , وكلامهم شهادة على قضية مشاهدة.




ما ورد عن التابعين في أن المستثنى هو الوجه وزينته والكف وزينتها:




1. عطاء بن أبي رباح :

أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن هشام بن الغاز قال: سمعت عطاء يقول: الزينة الظاهرة الخضاب والكحل.

وأخرج الطبري بسند صحيح عن عطاء أنه قال في قوله تعالى {إلا ما ظهر منها}: الكفان والوجه.

2. قتادة بن دعامة :
أخرج عبد الرزاق في تفسيره بسند صحيح عن قتادة في قوله تعالى {إلا ما ظهر منها}: المسكتان والكحل. ورواه من طريقه ابن جرير في تفسيره بسند صحيح عنه.
وأخرج الطبري في التفسير بسند صحيح عن قتادة في قوله تعالى {إلا ما ظهر منها}: الكحل والسواران والخاتم.

3. عبد الرحمن الأوزاعي :
أخرج الطبري في تفسيره بسند حسن أن الأوزاعي سئل عن قوله تعالى {إلا ما ظهر منها} قال : الكفين والوجه.

4. عبد الرحمن بن زيد بن أسلم :
أخرج الطبري في تفسيره بسند صحيح عنه أنه قال في قوله تعالى {إلا ما ظهر منها}: من الزينة الكحل والخضاب والخاتم ؛ هكذا كانوا يقولون وهذا يراه الناس.
وابن زيد بن اسلم وإن كان ضعيفا في روايته عن غيره كما هو معلوم إلا أنه صاحب تفسير كما قال الذهبي وصالح في نفسه كما قال أبو حاتم وهذا رأيه.

5. الحسن البصري :
أخرج ابن أبي الدنيا في العيال بسند صحيح عن الحسن قال: ما ظهر منها الوجه والثياب.
وأخرج الطبري بسندين صحيحين عن الحسن أنه قال: الوجه والثياب.
والسند الأول لا خلاف فيه وقد احبننا أن نذكر السند الثاني:
قال الطبري:حدثنا ابن بشار (وهو ثقة روى له الجماعة)، قال ثنا ابن أبي عدي (ثقة روى له الجماعة وشذ أبو حاتم في الحكم عليه)، وعبد الأعلى (وهو ابن عبد الأعلى وهو ثقة)، عن سعيد (هو ابن أبي عروبة ثقة معروف) ، عن قتادة ( وهو ثقة ربما دلس إلا أنه أعلم أصحاب الحسن كما قال أبو زرعة و أكبرهم كما قال أبو حاتم ) ، عن الحسن ، في قوله : {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} قال : الوجه والثياب.وهذا سند صحيح. 

6. الشعبي :
أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن الشعبي قال في قوله تعالى "إلا ما ظهر منها": الكحل والثياب.

7. مكحول :
أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح أن مكحول قال: الزينة الظاهرة الوجه والكفان.

8. عكرمة :
أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن عكرمة قال: "ما ظهر منها" قال: الوجه وثغرة النحر.
وفي جزء يحيى بن معين بسند صحيح عن عكرمة في قوله تعالى "إلا ما ظهر منها" قال: ثيابها وكحلها وخضابها.

قال ابن عاشور:
.
وقوله: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن} أعيد لفظ {ولا يبدين زينتهن} تأكيداً لقوله {ولا يبدين زينتهن} المتقدم وليبني عليه الاستثناء في قوله: {إلا لبعولتهن} إلخ الذي مقتضى ظاهره أن يعطف على {إلا لبعولتهن} لبعد ما بين الأول والثاني، أي ولا يبدين زينتهن غير الظاهرة إلا لمن ذُكروا بعد حرف الاستثناء لشدة الحرج في إخفاء الزينة غير الظاهرة في أوقات كثيرة، فإن الملابسة بين المرأة وبين أقربائها وأصهارها المستثنين ملابسة متكررة فلو وجب عليها ستر زينتها في أوقاتها كان ذلك حرجاً عليها.
.
قال ابن القطان في ( النظر في أحكام النظر) ( ت سنة 628 ﻫ) :
.
(( فمعني الآية :لايبدين زينتهن في مواضعها لأحد من الخلق إلا ما كان عادة ظاهرة عند التصرف, فما وقع من بدوه وإبدائه بغير قصد التبرج والتعرض للفتنة فلا حرج فيه , وبهذا يقع الفرق بين ما هو من الظاهرة ويظهر في العادة, إلا أن يستر بقصد كالوجه والكفين وما هو مستور إلا أن يظهر بقصد, يجوز لها إبداء الأول في أحوال التصرف والتبذل, ولايجب عليها تعاهده بالستر, ويحرم عليها إبداء الآخر في الأحوال كلها, ويجب عليها تعاهده بالستر حتي القدمين في حال المشي علي ما سنبين بعد إنشاء الله)).
((وإنما نعني بالعادة هنا عادة من نزل عليهم القرآن، وبلَّغوا عن النبي صلي الله عليه وسلم الشرع،وحضروا به خطاب المواجهة ، ومن لزم تلك العادة بعدهم إلى هلم جرَّا، لا لعادة النسوان وغيرهم المبدين أجسادهم وعوراتهم)) .
ثم قال الحافظ ابن القطان رحمه الله تعالى :(( فإن قيل : هذا الذي ذهبتَ إليه من أن المرأة معفوٌ لها عن بُدُوِ وجهها وكفيها , وإن كانت مأمورة بالسَّتر جهدها , يظهر خلافه من قوله تعالى{يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يؤذَين}.
فالجواب أن يقال : يمكن أن يفسَّر هذا ( الإدناء ) تفسيراً لا يناقض ما قلناه، وذلك بأن يكون معناه : يدنين عليهن من جلابيبهن ما لا يظهر معه القلائد والقرطة، مثل قوله{وليضربن بخمرهن على جيوبهن} ، فإن ( الإدناء ) المأمور به مطلقٌ بالنسبة إلى كل ما يطلق عليه (إدناء ) ، فإذا حملناه على واحد مما يقال عليه ( إدناء ) يقضي به عن عهدة الخطاب، إذ لم يطلب به كل (إدناء) ، فإنه إيجاب بخلاف النهي والنفي )).

حول تفسير ابن مسعود:
{ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} قال: الثياب

أولا: ليس في هذا القول نفي لكشف الوجه.ولا يوجد أثر ينفي هذا الفهم.وقد جمع الحسن بين القولين قال: الوجه والثياب.

ثانيا: إن ابن عباس وابن عمر وابن مسعود عاشوا في زمان واحد وفي مكان واحد وأمامهم نساء عهد نبوي واحد , فهل يعقل أن يري ابن عباس وابن عمر أن للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها ويري ابن مسعود أن علي المرأة سترهما ؟!

هذا التفسير من ابن مسعود مفسر بما ورد عن ابن مسعود نفسه كما أخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عنه قال: الزينة زينتان: زينة ظاهرة، وزينة باطنة لا يراها إلا الزوج. فأما الزينة الظاهرة: فالثياب، وأما الزينة الباطنة: فالكحل، والسوار والخاتم. فقد اقتصر في الزينة الخفية على ذكر الكحل والسوار والخاتم , ولم يذكر معها الوجه والكفين. والظاهر أنها لو كانت عنده مما لا يجوز كشفها لذكرها مع ما ذكر, لأنها الأولى بالذكر من الكحل والسوار والخاتم ليؤكد على عدم جواز كشف الوجه والكفين, كما تؤوّل عنه. 

نخلص من ذلك أن الوجه والكفين لا علاقة لهما بالزينة عند ابن مسعود, وأن تفسيره سواء للزينة الظاهرة أو الباطنة يعرض للزينة الخارجة عن الخلقة وليس للعضو المكشوف. وقد أخرج العينى فى نخب الأفكار بسند صحيح عن سعيد بن جبير عن ابن عباس {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} : الكحل والخاتم, وهذا ييبن أن الخلاف حول زينة الوجه وليس في الوجه نفسه.

إذَنْ لا يوجد تناقض بين تفسير (ابن عباس وابن عمر) وبين تفسير ابن مسعود في مسألة الوجه والكفين , فالأول كان للزينة الخَلقية والثانى كان للزينة الخارجة عن الخلقة.


قال أبو الطيب الطبري الشافعي (ت سنة 450 هـ) في شرح المزني وفي سياق الجدل مع الحنفية في عدم عورة القدمين :

(ودليلنا قوله تعالي {وَلاَيُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال ابن عباس: أراد الوجه والكفان. فإن قيل يعارض هذا بما ورد عن ابن مسعود في تفسير هذه الآية قال: الزينة الثياب والقرط والقلادة والدملج والخلخال. قلنا: لا ينافي هذا تفسير ابن عباس , وذلك أن ابن عباس ذكر زينة البدن , وابن مسعود ذكر زينة الثيابوالحلي).


وهذا كلام نفيس وجمع لم نره من غيره , وهو يدل أنه موجود عند الفقهاء في القرن الخامس وملتزم هذا الجمع أنه لا خلاف في تفسير الآية عندهم أصلا , وأنه لا يُقوِّل ابن مسعود ما اشتُهر فهمه عنه من أن الوجه والكفين عورة. (من كتاب التحيز وضرره علي الفكر والمعرفة)

هذا وقد وردت رواية أخري عن ابن مسعود فسر فيها الزينة الظاهرة بالوجه والثياب:

قال أبي طاهرٍ المُخَلِّصِ محمدِ بنِ عبدِالرحمنِ بنِ العباسِ البَغداديِّ الذَّهبيِّ (ت 393 هـ) في مصنفه : حدثنا ابنُ منيعٍ قالَ: حدثنا داودُ قالَ: حدثنا صالحٌ، عن مطرفٍ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي الأحوصِ ، عن عبدِاللهِ أنَّه قالَ في قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قالَ: الوجهُ والثيابُ.
قالَ: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} قالَ: القلادةُ والقرطُ والحجالُ، لا بأسَ بهؤلاءِ أَن يَروه.ُ
(الجزء الثامن من المُخَلِّصيَّاتُ) تحقيق نبيل سعد الدين جرار.


قال الألباني في "جلباب المرأة المسلمة":
هذا التفسير- وإن تحمس له بعض المتشددين- لا ينسجم مع بقيه الآية, وهي {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ... } فالزينة الأولي هي عين الزينة الثانية, كما هو معروف في الأسلوب العربي: أنهم إذا ذكروا إسماً معرفاً ثم كرروه , فهو هو , فإذا كان الأمر كذلك, فهل الأباء ومن ذكروا معهم في الآية لايجوز لهم أن ينظروا إلا إلي ثيابهن الباطنه؟!ولذلك قال الجصاص (ت:370هـ) في أحكام القرآن: قول ابن مسعود في أن ما ظهر منها هو الثياب لا معني له لأنه معلوم أنه ذكر الزينة والمراد العضو الذي عليه الزينة, ألا تري أن سائر ما تتزين به من الحلي والقلب والخلخال والقلادة يجوز أن تظهرها للرجال إذا لم تكن هي لابستها , فعلمنا أن المراد مواضع الزينة كما قال تعالي في نسق الآية {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ } إذ المراد به مواضعها قطعاً.وموضع الزينة عندنا هو الوجه والكفان,لأن الكحل زينة الوجه والخضاب والخاتم زينة الكف, فإذا أباح النظر إلي زينة الوجه والكف فقد اقتضي ذلك لا محالة إباحة النظر إلي الوجه والكف.

من استعراض لبعض أقوال المفسرين يتبين أن ثلاثة عشر مفسرا رجح اعتبار ما يظهر من الزينة ويشرع إبداؤه للرجال الأجانب هو زينة الوجه والكفين، وهؤلاء هم:

1. الطبري ..........ت سنة 310هـ 
2. الجصاص ........ت سنة 370هـ 
3. الواحدي ..........ت سنة 468هـ 
4. البغوي ............ت سنة 516هـ 
5. الزمخشري........ت سنة 528هـ 
6. ابن العربي .......ت سنة 543هـ
7. الفخر الرازي.....ت سنة 606هـ 
8. القرطبي ..........ت سنة 671هـ
9. الخازن ............ت سنة 725هـ 
10. أبو حيان ........ت سنة 754هـ 
11. أبو السعود.......ت سنة 528هـ
12. النيسابوري ......ت سنة 728هـ
13. ابن باديس .......ت سنة 1359هـ 

أما الذين رجحوا اعتبار الثياب هي الزينة الظاهرة فهم:
1. ابن الجوزي .. ت سنة 596هـ
2. البيضاوي ..... ت سنة 685هـ 
3. الشوكاني ...... ت سنة 1250هـ أضاف القدمين والكفين إلي الثياب
4. ابن كثير........ ت سنة 774هـ

وقد ذكر ابن كثير أن المشهور عند الجمهور تفسير {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} بالوجه والكفين.

ونحن إذ نقول إن ثلاثة عشر مفسرا قد رجح اعتبار الوجه والكفين هما الزينة الظاهرة لا نقصد بذلك أن الكثرة مؤشر دال علي الحق والصواب , ولكن لنبين لمعارضي مشروعية سفور الوجه أن القول بالمشروعية ليس بدعة جديدة ابتدعها المبهورون بحضارة الغرب الذين يرون في ستر الوجه تقليدا قديما باليا.

قال الطاهر بن عاشور: وفسر جمع من المفسرين الزينة بالجسد كله وفسر ما ظهر بالوجه والكفين . وعلى هذا التفسير فالزينة الظاهرة هي التي جعلها الله بحكم الفطرة بادية يكون سترها معطلاً الانتفاع بها أو مدخلاً حرجاً على صاحبتها وذلك الوجه والكفان، وجمهور الأئمة على أن استثناء إبداء الوجه والكفين من عموم منع إبداء زينتهن يقتضي إباحة إبداء الوجه والكفين في جميع الأحوال.

تفسير الإمام الطبري ودلالتة:
ورد في جامع البيان : وأولي الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عني بذلك الوجه والكفين , يدخل في ذلك إذا كان كذلك: الكحل والخاتم والسوار والخضاب, وإنما قلنا ذلك أولي الأقوال في ذلك بالتأويل "لإجماع الجميع" علي أن علي كل مصلي أن يستر عورته في صلاته, وأن للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها في صلاتها.... فإذا كان ذلك من جميعهم "إجماعا" كان معلوما بذلك أن تبدي من بدنها ما لم يكن عورة كما ذلك للرجال, لأن ما لم يكن عورة فغير حرام إظهاره.وإذا كان لها إظهار ذلك , كان معلوما أنه مما استثناه الله تعالي ذكره بقوله {إلا ما ظهر منها} لأن كل ذلك ظاهر منها.
هنا نلمح فيما أبداه من رأي دلالة هامه , ذلك أن رأيه في هذه القضية هو شهادة رجل علي عصره.فأمر الزي مما يعم تطبيقه المجتمع كله , ويستفيض العلم به بين العامة والخاصة.فلو كان ستر الوجه واجبا لعم واستفاض العلم به في عصر الطبري , أي في القرن الثالث الهجري , بل لعملت به أيضا عامة نساء المؤمنين ولم تخالفه إلا امرأة مستهترة مجاهره بالعصيان.

///

وأخيرا إذا تأملنا الروايات المختلفة نجد أن كل رواية تذكر بعض ما يمكن أن يستثني. وربما قصد القائل ما يستثني علي سبيل المثال لا الحصر.فالثياب من الزينة الظاهرة والوجه من الزينة الظاهرة واليدان من الزينة الظاهرة والكحل والخاتم والخضاب من الزينة الظاهرة.

ملاحظة: علي أقول المفسرين
.
بعض المفسرين ذكروا فى سورة الأحزاب ما رجحوا عكسه فى سورة النور وقد تم الإشارة إلى ذلك فى التعقيب على آية الجلباب ومن هؤلاء:
.
الجصاص.......أحكام القرآن
البغوي...........معالم التزيل
الزمخشري.....الكشاف
الفخرالرازي....مفاتيح الغيب
القرطبي........الجامع لأحكام القرآن
ابن العربي......أحكام القرآن
النسفي...........مدارك التنزيل
الخازن...........لباب التأويل
أبو حيان.........البحر المحيط
جلال المحلي....الجلالين
البقاعي...........نظم الدرر
أبو السعود.......إرشاد العقل السليم
إسماعيل حقي....روح البيان
ابن عبد السلام...تفسير القرآن
.
وهذه نماذج من أقوالهم:
.
• قال أبو بكرالرازي الجصاص الحنفي (ت:370هـ) في "أحكام القرآن" في تفسيره لقوله تعالى: {يدنين عليهن من جلابيبهن}: (وقال ابن عباس ومجاهد تغطي الحرة إذا خرجت جبينها ورأسها خلاف حال الإماء ...عن أم سلمة قالت لما نزلت هذه الآية يدنين عليهن من جلابيبهن خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من أكسية سود يلبسنها قال أبو بكر في هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيين ، وإظهار الستر و العفاف عند الخروج لئلا يطمع أهل الريب فيهن وفيها دلالة علي أن الأمة ليس عليها ستر وجهها وشعرها ... فجعل الستر فرقا يعرف به الحرائر من الإماء وقد روي عن عمر أنه كان يضرب الإماء ويقول اكشفن رؤوسكن ولا تشبهن بالحرائر). أحكام القرآن 371/3
.
وقال في آية الزينة: (قوله تعالى {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} إنما أراد به الأجنبيين دون الزوج وذوى المحارم لأنه قد بين فى نسق التلاوة حكم ذوى الأرحام فى ذلك وقال أصحابنا المراد الوجه والكفان لأن الكحل والخاتم زينة الوجه والخضاب والخاتم زينةالكف فإذا قد أباح النظر إلى زينة الوجه والكف فقد اقتضى ذلك لا محالة إباحة النظر إلى الوجه والكفين ويدل على أن الوجه والكفين من المرأة ليسا بعورة أيضا أنها تصلى مكشوفة الوجه واليدين فلو كانا عورة لكان عليها سترهما كما عليها ستر ما هو عورة وإذا كان ذلك جاز للأجنبى أن ينظر من المرأة إلى وجهها ويديها بغير شهوة فإن كان يشتهيها إذا نظر إليها جاز أن ينظر لعذر مثل أن يريد تزويجها أو الشهادة عليها أو حاكم يريد أن يسمع إقرارها).
.
فمع أن الجصاص نقل قول ابن عباس ومجاهد في تحديد معنى آية الإدناء أن الحرة تغطي جبينها ورأسها بخلاف الإماء إلا أن الظاهر أنه لم يضبط جيدا الفرق بين الحرة والأمة حيث قال: إن الأمة ليس عليها ستر الوجه والشعر، فظن أن التفريق بينهما يكون في كشف الأمة لوجهها وشعرها، وهذا ما ينقضه ما نقله في آخر كلامه عن عمر رضي الله عنه من أنه كان يضرب الإماء و يقول لهن: (اكشفن رؤوسكن ولا تشبهن بالحرائر) ومعلوم أن كشف الرأس المقصود منه كشف الشعرلا الوجه، فيطلق الرأس على الشعر ولا يطلق على الوجه. وهو ما يستقيم مع ما نقله عن أم سلمه والذي يفهم منه تغطية الرأس لا الوجه.
وفي تفسير قوله تعالي: {لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن} ، قال الجصاص ما يُفهم منه أن وجه المرأة ليس بعورة حيث قال: (ولو أعجبك حسنهن يدل على جواز النظر إلى وجه المرأة الأجنبية إذ لا يعجبه حسنها إلا وقد نظر إليها).
.
علي أن كلام الجصاص يحتمل أن المراد بقوله "مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيين" يعني علي الإباحة أو الاستحباب، فقد ذكر السرخسي قول الجصاص: (أن هذا لا يسمي أمرا حقيقة، وإن كان الإسم يتناوله مجازا). أو يكون قصاري ما قاله في التفسير لو أخذ علي ظاهره أن يكون مختصا به ورأيا له، ولكن لا يحمل عليه فقه الحنفية ويجعل مذهبهم، فهو نفسه في الشرح المذهبي لم يعدل عن المعروف في المذهب كما سيأتي في فصل "الدليل علي أن العورة واحدة".
.
• قال البغوي (ت:516هـ) في "معالم التنزيل": وقال ابن عباس وأبو عبيدة: أمر نساء المؤمنين أن يغطين رؤوسهن ووجوههن بالجلابيب إلا عيناً واحدة ليعلم أنهن حرائر.
.
وقال فى آية الزينة: { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } يعني: الزينة الخفية التي لم يبح لهن كشفها في الصلاة ولا للأجانب وهو ما عدا الوجه والكفين.
.
• قال الزمخشري (ت:538 هـ) في"الكشاف": ومعنى {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ} يرخينها عليهن، ويغطين بها وجوههن وأعطافهن.يقال: إذا زل الثوب عن وجه المرأة: أدنى ثوبك على وجهك.
.
وقال فى آية الزينة: الزينة ما تزينت به المرأة من حلي أو كحل أو خضاب، فما كان ظاهراً منها كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب، فلا بأس بإبدائه للأجانب... فإن قلت: ما المراد بموقع الزينة؟ ذلك العضو كله، أم المقدار الذي تلابسه الزينة منه؟ قلت: الصحيح أنه العضو كله ... فإن قلت: لم سومح مطلقاً في الزينة الظاهرة؟ قلت: لأن سترها فيه حرج فإن المرأة لا تجد بدّاً من مزاولة الأشياء بيديها، ومن الحاجة إلى كشف وجهها، خصوصاً في الشهادة والمحاكمة والنكاح، وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها، وخاصة الفقيرات منهن، وهذا معنى قوله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} يعني إلاّ ماجرت العادة والجبلة على ظهوره والأصل فيه الظهور.
.
• قال الرازي (ت:606 هـ) في "مفاتيح الغيب": وقوله: {ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ } قيل يعرفن أنهن حرائر فلا يتبعن ويمكن أن يقال المراد يعرفن أنهن لا يزنين لأن من تستر وجهها مع أنه ليس بعورة لا يطمع فيها أنها تكشف عورتها فيعرفن أنهن مستورات لا يمكن طلب الزنا منهن.
.
• وقال فى آية الزينة: اختلفوا في المراد من قوله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أما الذين حملوا الزينة على الخلقة، فقال القفال معنى الآية إلا ما يظهره الإنسان في العادة الجارية، وذلك في النساء الوجه والكفان... ولما كان ظهور الوجه والكفين كالضروري لا جرم اتفقوا على أنهما ليسا بعورة... وأما الذين حملوا الزينة على ما عدا الخلقة... كان ذلك مبالغة في حرمة النظر إلى أعضاء المرأة، وعلى هذا القول يحل النظر إلى زينة وجهها من الوشمة والغمرة وزينة بدنها من الخضاب والخواتيم وكذا الثياب، والسبب في تجويز النظر إليها أن تسترها فيه حرج لأن المرأة لا بد لها من مناولة الأشياء بيديها والحاجة إلى كشف وجهها في الشهادة والمحاكمة والنكاح.
.
• قال القرطبي (ت:671هـ) في "الجامع لأحكام القرآن": لما كانت عادة العربيات التبذّل، وكن يكشفْن وجوههن كما يفعل الإماء، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن، وتشعب الفكرة فيهن، أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمرهن بإرخاء الجلابيب عليهن إذا أردن الخروج إلى حوائجهن...واختلف الناس في صورة إرخائه؛ فقال ابن عباس وعَبيدة السَّلْمانيّ: ذلك أن تلوِيه المرأة حتى لا يظهر منها إلا عين واحدة تُبصر بها. وقال ابن عباس أيضاً وقتادة: ذلك أن تلويه فوق الجبين وتشدّه، ثم تعطِفه على الأنف، وإن ظهرت عيناها لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه.
.
وقال فى آية الزينة: لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورَهما عادةً وعبادةً وذلك في الصلاة والحج، فيصلح أن يكون الاستثناء راجعاً إليهما... فهذا أقوى في جانب الاحتياط؛ ولمراعاة فساد الناس فلا تُبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفّيها، والله الموفق لا ربّ سواه.
.
• قال ابن العربي المالكي (ت:543هـ) في "أحكام القرآن" في تفسير آية الحجاب: اللَّهَ أَذِنَ فِي مُسَاءَلَتِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ فِي حَاجَةٍ تَعْرِضُ أَوْمَسْأَلَةٍ يُسْتَفْتَى فِيهَا والمرأة كلها عورة ، بدنها ، وصوتها ، فلا يجوز كشف ذلك إلا لضرورة ، أو لحاجة ، كالشهادة عليها ، أو داء يكون ببدنها ، أو سؤالها عما يَعنُّ ويعرض عندها .
.
وقال فى آية الزينة: واختلف في الزينة الظاهرةعلي ثلاثة أقوال: الأول: أنها الثياب يعني أنها يظهر منها ثيابها خاصة، قاله ابن مسعود.الثاني: الكحل والخاتم، قاله ابن عباس والمِسْوَرُ. الثالث:أنه الوجه والكفان... والصحيح أنها من كل وجه هي التي في الوجه والكفين، فإنها التي تظهر في الصلاة، وفي الإحرام عبادة، وهي التي تظهر عادة.
.
• قال النسفي الحنفي (ت:701هـ) في تفسيره "مدارك التنزيل وحقائق التأويل" في تفسيره لقوله تعالى { يدنين عليهن من جلابيبهن} "يرخينها عليهن ويغطين بها وجوههن وأعطافه".
.
وقال في آية الزينة: (إلا ما ظهر منها) إلا ماجرت العادة والجبلة على ظهوره وهو الوجه والكفان والقدمان ففى سترها حرج بين فإن المرأة لا تجد بدا من مزاولة الأشياء بيديها ومن إلى كشف وجهها خصوصا فى الشهادة والمحاكمة والنكاح وتضطر إلى المشى فى الطرقات وظهور قدميها وخاصة الفقيرات منهن.
.
• قال الخازن (ت 725 هـ) في "تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل": أي يرخين ويغطين {عليهن من جلابيبهن} جمع جلباب وهو الملاءة التي تشمل بها المرأة فوق الدرع والخمار، وقيل هو الملحفة وكل ما يستتر به من كساء، وغيره. قال ابن عباس: أمر نساء المؤمنين أن يغطين رؤوسهن ووجوههن بالجلابيب إلا عينا واحدة ليعلم أنهن حرائر
وقال في آية الزينة: والمراد من الزينة النظر إلى مواضعها من البدن {إلا ما ظهر منها} يعني من الزينة قال سعيد بن جبير والضحاك والأوزاعي الوجه والكفان. وقال ابن مسعود هي الثياب. وقال ابن عباس هي الكحل والخاتم والخضاب في الكف فما كان من الزينة الظاهرة يجوز للرجل الأجنبي النظر إليه للضرورة مثل تحمل الشهادة ونحوه من الضرورات إذا لم يخف فتنة وشهوة فإن خاف شيئاً من ذلك غض البصر وإنما رخص في هذا القدر للمرأة أن تبديه من بدنها لأنه ليس بعورة وتؤمر بكشفه في الصلاة.
.
• قال أبو حيان (ت:754هـ) في "البحر المحيط": كان دأب الجاهلية أن تخرج الحرة والأمة مكشوفتي الوجه في درع وخمار، وكان الزناة يتعرضون إذا خرجن بالليل لقضاء حوائجهن في النخيل والغيطان للإماء، وربما تعرضوا للحرة بعلة الأمة، يقولون: حسبناها أمة، فأمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء، بلبس الأردية والملاحف، وستر الرؤوس والوجوه، ليحتشمن ويهبن، فلا يطمع فيهن.
.
وقال فى آية الزينة: {ولا يبدين زينتهن} واستثنى ما ظهر من الزينة، والزينة ما تتزين به المرأة من حلّي أو كحل أو خضاب، فما كان ظاهراً منها كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب فلابأس بإبدائه للأجانب... وسومح في الزينة الظاهرة لأن سترها فيه حرج فإن المرأة لا تجد بدًّا من مزاولة الأشياء بيدها ومن الحاجة إلى كشف وجهها خصوصاً في الشهادة والمحاكمة والنكاح.
.
• قال جلال الدين المحلى (ت:864هـ) في "تفسير الجلالين": {يدنين عليهن من جلابيبهن} جمع جلباب وهي الملاءة التي تشتمل بها المرأة، أي يُرخِين بعضها على الوجوه إذا خرجن لحاجتهنّ إلا عيناً واحدة .
.
وقال فى آية الزينة: {وَلاَ يُبْدِينَ(يُظهرن {زينتهن إلا ماظهر منها} وهو الوجه والكفان فيجوز نظره لأجنبي إن لم يخف فتنة في أحد وجهين والثاني يحرم لأنه مظنة الفتنة ورجح حسما للباب{وليضربن بخمرهن علي جيوبهن} أي يسترن الرؤوس والأعناق والصدور بالمقانع {ولا يبدين زينتهن} الخفية، وهي ما عدا الوجه والكفين{إلالبعولتهن} جمع بعل أي زوج.
..
• قال البقاعي (ت:885هـ) في "نظم الدرر في تناسب الآيات والسور":{ونساء المؤمنين يدنين} أي يقربن {عليهن} أي على وجوهن وجميع أبدانهن, فلا يدعن شيئاً منها مكشوفاً.
.
وقال فى آية الزينة: {إلا ما ظهر منها} أي كان بحيث يظهر فيشق التحرز في إخفائه فبدا من غير قصد كالسوار والخاتم والكحل فإنها لا بد لها من مزاولة حاجتها بيدها ومن كشف وجهها في الشهادة ونحوها... وللتأكيد {زينتهن} أي الخفية في أي موضع كانت من عنق أو غيره، وهي ما عدا الوجه والكفين، وظهور القدمين.
.
• قال ابو السعود (ت:951هـ) في "إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم" في تفسير آية الجلاليب: أي يغطين بها وجوههن وأبدانهن إذا برزن لداعية من الدَواعِي.
.
وقال فى آية الزينة: والمُستثنى هو الوجهُ والكفَّانِ لأنَّها ليستْ بعورةٍ.
.
• قال اسماعيل حقي (ت:1127هـ) في "روح البيان في تفسير القرآن" في تفسير آية الإدناء: والمعنى يغطين بها وجوههن وابدانهن وقت خروجهن من بيوتهن لحاجة ولا يخرجن مكشوفات الوجوه والابدان كالاماء حتى لا يتعرض لهن السفهاء ظنا بانهن اماء.
.
وقال فى آية الزينة: { ولا يبدين زينتهن } فضلا عن ابداء مواقعها يقال بدا الشىء بدوا وبدوّا اى ظهر ظهورا بينا وابدى اى اظهر {الا ما ظهر منها} [خاتم وثياب وكحل وخضاب] فان فى سترها حرجا بينا، قال ابن الشيخ الزينة ما تزينت به المرأة من حلى او كحل او ثوب او صيغ فما كان منها ظاهرا كالخاتم والفتخة وهى مالا فص فيه من الخاتم والكحل والصبغ فلا بأس بابدائه للاجانب بشرط الامن من الشهوة وما خفى منها كالسوار والدملج وهى خلقة تحملها المرأة على عضدها والوشاح والقرط فلا يحل لها ابداؤها الا للمذكورات فيما بعد بقوله { الا لبعولتهن } الآية.
.
• قال ابن عبد السلام (ت:660هـ) في "تفسير القرآن": الجلباب: الرداء، أو القناع أو كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها وإدناؤه أن تشد به رأسها وتلقيه فوق خمارها حتى لا ترى ثغرة نحرها، أو تغطي به وجهها حتى لا تظهر إلا عينها اليسرى.
.
وقال فى آية الزينة: {زِينَتَهُنَّ} الزينة ما أدخلته على بدنها حتى زانها وحسَّنها في العيون كالحلي والثياب والكحل والخضاب، وهي ظاهرة وباطنة فالظاهرة لا يجب سترها ولا يحرم النظر إليها { إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } الثياب، أو الكحل والخاتم ، أو الوجه والكفان، والباطنة: القرط والقلادة، والدملج والخلخال.
.
توجيه صنيع المفسرين:
.
وكان المفسرون يدونون كل ما فى الباب من الأحاديث والأخبار اعتقادا منهم أنهم إذا ساقوا الحديث بإسناده أنهم برئوا من عهدته, وذلك خشية ضياع شيء يستطيعون جمعه ولو كان غير صحيح الإسناد لاحتمال أن يكون فيها بعض فائدة إيضاح بعض ما أجمل من الأنباء فى الكتاب الكريم لا لتكون تلك الروايات حقائق فى نظر المسلمين يراد اعتقاد صحتها والأخذ بها على علاتها بدون تمحيص, تاركين أمر نقدها وفحصها لمن بعدهم من النقاد.

المعلم الثالث (من سورة النور):

أمر النساء بتغطية العنق والصدر بطرف الخمار

قال تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنّ}

إرشاد إلى كيفية إخفاء بعض مواقع الزينة 

الضرب : الوقع بشده وتمكين الوضع والمبالغة فيه

الخُمُر: جمع خِمار وهو بالنسبة للمرأة غطاء الرأس

الجيوب: جمع جيب وهو فتحة الصدر من القميص ونحوه

فالمعني لي الخمار على العنق والصدر ولم يؤمر بلبسه على الوجه.

• عن عائشة رضى الله عنها قالت:" يرحم الله نساء المهاجرين الأُوَل لما أنزل الله {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنّ} شققن مروطهن فاختمرن بها, وفي رواية أخذن أزرهن فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها".(رواه البخارى)

مروطهن: جمع مرط وهو كل ثوب غير مخيط تتلفع به المرأة أو تجعله حول وسطها.

حاشية : جانب الشئ وطرفه.


نزل حكم
{وليضربن بخمرهن على جيوبهن}
لتستر المرأة بخمارها
 الأذنين والعنق والنحر




قال ابن جرير: وقوله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنّ} يقول تعالى ذكره وليلقين خمرهن وهى جمع خمار على جيوبهن، يسترن بذلك شعورهن وأعناقهن وقرطهن. 



قال ابن حزم (ت سنة 456هـ): فأمرهن الله تعالى بالضرب بالخمار على الجيوب وهذا نص على ستر العورة والعنق والصدر وفيه نص على إباحة كشف الوجه لا يمكن غير ذلك.



قال ابن القطان الفاسي : ( ويتأيد المعنى الذي حملنا عليه الآية من أن الظاهر هو الوجه والكفان بقوله تعالى المتقدم متصلا به : {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنّ} فإنه يفهم منه أن القرطة قد يغفلن عند بدو وجوههن عن تعاهد سترها فتنكشف فأمرن أن يضربن بالخمر على الجيوب حتى لا يظهر شيء من ذلك إلا الوجه الذي من شأنه أن يظهر حين التصرف إلا أن يستر بقصد وتكلف مشقة وكذلك الكفان.
وذكر أهل التفسير أن سبب نزول الآية هو أن النساء كن وقت نزولها إذا غطين رؤوسهن بالخمر يسدلنها خلفهن كما تصنع النبط فتبقى النحور والأعناق بادية فأمر الله سبحانه بضرب الخمر على الجيوب ليستر جميع ما ذكر. وبالغ في امتثال هذا الأمر نساء المهاجرين والأنصار فزدن فيه تكثيف الخمر) .انتهي

إذَنْ راعَى الشارع الحكيم زِيَّ المرأة من أعلى فقال {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ} ومـن الأدنى فقال: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ}

قال ابن كثير: قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثني الزنجي بن خالد حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن صفية بنت شيبة قالت: بينا نحن عند عائشة قالت: فذكرن نساء قريش وفضلهن فقالت عائشة -رضى الله عنها-: إن لنساء قريش لفضلاً, وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقًا بكتاب الله ولا إيمانًا بالتنزيل لقد أنزلت سورة النور: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن}. انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى ذي قرابته فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها المرحل فاعتجرت به تصديقًا وإيمانًا بما أنزل الله من كتابه فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان.

الحديث ضعفه الألباني وغيره , والاعتجار بمعنى الاختمار ففي(الصحاح): والمعجر ما تشده المرأة على رأسها, يقال: اعتجرت المرأة.



المعلم الرابع (من سورة النور):


إخفاء زينة الساقين


قال تعالى: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}

الضرب بالأرجل إيقاع المشي بشدة .

قال ابن حزم: هذا نص على أن الرجلين والساقين مما يخفي ولا يحل ابداؤه.

ووجوب ستر الساقين ورد في حديث فاطمة بنت قيس حيث قال لها صلي الله عليه وسلم (فإني أكره أن يسقط عنك خمارك أو ينكشف الثوب عن ساقيك فيرى القوم منك بعض ما تكرهين).



تعقيب على الآيات من سورة الأحزاب وسورة النور

بعد عرض هذه الآيات من سورة الأحزاب وسورة النور نحب أن نوضح أن آية سورة الأحزاب {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ} ترسم أدبا خاصاً بخروج المؤمنات متميزات عن الإماء بإدناء الجلاليب وذلك صيانة لهن من أذي السفهاء , ثم نزلت آيات سورة النور ترسم النهج الواجب لتنظيم رؤية الرجال النساء ورؤية النساء الرجال , ودفع الفتنة المشتركة بينهما , وذلك:



أولا : بأمر الفريقين بالغض من أبصارهم , قال تعالى : {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} , {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}.


وثانيا : بتضييق مجال فتنة زينة المرأة إلى أقصي حد ممكن. فقد كانت المرأة تضع الخمار على رأسها وتسدله من وراء ظهرها فيظهر منها مع الوجه والكفين الأذنان والعنق والنحر , كما يظهر ما على هذه الأعضاء من زينة , فالكحل في العينين والخضاب في اليدين والأقراط في الأذنين والقلادة في النحر. فجاء قوله تعالى {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} يأمر باخفاء زينة المرأة باستثناء ما كان ظاهراً منها أي ما كان من طبيعته الظهور حسب العرف القائم , وكانت تلك الزينة المذكورة كلها تظهر عادة مع ستر المرأة بدنها بالخمار والدرع السابغ فنزل قوله تعالي {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ} لتستر المرأة بخمارها الأذنين والعنق والنحر , فيضيق بذلك مجال الزينة الظاهرة ويقتصر الإبداء على ما في الوجه والكفين فضلا عن الثياب ولاشئ أكثر من ذلك. ولو أن الخمار لم يضرب على الجيب لظلت زينة الأذنين والعنق والنحر ظاهرة , وهذا غير مقصود الشارع , كما أنه لو كان مقصود الشارع ستر الوجه أيضا لأمر بضرب الخمار على الوجه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق