قال الإمام سفيان الثوري: (إنما العلم الرخصة من ثقة ، أما التشديد فيحسنه كل أحد).

التشديد في حقيقته هو الاجتهاد الأسهل وليس الاجتهاد الأفضل

الجمعة، 16 ديسمبر 2011

تعقيب علي الحوار مع المعارضين لسفور الوجه


لابد لنا من وقفة طويلة لكي نفهم معني الحجاب الذي فرض علي نساء النبي بوجه خاص دون غيرهن من المؤمنات.إنه حجاب واحد فحسب وقد فرض بصورة جلية لا مجال للتأويل فيها , حجاب واحد هو حجب أشخاصهن عن الرؤية :{فاسألوهن من وراء حجاب} أما أصواتهن فلم تحجب , وكذلك أصوات الرجال لم تحجب عنهن , أي أن التعامل مع الرجال يتم لكن من وراء حجاب.وأما تحركاتهن فلم تمنع , فكان الرسول يصحبهن في أسفاره.وأما نشاطهن فلم يُحْظَر , سواء أكان نشاطا تعبديا أو اجتماعيا أو سياسيا.وفوق ذلك كله لم يقف اهتمامهن بالعالم الخارجي , وظلت منافذ الاطلاع علي العالم الخارجي متوافرة , وظل تعاملهن مع العالم الخاجي نشيطا.
أما المسلمون في عصور الانحطاط الطويلة جعلوا من هذا الحجاب الذي فرض علي نساء النبي صلي الله عليه وسلم دون نسائهم حجبا كثيفة متراكمة بعضها فوق بعض.ولو أنهم اقتصروا علي ستر وجه المرأة المسلمة بنقاب يظهر العينين ومحجريهما لقلنا أمر كان من عادات بعض النساء في الجاهلية وأقره رسول الله , ولكنهم ستروه بغطاء يخفي وجهها كله بصورة غريبة أحيانا وبصورة منفرة أحيانا. 

ويا ليتهم ستروا وجهها فقط ولم يحجبوا صوتها , وهذا علي رغم الإباحة الواردة في قوله تعالي{وقلن قولا معروفا}

ويا ليتهم ستروا وجهها فقط ولم يحجبوها عن المسجد وهذا علي رغم قول الرسول (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله} وعلي رغم حضور صحابيات كريمات صلاة الفريضة وصلاة التراويح وصلاة الكسوف وصلاة الجنازة في مسجد رسول الله.

ويا ليتهم ستروا وجهها ولم يحجبوها عن الاحتفال بالعيد وهذا علي رغم الحديث الشريف (أمرنا نبينا أن نخرج العواتق وذوات الخدور ...ليشهدن الخير ودعوة المسلمين)

ويا ليتهم ستروا وجهها ولم يحجبوها عن المحاضرات والندوات وهذا علي رغم الحديث الشريف (جاءت امرأة إلي رسول الله فقالت : يارسول الله ذهب الرجال بحديثك ( وفي رواية : غلبنا عليك الرجال ) فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله , فقال: اجتمعن يوم كذا و كذا في مكان كذا و كذا)

ويا ليتهم ستروا وجهها ولم يحجبوها عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا علي رغم قول أم الدرداء لعبد الملك بن مروان : لعنت خادمك ورسول الله يقول : لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة.
ويا ليتهم ستروا وجهها ولم يحجبوها عن العمل لكسب عيشها عند الحاجة وهذا علي رغم قول الرسول للمرأة في فترة العدة : جدي نخلك فإنك عسي أن تصدقي أو تفعلي معروفا.

ويا ليتهم ستروا وجهها ولم يحجبوها عن الإسهام في الجهاد بتضميد الجرحي وسقي العطشي ثم بالقتال يوم تدعو الحاجة وهذا رغم ما هو معروف من إسهام الصحابيات في عدة غزوات.

ويا ليتهم ستروا وجهها ولم يحجبوها عن النشاط الاجتماعي السياسي وهذا علي رغم ماهو ثابت من أن أم شريك كانت تفتح بيتها للضيفان ومن أن بعض النساء قد شهدن بيعة العقبة قبل الهجرة كما بايع كثير منهن رسول الله بعد الهجرة وعلي رغم قول رسول الله : (قد أجرنا من أجرت يا أم هانيء)

ويا ليتهم ستروا وجهها عن الناس جميعا ولم يحجبها عمن جاء يخطبها وذلك علي رغم قول الرسول للخاطب : (...فاذهب فانظر إليها)

ويا ليتهم ستروا وجهها ولم يحجبوا وصف مظهر الخارجي وكأن هو الآخر عورة ينبغي ستره مخافة أن يفتن الرجال بذكره رغم ما ورد في السنة :سفعاء الخدين بيضاء , وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة , ووقعت في سهم دحية امرأة جميلة

ويا ليتهم ستروا وجهها ولم يحجبوا أخبارها وكأن أخبارها عورة كوجهها فينبغي سترها وذلك رغم ورود أخبار النساء في القرآن والسنة ففي القرآن أخبار امرأة العزيز وصواحبها وفي السنة كثير من أخبار أزواج النبي وكذلك أخبار عدد ليس بالقليل من الصحابيات كخبر أم سليم حين تجملت وتهيأت لزوجها يوم وفاة ولدها وخبر أسماء بنت أبي بكر وحسن حيلتها مراعاة منها لغيرة زوجها وخبر أسماء بنت عميس وشجاعتها في مواجة عمر بن الخطاب.

ويا ليتهم ستروا وجهها ولم يحجبوا اسمها مخافة أن يفوح من ذكر ريح الجنس وهذا علي رغم قول تعالي :{ومريم ابنة عمران} وقول رسوله (دخلت علي عائشة) (وقلت لحفصة) (وهذه صفية).

لابد إذن من تحرير الخلاف كما يقول الفقهاء أي لابد من تحديد القضية التي يدور حولها الصراع , ذلك الصراع المرير.القضية ليست هي ستر الوجه أو سفوره بل القضية أكبر من ذلك , هي حجب هذا الإنسان عن العالم وحرمانه الخبرة والوعي , تجهيله و"تحديد إقامته" , حرمان المجتمع من خير يمكن أن تؤديه المرأة , إضافة إلي مهمتها الأساسية في رعاية بيتها وحسن تبعُّلها.القضية هي تحرير المرأة المسلمة لتمارس حياتها كاملة وتتفاعل مع الحياة الجادة الخيرة.وما سفور الوجه غير عامل مساعد في هذا التحرير.

*****
من كتاب (تحرير المرأة في عصر الرسالة)
عبد الحليم أبو شقة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق