قال الإمام سفيان الثوري: (إنما العلم الرخصة من ثقة ، أما التشديد فيحسنه كل أحد).

التشديد في حقيقته هو الاجتهاد الأسهل وليس الاجتهاد الأفضل

الجمعة، 9 ديسمبر 2011

كلام عن الاختلاط للشيخ محمد بن الحسن الددو الشنقيطي




لابد أن ننزل المنهج الوسطي من هدي النبي صلي الله عليه وسلم وسلفنا الصالح إلى أعمالنا كلها وأن نعرض عليه صغريات أمورنا وحياتنا وواقعنا، فمن هذه الأمور التي ينبغي أن تعرض على هذا المنهج الوسطي المستقيم ما يتعلق بمعاملة النساء وخلطتهن، فهذا الجانب المنهج المستقيم فيه أن المرأة أخت الرجل، وأن بينهما من التعاون على البر والتقوى ما شرع لهما، وأن كل واحد منهما مكلف حرم الله عليه أشياء وأوجب عليه أشياء، وحد له حدودا لا يمكن تعديها، وأن كل واحد منهما مسؤول عن رعاية هذا الدين ونصرته، وأن الإفراط بتجاوز هذا المنهج مقيت وأن التفريط بالتقصير دونه مقيت شرعا.



والناس في هذا الباب في خلطة النساء يجمعون بين الأمرين، بين الإفراط والتفريط، ففي مجال الإفراط نجد بعض الناس يزدري النساء ولا يحترمهن كبشر ولا يقدرهن هذا التقدير، ولا يشاور ولا يستفتي في أمور الدين النساء ولو كن أعلم وأعقل منه، مع أن الله أمرهن بتعليم الناس فقال: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة}، وإذا أفتته امرأة فتوى لم يثق بها، فهذا إنما هو إفراط لا خير فيه وتفريط في حق المرأة نفسها، ومثل ذلك في المقابل الإفراط بتجاوز الحد في ما يتعلق بالتعامل معهن كالاختلاط المحرم والخلوة المحرمة، وكلام الريبة والخضوع بالقول، وكل ذلك مما حرم الله وهو من الحدود الخارجة عن المنهج السوي المستقيم

ونجد أيضا بعض الناس في هذا المجال في التعامل مع النساء يفرط ويبالغ فلا يظن أنه عليه أن يرد السلام على المرأة إذا سلمت عليه، ويظن أن النساء أيضا لا يسلمن على الرجال ولا يشمتن عاطسا، فيتكلم مع المرأة في أمور الدنيا لكن إذا عطس لا تشمت له، وإذا سلم لا ترد عليه ولا يرد عليها، فتركا الأمر الواجب المأمور به شرعا الذي هو من الحقوق الشرعية حقوق الأخوة الإسلامية، وهو يخوض في الحديث وأطرافه بل ربما كان الحديث الذي يخوضان فيه مما لا يحل الخوض فيه أصلا كالخضوع بالقول وأحاديث الريبة , يتكلمان في الريبة ولا يرد أحدهما السلام على الآخر ولا يشمته إذا عطس، ولا شك أن هذا جمع بين الإفراط والتفريط، ونجد بعض الناس لا يدخل على النساء في بيت إذا أراد تدريسهن يجعل بينه وبينهن حائلا مثلا ، أو يأمرهن بمغادرة المسجد ، أو يمنعهن من الذهاب إلى الدروس ، أو يمنعهن من الذهاب إلى المحاضرات وكل هذا مخالف للمنهج النبوي فإن رسول الله قال: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ، وكان يدرس النساء وكن يجلسن إليه ، وقد قلن له يا رسول الله أنا وافدة النساء , يقلن إن إخواننا من الرجال غلبونا عليك فاجعل لنا يوما من نفسك فجعل لهن يوم الخميس، ولم يكن رسول الله يجعل بينه وبين النساء حاجزا ، بل كن يصلين معه في المسجد ، فكان يقول: خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها وكان يأمر الرجال أن لا ينصرفوا حتى ينصرف النساء ، وكان يأمر النساء أن لا يرفعن أبصارهن حتى يجلس الرجال من السجود لئلا ينكشف عليه شيء من عورات الرجال

وكن يشهدن معه الفجر متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس، وكن يشهدن معه صلاة العيد والاستسقاء والجمع، وفي حديث أم عطية كنا نأمر بإخراج العواتق والحيض وربات الخدور يشهدن الخير ويكثرن سواد المسلمين ، وكان رسول الله يسلم عليهن ، ويرد عليهن السلام ويعودهن إذا مرضن ، وكان أصحابه يفعلون ، وفي صحيح البخاري أن أبا بكر قال لعمر بعد موت النبي صلي الله عليه وسلم تعال بنا نزر أم أيمن كما كان رسول الله يزورها، فلما دخلا عليها بكت فقالا لها: أما علمت أن ما عند الله خير لرسول الله من هذه الدنيا ، فقالت: أما إني لا أبكي لأني لا أعلم أن ما عند الله خير لرسول الله من هذه الدنيا ولكني أبكي لانقطاع الوحي من السماء فهيجتهما على البكاء فبكيا ثم قاما ، وكان عمر رضي الله عنه يزور العجائز من الأنصار ويخدمهن فكان يحتلب الشاة لعجوز من الأنصار يحلب لها شاتها ، وخرج ذات ليلة يعس فسمع عجوزا من الأنصار تضرب وبرآ وهي تقول:

على محمد صلاة الأبرار** صلى عليك الطيبون الأخيار
قد كنت قواما بكا بالأسحار** يا ليت شعري والمنايا أطوار
هل تجمعني وحبيبي الدار
فجلس عمر على بابها يبكي، حتى طلع الفجر

وقد خرج رسول الله ذات ليلة في زقاق من أزقة المدينة، فمر على باب عجوز من الأنصار فإذا هي تقرأ القرآن فوقف رسول الله يستمع إلى قراءتها فقرأت قول الله تعالى: هل أتاك حديث الغاشية ، فقال رسول الله نعم أتاني نعم أتاني ، وجلس يبكي.

فلذلك لا بد أن نعلم أن المنهج المستقيم في خلطة النساء يقتضي هذا، ولا إفراط فيه ولا تفريط ، لا يمكن أن نتتبع جزئيات هذا الموضوع لكن تكفي اللبيب الإشارة ، وقد علم أن المنهج المستقيم منهج وسطي في كل الأمور، صغائرها وجلائلها ، وأن الإفراط في كل أمر مقيت شرعا وأن التفريط مذموم ، وأن كل فضيلة بين رذيلتين ، وقد عرف ذلك بالأمثلة التي ذكرناها ، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل ما نقوله ونسمعه حجة لنا لا علينا وأن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يجعل عملنا كله خالصا لوجهه الكريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق